كتاب الموسوعة الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة (اسم الجزء: 7)
قال: "كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسوّي صفوفَنا حتى كأنما يسوي بها القِداح (¬1)، حتى رأى أنّا قد عَقَلْنا عنه، ثمّ خرَج يوماً فقال: عبادَ الله لتُسوُّنَّ صفوفكم أو ليخالِفنّ اللهُ بين وجوهكم (¬2)، وفي رواية: قلوبكم" (¬3).
فأشار إلى أنّ الاختلاف في الظاهر -ولو في تسوية الصفِّ- مما يوصل إلى اختلاف القلوب، فدلَّ على أنّ الظاهر له تأثيرٌ في الباطن، ولذلك رأيناه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينهى عن التفرُّق حتى في جلوس الجماعة، ويحضرني الآن في ذلك حديثان:
1 - عن جابر بن سمرة قال: "خرَج علينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرآنا حِلَقاً فقال: مالي أراكم عزين؟! (¬4) " (¬5).
2 - عن أبي ثعلبة الخشني قال: "كان الناس إذا نَزَلوا منزلاً تفرّقوا في الشعاب والأودية، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنّ تفرّقَكم في هذه الشعاب والأودية إنّما ذلكم مِن الشيطان، فلم ينزل بعد ذلك منزلاً، إلاَّ انضَمَّ بعضُهم إلى بعض، حتى يُقال: لو بُسط عليهم ثوب لعمَّهم" (¬6).
¬__________
(¬1) القِداح -بكسر القاف- هي خَشَب السهام حين تُنحت وتُبرى، واحدها (قِدح) -بكسر القاف- معناه: يبالغ في تسويتها حتى تصير كأنما يُقَوِّم بها السهام؛ لشدة استوائها واعتدالها. "شرح النّووي" (4/ 157).
(¬2) أخرجه مسلم: 436، وأصله في البخاري: 717.
(¬3) انظر "صحيح سنن أبي داود" (616) و"صحيح الترغيب والترهيب" (512).
(¬4) قال النّووي -رحمه الله- (4/ 153): "أي: مُتفرّقين جماعة جماعة -وهو بتخفيف الزاي الواحدة- عِزَة، معناه النهيُ عن التفرّق والأمرُ بالاجتماع".
(¬5) أخرجه مسلم: 430.
(¬6) أخرجه أحمد، وأبو داود (2628)، وابن حِبّان وغيرهم، وانظر "حِجاب المرأة المسلمة" (ص 109).