كتاب تفسير الماتريدي = تأويلات أهل السنة (اسم الجزء: 7)

ينتفع بها مع النهي والأمر؛ لأنه لولا الأمر والنهي ما احتيج إليها، أو خاطبه به على إرادة غيرٍ؛ على ما يخاطب به ملوك الأرض الأقرب إليهم والأعظم والخطر منهم دون خسائس الناس ورذالهم.
والثاني: أنه يخاطب كلًا في نفسه، ليس أنه يخص رسوله بذلك، ولكن كل موهوم ذلك منه.
ويحتمل أن لخاطب به كقوله: (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ)، و (يَا أَيُّهَا النَّاسُ)؛ ليس إنسان أحق بهذا الخطاب من إنسان؛ فعلى ذلك الأول، أو يقول: إنه يخاطب رسوله؛ ليعلم من دونه أن ليس لأحد وإن عظم قدره عند اللَّه وارتفع محله ومنزلته - محاباة في الدِّين؛ لأن الرسل هم المكرمون على اللَّه المعظمون عنده؛ فإذا لم يعف عنهم في هذا - لم يعف من دونهم؛ ألا ترى أنه قال للملائكة: (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ)، وهم أكرم خلق اللَّه؛ حيث وصفهم اللَّه أنهم: (لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)؟!؛ فعلى ذلك الرسل؛ ألا ترى أنه قال على أثره: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) إلى قوله: (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا)، ومعلوم أن أبويه كانا ضالين؛ فلا يحتمل أن يخاطب رسوله في قوله: (وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا)؛ دل أنه خاطب به كل محتَمَل ذلك منه وموهوم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا).
عند الناس.
(مَخْذُولًا).
أي: ذليلًا مقهورًا؛ لأن الخذلان هو ضد النصر والعون؛ ألا ترى أنه قال: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ. . .) الآية. ذكر الخذلان مقابل النصر؛ فعلى ذلك قوله: (مَخْذُولًا)، أي: مقهورًا ذليلًا غير منصور، واللَّه أعلم.
* * *
قوله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (25) وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ

الصفحة 25