كتاب الموسوعة الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة (اسم الجزء: 7)
تحدثوا أنّك رجحْتَ لهم عن كُفرك، فخطَب الناسَ في صلاة الظهر فذكَر أمْرَهم فعابه، فوثبوا من نواحي المسجد يقولون: لا حُكم إلاّ لله، واستقبله رجل منهم واضع أصبعيه في أذنيه فقال: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (¬1) فقال عليّ: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} (¬2) " (¬3).
ومِن أجل فهم مُراد عليٍّ -رضي الله عنه- لا بُد من معرِفة سياق الآية، قال الله -تعالى-: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ * كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} (¬4).
يعني: مِن شأن الكافرين إذا رأوا الآيات البيّنات والمُعجِزات الباهرات، أن يحكُموا ببطلان مَن جاء بها؛ لأنّه قد طُبع على قلوبهم فهم لا يفقهونها، فأمرَ الله -تعالى- نبيّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالصبر على مخالفتهم وعنادهم وأذاهم، فالعاقبة له ولمن اتبعَه في الدارَيْن.
وأمَرَه -سبحانه- ألاّ يستخفنّ حِلْمه ورأيه (¬5) أولئك المشركين الذين لا
¬__________
(¬1) الزمر: 65.
(¬2) الروم: 60.
(¬3) أخرجه ابن جرير في "تاريخه"، وصححه شيخنا -رحمه الله- في "الإرواء" (2468).
(¬4) الروم: 58 - 60.
(¬5) انظر تفسير الإمام الطبري -رحمه الله- لقوله -تعالى-: {وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ}.
الصفحة 308