كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 7)

اليمن- ثم لا أراكم تستكينون على ما بكم من الذلة والقلة والفاقة والبؤس، حتى تفتخروا وتريدوا أن تنزلوا فوق مراتب الناس.
قال النعمان: أصلح الله الملك، حق لأمة الملك منها أن تسمو بفضلها، ويعظم خطبها، وتعلو درجتها، إلّا أنّ عندي في كل ما نطق به الملك جوابا في غير ردّ عليه ولا تكذيب له، فإن أمّنني من غضبه نطقت به. قال كسرى: قل فأنت آمن. قال النعمان: أما أمتك أيها الملك فليس تنازع في الفضل لموضعها الذي هي به في عقولها وأحلامها وبسط محلها وبحبوحة عزها، وما أكرمها الله به من ولاية آبائك وولايتك، وأما الأمم الذي ذكرت فأيّ أمة قرنتها بالعرب إلا فضلتها. قال كسرى: بماذا؟ قال النعمان: بعزّها ومنعتها وحسن وجوهها وألوانها وبأسها وسخائها، وحكمة ألسنتها وشدة عقولها وأنفتها ووفائها. فأما عزّها ومنعتها فإنها لم تزل مجاورة لآبائك الذين دوّخوا البلاد ووطّدوا الملك وقادوا الجنود، لم يطمع فيهم طامع ولم ينلهم نائل، حصونهم ظهور خيولهم ومهادهم الأرض وسقفهم السماء وجنتهم السيوف وعدّتهم الصبر، ثم إنّ غيرهم من الأمم إنما عزّها الحجارة والطين وجزائر البحار. وأما حسن وجوهها وألوانها فقد تعرف فضلهم في ذلك على غيرهم من الهند المحترقة والصين المحسمة والترك المشوهة والروم المقشرة. وأما أنسابها فليست أمة من الأمم إلا وقد جهلت آباءها وأصولها وكثيرا من أولاها وأخراها حتى إنّ أحدهم يسأل عما وراء أبيه دنية فلا ينسبه ولا يعرفه، وليس أحد من العرب إلا يسمّي آباءه أبا فأبا، حاطوا بذلك أحسابهم وحفظوا أنسابهم، فلا يدخل رجل في غير قومه ولا ينسب إلى غير نسبه ولا يدعى إلى غير أبيه. وأما سخاؤهم فإنّ أدناهم رجلا للذي عنده البكرة يكون عليها بلاغه في حمولته وشبعه وريه، فيطرقه الطارق الذي يكتفي بالفلذة ويحتزىء بالسّربة فيعقرها له ويرضى أن يخرج له عن دنياه كلّها فيما يكسبه من أحدوثة الشكر وطيب الذكر. وأما حكمة ألسنتها فإنّ الله أعطاهم في أشعارهم ورونق كلامهم وحسنه ووزنه وقوافيه، مع معرفتهم بالإشارة وضربهم

الصفحة 406