كتاب تفسير الماتريدي = تأويلات أهل السنة (اسم الجزء: 7)

الآخرة والبعث رأسًا ليسلم لهم الدنيا فذلك الذي حملهم على إنكار الرسل وتكذيبهم إياهم؛ ألا ترى أف قال: (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ)، أي: بالقرآن أو بمحمدٍ، إيمانهم بالبعث حملهم على الإيمان بالقرآن والرسول، وتكذيبهم الآخرة حملهم على تكذيب الرسل، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا (11)
قَالَ بَعْضُهُمْ: إذا غضب الإنسان يدعو على نفسه وولده وأهله، ويلعن، كدعائه عليهم بالخير؛ لذلك انتصب قوله: (دُعَآءَهُ).
وقال الحسن: إن الإنسان يتضايق صدره وقلبه بأدنى شيء يكره؛ فيلعن على نفسه وأهله؛ فلا يجيبه اللَّه، ثم يدعو بالخير؛ فيعطيه، أو نحوه من الكلام.
وقوله: (وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ) هذا يحتمل وجهين:
أحدهما: ويدعو الإنسان بالشر على العلم منه بذلك كدعائه بالخير على العلم منه بذلك.
والثاني: يدعو الإنسان بالشر لو أجيب فيه على الجهل منه والغفلة، كدعائه بالخير لو أجيب في ذلك. ثم إن كان ذلك الإنسان هو الكافر فهو يدعو على الاستهزاء؛ كقوله: (فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ) الآية، وكذلك قوله: (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ)، ونحوه. وإن كان مسلمًا فهو يدعو بالشر على نفسه وأهله عند الغضب على علم منه به، ويدعو أيضًا بالشر على السهو والغفلة منه، نحو ما يسأل الأموال والنكاح، ولعل ذلك شر له.
وقوله - عَزَّ وَجَلََّّ -: (وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا).
قَالَ بَعْضُهُمْ: هذا لازم؛ لأنه لما خلقه اللَّه فنفخ الروح في بعض جسده - هم أن يقوم؛ فسماه عجولًا، لكن كل الإنسان خلق في الطبع من الأصل عجولًا؛ ألا ترى أنه لا يصبر على أمر واحد ولا على شيء واحد، وإن كان نعمة لم يصبر عليها؛ ولكن يمل عنها؟! وكذلك في أدنى شدة وبلاء إذا بلي به لم يصبر عليه، فأبدًا يريد الانتقال من حال إلى حال؛ ألا ترى أن قوم موسى قد أكرمهم اللَّه بكرامات: من إنزال المن والسلوى

الصفحة 13