كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 7)

فبعدا وسحقا للذي ليس دافعا ... ويختال يمشي بيننا مشية الفحل
قال: فلما سمع أخوها الأسود ذلك، وكان سيّدا مطاعا، قال لقومه: يا معشر جديس، إنّ هؤلاء القوم ليسوا بأعزّ منكم في داركم إلا بما كان من ملك صاحبهم علينا وعليهم، ولولا عجزنا وإدهاننا ما كان له فضل علينا، ولو امتنعنا لكان لنا منه النّصف، فأطيعوني فيما آمركم به، فإنه عزّ الدهر، وذهاب ذلّ العمر فاقبلوا رأيي.
قال: وقد أحمى جديسا ما سمعوا من قولها، فقالوا: نحن نطيعك ولكنّ القوم أكثر وأقوى، قال: فإني أصنع للملك طعاما ثم أدعوهم إليه جميعا، فإذا جاؤوا يرفلون في الحلل ثرنا إلى سيوفنا وهم غارّون فأهمدناهم، قالوا: نفعل. فصنع طعاما كثيرا، وخرج بهم إلى ظهر بلدهم، وكان منزلهم أرض اليمامة، ودعا عمليقا وسأله أن يتغدّى عنده هو وأهل بيته، فأجابه إلى ذلك، وخرج إليه مع أهله يرفلون في الحلى والحلل، حتى إذا أخذوا مجالسهم ومدّوا أيديهم إلى الطعام، أخذوا سيوفهم من تحت أقدامهم، فشدّ الأسود على عمليق وكل رجل على جليسه حتى أناموهم، فلما فرغوا من الأشراف شدّوا على السّفلة فلم يدعوا منهم أحدا، ثم إنّ بقيّة طسم لجأوا إلى حسّان بن تبّع، فغزا جديسا فقتلها وخرّب بلادها. فهرب الأسود قاتل عمليق فأقام بجبل طيّ قبل نزول طيّ إياها، وكانت طيّ تسكن الحرف من أرض اليمن، وهي اليوم محلة مراد وهمدان، وكان سيّدهم يومئذ أسامة بن لؤي بن الغوث بن طيّ، وكان الوادي مسبعة، وهم قليل عددهم، وقد كان ينتابهم بعير في زمان الخريف لا يدرى أين يذهب ولا يرونه إلى قابل. وكانت الأزد قد خرجت من اليمن أيام العرم. فاستوحشت طيّ لذلك وقالت: قد ظعن إخواننا فصاروا إلى الأرياف. فلما هموا بالظعن قالوا لأسامة بن لؤي: إنّ هذا البعير الذي يأتينا من بلد ريف وخصب، وإنّا لنرى في بعره النوى، فلو أنّا نتعهّده عند انصرافه فشخصنا معه لعلّنا نصيب مكانا خيرا من مكاننا هذا. فأجمعوا أمرهم على هذا. فلما كان الخريف جاء البعير يضرب

الصفحة 364