كتاب كشف اللثام شرح عمدة الأحكام (اسم الجزء: 7)

قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما أسكر كثيرُه، فقليلُه حرام"، وتقدم في الحديث الذي قبله (١)، وقد أخرج ابنُ حبان، والطحاوي من حديث عامرِ بنِ سعدِ بن أبي وقاص، عن أبيه، عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "أنهاكم عن قليلِ ما أسكرَ كثيرُه" (٢).
وقد اعترف الطحاوي بصحة هذه الأحاديث، لكن قال: اختلفوا في تأويل الحديث، فقال بعضهم: أراد به جنسَ ما يُسكر، وقال بعضهم: أراد به ما يقع السكرُ عنده، ويؤيده أن القاتل لا يسمى قاتلًا حتَّى يَقتل، قال: ويدل له حديث ابن عباس، رفعه: "حُرِّمَتِ الخمرُ قليلُها وكثيرُها، والسُّكرُ من كلِّ شراب" (٣).
قال في "الفتح": أخرجه النَّسائي (٤)، ورجاله ثقات، إلَّا أنه اختلف في وصله وانقطاعه، وفي رفعه ووقفه، وعلي تقدير صحته، فقد رجح الإمام أحمد وغيره أن الرواية فيه بلفظ: المُسْكِر (٥) -بضم الميم وسكون السين المهملة- لا السُّكْرُ -بضم فسكون-، أو بفتحتين، وعلى فرض ثبوتها، فهو حديث فرد، ولفظه محتمل، فكيف يعارض عموم تلك الأحاديث مع صحتها وكثرتها؟
---------------
(١) وتقدم تخريجه.
(٢) رواه ابن حبان في "صحيحه" (٥٣٧٠)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (٤/ ٢١٦).
(٣) انظر: "شرح معاني الآثار" للطحاوي (٤/ ٢٢١).
(٤) رواه النَّسائي (٥٦٨٣)، كتاب: الأشربة، باب: ذكر الأخبار التي اعتل بها من أباح شراب السكر.
(٥) رواه الإمام أحمد في "المسند" (١٠٩)، ثم قال: يقول شريك: ربما حدث "المسكر"، وربما حدث: "السكر".

الصفحة 71