كتاب تفسير الماتريدي = تأويلات أهل السنة (اسم الجزء: 7)

ما قالوا في محوه، وهو السواد الذي يرى فيه والنقصان الذي يكون فيه في آخره.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: محى منه تسعة وستون جزءًا من سبعين جزءًا، إلى هذا يذهب هَؤُلَاءِ.
وأما الحسن وأبو بكر وهَؤُلَاءِ، فهم يقولون: ليس في الآية ذكر الشَّمس والقمر، إنما ذكر الليل والنهار وأخبر أنه جعل آيتين؛ فهما كذلك آيتان، وبهما يعلم عدد السنين والحساب؛ لأنه بالأيام يعرف ذلك، فأمّا الشهور فإنه إنما تعرف بالقمر لا تعرف بالأيام؛ ويكون قوله تأويل: (فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً)، أي: جعلنا آية الليل في الابتداء ممحوة مظلمة، وجعلنا آية النهار مبصرة مضيئة في الابتداء ليس أن كانا جميعًا مبصرتين مضيئتين ثم مُحِي آية الليل وأبقيت آية النهار مضيئة؛ ولكن إنشاء آية الليل في الابتداء مظلمة، وإنشاء آية النهار في الابتداء مبصرة، وهو كقوله: (وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19)، أي: إنشاؤها في الابتداء كذلك، لا أن السماء كانت موضوعة فرفعها، ولا كذلك الجبال كانت مبسوطة ثم نصبها؛ ولكن إنشاءهما في الابتداء كذلك؛ فعلى ذلك قوله: (فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً)، أي: جعلهما في الابتداء: هذا مظلمًا ممحوًّا، وهذا مبصرًا مضيئًا.
(وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ): هما آيتان مختلفتان، بل متضادتان تضاد كل واحدة منهما صاحبتها؛ إذ كل واحدة تنسخ الأخرى حتى لا يبقى لها أثر، وهما آيتان دالتان على وحدانية اللَّه تعالى؛ لأنه لو كانا فِعْلَ عدد - لكان إذا أتى هذا على هذا وغلب عليه - منع من أن يكون للآخر سلطان أو أمر؛ فإذ لم يكن دل أنه صنعُ واحدٍ، وفيهما دلالة تدبيره؛ حيث جريا على سَنَنٍ واحد ومقدار واحد، على غير تفاوت يكون فيهما وتفاضل، أو تغير على ما كان ومضى؛ دل أنه عن تدبير خرجا وكانا كذلك.
وفيه دلالة علمه وحكمته لما جعل فيهما من المنافع ما لو كان الليل سرمدًا ذهب منفعة الليل نفسه، ولو كان النهار سرمدًا لذهب منفعة النهار رأسًا.
وفيه دلالة البعث؛ لأنه يتلف أحدهما إذا جاء الآخر حتى لا يبقى له أثر بتة، ثم يعيده على ما كان من غير أن يعلم أنه غير الأول.

الصفحة 15