كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 7)

فلا تقبلن ضيما مخافة ميتة ... وموتن بها حرا وجلدك أملس
فمن حذر الأوتار ما حزّ أنفه ... قصير وخاض الموت بالسيف بيهس
نعامة لما صرّع القوم رهطه ... تبيّن في أثوابه كيف يلبس
أما قصير [1] وخبره مع الزبّاء، وجدعه أنفه حتى احتال عليها، وأنست إليه، وجعلته وكيلها يحمل إليها الأمتعة والتجارة من البلاد، فلما اطمأنّت إليه وسكنت كلّ السكون، جعل الرجال في الغرائر ومعهم السلاح، فيهم عمرو بن عدي ابن أخت جذيمة مولى قصير حتى قتلها، وفيه خبر مشهور وقد أخلق بكثرة التداول فيه، وفيه طول على أنه يتضمّن حكما وأمثالا وحيلا، وليس هذا موضعه.
وأما بيهس [2] المعروف بنعامة، فذكر أبو يوسف أنه كان رجلا من بني غراب ابن ظالم بن فزارة بن ذبيان بن بغيض، وكان سابع سبعة أخوة. فأغار عليهم ناس من أشجع بن ريث بن غطفان، وكانت بينهم حرب، وهم في إبلهم، فقتلوا منهم ستة وبقي بيهس، وكان يحمّق وهو أصغرهم، فأرادوا قتله، فقالوا: ما تريدون من قتل هذا؟ يحسب عليكم برجل ولا خير فيه. فقال: دعوني أتوصّل معكم إلى الحيّ، فإنكم إن تركتموني وحدي أكلتني السّباع أو قتلني العطش، ففعلوا. فأقبل معهم فنزلوا منزلا فنحروا جزورا في يوم شديد الحرّ، فقال بعضهم: أظلوا لحمكم لا يفسد، فقال بيهس: لكن بالأثلات لحما لا يظلّل.
فقالوا إنه منكر، وهموا بقتله، ثم إنهم تركوه، ففارقهم حين انشعب به الطريق إلى أهله، فأتى أمّه فأخبرها الخبر، فقالت: ما جاء بك من بين إخوتك؟ فقال:
لو خيّرك القوم لاخترت، فذهبت مثلا. ثم إنّ أمّه عطفت عليه ورقّت له
__________
[1] خبر قصير في قصة جذيمة والزباء، انظر أمثال المفضل الضبي: 143- 147 (وفيه تخريج الأمثال المتصلة بهذا الخبر) .
[2] خبر بيهس والأمثال المتصلة به في أمثال الضبي: 110- 113 وفيه تخريج.

الصفحة 388