وأما إذا التفت لأمر يعنُّ له من أمر الصلاة أو غيرها فمباح له ذلك وليس من الشيطان (¬1).
وفيه حض على إحضار المصلي ذهنه ونيته لمناجاته ربه ولا يشتغل بأمر دنياه، وذلك [أن] (¬2) المرء لا يستطيع أن يخلص صلاته من الفكر في أمور في نياه؛ لأن الشارع أخبر أن الشيطان يأتي إليه في صلاته فيقول له: اذكر كذا، اذكر كذا (¬3)؛ لأنه موكل به في ذلك. وقد قال - عليه السلام -: "من صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه" (¬4)، وهذا إنما هو لمغالبة الإنسان، فمن جاهد شيطانه ونفثه وجبت له الجنة.
وقد نظر - عليه السلام - إلى عَلَم الخميصة وقال أنها شغلته، فهذا مما لا يستطاع على دفعه في الأعم.
¬__________
(¬1) وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة واستدلوا على ذلك بحديث أبي بكر عندما التفت في الصلاة، فرأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتأخر. يأتي برقم (684)، ومسلم (421)، وبما رواه أبو داود (916) عن سهل بن الحنظلية قال: ثوب بالصلاة يعني صلاة الصبح فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي وهو يلتفت إلى الشعب. قال أبو داود: وكان أرسل فارسًا إلى الشعب من الليل يحرس.
وقد نظم بعضهم هذا المعنى فقال:
والالتفات في الصلاة يكره ... إلا الحاجة فسهل أمره
انظر: "الاستذكار" 2/ 310، "الذخيرة" 2/ 149، "شرح منح الجليل" 1/ 163، "البيان" 2/ 318، "المجموع" 4/ 29، "أسنى المطالب" 1/ 183، "المغني" 2/ 391، "الفروع" 1/ 483، "المبدع"1/ 476.
(¬2) زيادة يقتضيها السياق.
(¬3) جاء هذا المعنى في حديث سلف برقم (608) باب: فضل التأذين، وهو بنصه عند مسلم (389) كتاب: الصلاة، باب: فضل الأذان وهرب الشيطان عند سماعه.
(¬4) رواه أحمد في "مسنده" 4/ 117 عن زيد بن خالد الجهني بلفظ: "مَنْ توضأ فأحسن وضوءه ثمَّ صلَّى ركعتين لا يسهو فيهما، غفر الله له ما تقدم من ذنبه". ورواه عنه أيضًا 5/ 194 بلفظ: "مَن صلى سجدتين لا يسهو فيهما؛ غفر الله له ما تقدم من ذنبه".