كتاب تفسير الماتريدي = تأويلات أهل السنة (اسم الجزء: 7)
بالظاهر والباطن جميعًا على ما ذكرنا في قوله: (فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا)، والله أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا).
قَالَ بَعْضُهُمْ: (رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)، ويحتمل أن يكون على الإضمار؛ فيكون - واللَّه أعلم - كأنه قال: رب ارحمهما كما رحماني وربياني صغيرًا.
وقول أهل التأويل: إن هذا منسوخ نسخه قوله: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ. . .) الآية - بعيد؛ وأمكن أن تكون الآية في المؤمنين والكافرين؛ فالرحمة التي ذكر: تكون في الكافرين سؤال الهداية لهم وجعلهم أهلًا للرحمة والمغفرة؛ وذلك جائز كقول نوح لقومه: (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا) أي: استهدوا ربكم؛ فيهديكم فيغفر لكم ما كان منكم؛ إنه كان لم يزل غفارًا؛ إذ لا يحتمل أن يأمرهم بالاستغفار ويعدهم بالمغفرة على الحال التي هم عليها، وكذلك استغفار إبراهيم لأبيه.
أو أن تكون من الرحمة التي يتراحم بعضهم أعضًا، والشفقة التي تكون بين الناس كما يتراحم الصغار والضعفاء، ثم مثل هذه المعاملة التي أمر الولد أن يعامل أبويه يلزم المؤمنين من جهة الدِّين ومكارم الأخلاق أن يعاملهم الناس بعضهم بعضا، غير أن هذا فيما بين الناس ليس بفرض لازم، وذلك فرض لازم؛ لأنها بحق الشكر والجزاء لهما لما كان منهما إليه من البرّ والإحسان، وحق التربية والتعظيم حقهما وجليل قدرهما وخصوصيتهما، وهو كما يقال لرسوله: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) وإلا فقد وصف المؤمنين بتراحم بعضهم على بعض؛ على ما ذكر: (رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)، وأمرهم بذلك.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ (25)
قال بعضسهم: قوله: (أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ) من أسرار المحبة لهما والبر والكرامة.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ)، أي: أعلم ما تفعله نفوسكم، وهو كما
الصفحة 31
608