كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 7)

فَقِيلَ لأَبِي هُرَيرَةَ: إِنا نَكُونُ وَرَاءَ الإِمَامِ. فَقَال: اقرَأْ بِهَا فِي نَفسِكَ. فَإِني سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُولُ: "قَال اللهُ تَعَالى: قَسَمتُ الصلاةَ بَينِي وَبَينَ عَبْدِي نِصْفَينِ،
ــ
(فقيل لأبي هريرة إنا نكون) ونصلي (وراء الإمام) أي خلفه فهل نقرأها (نقال) أبو هريرة للسائل (اقرأ بها في نفسك) أي اقرأها سرًّا لا جهرًا ولا تتركها لأن قراءتها واجبة على كل مصل إمامًا أو مأمومًا أو منفردًا.
وفي المفهم: قوله (اقرأ بها في نفسك) اختلف العلماء في قراءة المأموم خلف الإمام فذهب جماعة من الصحابة والتابعين إلى أن المأموم لا يترك قراءة أم القرآن على كل حال وإليه ذهب الشافعي تمسكًا بقول أبي هريرة وبعموم قوله (لا صلاة) وذهب مالك وابن المسيب في جماعة من التابعين وغيرهم وفقهاء أهل الحجاز والشام إلى أنه لا يقرأ معه فيما جهر به وإن لم يسمعه ويقرأ معه ما أسر فيه الإمام تمسكًا بقوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} وبقول أبي هريرة فانتهى الناس عن القراءة فيما جهر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وبقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قرأ الإمام فأنصتوا" وذهب أكثر هؤلاء إلى أن القراءة فيما يسر فيه الإمام غير واجبة إلا داود وأحمد بن حنبل وأصحاب الحديث فإنهم أوجبوا قراءة الفاتحة إذا أسر الإمام وذهب الكوفيون إلى ترك قراءة المأموم خلف الإمام على كل حال اهـ منه.
(فإني) أي لأني (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) فيما يرويه عن ربه يعني الحديث القدسي (قال الله) سبحانه و (تعالى قسمت الصلاة) أي الفاتحة؛ والمراد بالصلاة هنا الفاتحة لأنها لا تصح إلا بها، قال ابن الملك: أراد بالصلاة القراءة لأنها جزؤها، ويطلق كل منهما على الآخر مجازًا قال الله تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ أي بقراءتك، وقال تعالى: {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} يعني صلاة الفجر؛ والمراد من الصلاة هنا قراءة الفاتحة بقرينة تتمة الحديث.
وقوله (بيني وبين عبدي نصفين) قرينة قوية للمجاز المذكور فإن الصلاة خالصة لله تعالى لا تكون مقسومة.
قال السندي: ووجه الاستدلال بهذا التقسيم على وجوبها هو أن قسمة الفاتحة جعلت قسمة للصلاة واعتبرت الصلاة مقسومة باعتبارها ولا يظهر ذلك إلا عند لزوم

الصفحة 77