كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 7)

1354- وأخبار العرب في الجهد والجوع كثيرة.
قال حماد الرواية عن قتادة، قال زياد لغيلان بن خرشة: أحبّ أن تحدّثني عن العرب وجهدها وضنك عيشها لنحمد الله على النعمة التي أصبحنا بها.
قال غيلان: حدثني عمي قال: توالت على العرب سنون حصّت كلّ شيء، فخرجت على بكر لي في العرب، فمكثت سبعا لا أذوق شيئا إلا ما ينال بعيري أو من حشرات الأرض، حتى وقعت على حواء عظيم، فإذا بيت جحيش عن الحيّ، فملت إليه فخرجت إليّ امرأة طوالة حسّانة، فقالت: من؟ فقلت: طارق ليل يلتمس القرى، فقالت: لو كان عندنا شيء آثرناك به، والدالّ على الخير كفاعله، جس هذه البيوت ثم انظر أعظمها، فإن يك في شيء منها خير ففيه. ففعلت حتى دفعت إليه، فرحّب ثم قال: من؟ قلت: طارق ليل يلتمس القرى، فقال: يا فلان! فأجابه، فقال: هل عندك طعام؟ قال: لا، قال: فوالله ما وقر في أذني شيء كان أشدّ عليّ منه، فقال: هل عندك شراب؟ قال: لا، ثم تأوّه ثم قال: قد بقّينا في ضرع الفلانية شيئا لطارق إن طرق، قال: فأت به، فأتى العطن فابتعثها.
فحدّثني عمي أنه شهد فتح أصفهان وتستر ومهرجان قذق وكور الأهواز وفارس، وجاهد عند السلطان، وكثر ماله وولده، قال: فما سمعت شيئا قط كان ألذّ من شخب تلك الناقة في تلك العلبة، حتى إذا ملأها ففاضت جوانبها وارتفعت عليها شكرة أي رغوة كجمّة الشّيخ، أقبل بها نحوي، فعثر بعود أو حجر فسقطت العلبة.
فلما رأى ذلك ربّ البيت خرج شاهرا سيفه، فبعث الإبل ثم نظر إلى أعظمها سناما على ظهرها مثل رأس الصعل، فكشف عرقوبها، ثم أوقد نارا واجتبّ سنامها، ودفع إليّ مدية وقال: يا عبد الله اصطل واجتمل، فجعلت أهوي بالبضعة إلى النار فإذا بلغت إناها أكلتها، ثم مسحت ما بيدي من إهالتها على جلدي، وكان قد قحل جلدي كأنه شنّ، ثم شربت ماء وخررت مغشيّا عليّ فما استفقت إلى السّحر.
وقطع زياد الحديث وقال: لا عليك أن تخبرنا بأكثر من هذا فمن المنزول به؟ قلت: عامر بن الطفيل.

الصفحة 394