كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح (اسم الجزء: 7)

واختلف العلماء فيما يدعو به الرجل في ركوعه وسجوده: فقالت طائفة: لا بأس أن يدعو الرجل في ذَلِكَ مما أحب، وليس عندهم في ذَلِكَ شيء موقت (¬1)، وقد رويت آثار كثيرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يدعو بها، منها: "اللَّهُمَّ لك ركعت .. " إلى آخره، "اللَّهُمَّ لك سجدت .. " إلى آخره، أخرجه مسلم من حديث علي (¬2)، ومنها في السجود: "اللَّهُمَّ إني أعوذ برضاك من سخطك .. " إلى آخره، وأخرجه مسلم أيضًا من حديث عائشة (¬3)، وفي رواية: فإذا هو راكع أو ساجد يقول: "سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت" (¬4) ومنها في سجوده: "اللَّهُمَّ اغفر لي ذنبي كله، دِقَّه وجِلَّه، أولَه وآخره، وعلانيته وسره" أخرجه مسلم أيضًا من حديث أبي هريرة (¬5)، والكل لم يخرجها البخاري وغير ذَلِكَ؛ إلا أن مالكا كره الدعاء في الركوع ولم يكرهه في السجود، واقتصر في الركوع عَلَى تعظيم الرب جل جلاله والثناء عليه (¬6)، وأظنه ذهب إلى حديث علي: "أما الركوع فعظموا فيه
¬__________
(¬1) انظر: "شرح المعاني الآثار" 1/ 235.
(¬2) مسلم (771).
(¬3) "صحيح مسلم" (486).
(¬4) "صحيح مسلم" (485).
(¬5) "صحيح مسلم" (483).
(¬6) انظر: "المدونة الكبرى" 1/ 74.
قال ابن عبد البر رحمه الله:
وأجمعوا أن الركوع موضع لتعظيم الله بالتسبيح وأنواع الذكر، واختلف الفقهاء في تسبيح الركوع والسجود.
فقال ابن القاسم، عن مالك: إنه لم يعرف قول الناس في الركوع: سبحان ربي العظيم، وفي السجود: سبحان ربي الأعلى، وأنكره ولم يجد في الركوع دعاءً مؤقتًا، ولا تسبيحًا مؤقتًا، وقال: إذا أمكن المصلي يديه من ركبتيه في الركوع، وجبهته من الأرض في السجود فقد أجزأ عنه.

الصفحة 164