كتاب تفسير الماتريدي = تأويلات أهل السنة (اسم الجزء: 7)

أحدهما: أي: يجعل ما لزم عنقه كتابًا يلقاه منشورًا.
والثاني: أي: يجعل بما ألزم عنقه كتابًا.

وقوله - عَزَّ وَجَلََّّ -: (اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)
قيل: شهيدًا، وقيل: كافيًا وحاسبًا، وهو واحد: أن المؤمن بما سبق من صالحاته يقف فيها لا يقطع القول لرجائه في رحمته ولخوفه عن مساويه؛ فلا يشهد على نفسه بالعقوبة.
وأما الكافر فإنه يشهد على نفسه بالنار؛ لما لم يكن له ما يطمع رحمته.
وقوله: (اقْرَأْ كِتَابَكَ)، أي: (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا)؛ فيقال له: (اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا).
وفي ذلك لطف عظيم بقراءة كتابه بأي لسان كان؛ لأنه لم يبين بأي لسان يكتب، ثم يتذكر جميع ما عمل في عمره، وقد ينسى الرجل عملًا يعمل في أدنى مدة، لكن هذا يتذكر في ساعة ووهلة ما كان عاملًا منه.
* * *

قوله تعالى: (مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15) وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16) وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (17)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ).
أي: من اهتدى إلى ما جعل اللَّه عليه من أنواع النعم، وقام بأداء شكرها فإنما فعل ذلك لنفسه؛ لأنه هو المنتفع به.
أو يقول: من اختار الهدى وأجابه إلى ما دعاه مولاه فإنّما يهتدي لنفسه، أي: فإنما اختار ذلك لنفسه؛ لأنه هو المنتفع به وهو الساعي في فكاك رقبته.
وقوله - عَزَّ وَجَلََّّ - (وَمَنْ ضَلَّ).
أي: من ضل، أي: من اختار الضلال (فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا)، أي: فإنما يرجع عليها ضرره، وهو ما ذكر: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا).
وقوله: (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا).
وقوله: (وَمَنْ ضَلَّ) عن ذلك (فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا).
أي: إلى نفسه يرجع ضرر ضلاله على نفسه؛ كقوله: (وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى).

الصفحة 18