للمسلمين في الأجر، وعمل فيه المسلمون: فدأب فيه ودأبوا، وأبطأ عَن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وعن المسلمين في عملهم رجالٌ من المنافقين، وجعلوا يُوَرُّون بالضَّعْف من العمل، ويتسلَّلون إلى أهاليهم بغير علْم من رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا إذن. وجعل الرَّجُل من المسلمين إذا نابتْه نائبة من الحاجة التي لا بدَّ منها يذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويستأذنه في اللحوق بحاجته؛ فيأذن له؛ فإذا قضى حاجتَه رجع إلى ما كان فيه من عمله رغبةً في الخير، واحتسابًا له؛ فأنزل الله عزَّ وجلَّ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} إلى قوله: {وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} فنزلت هذه الآية في كلّ من كان من أهل الحِسْبَة من المؤمنين والرغبة في الخير؛ والطاعة لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -. ثم قال يعني المنافقين الذين كانوا يتسلَّلون من العمل، ويذهبون بغير إذْن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَينَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} إلى قوله: {قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيهِ}، أي: قد علم ما أنتم عليه من صدق أو كَذِب، وعمل المسلمون فيه حتى أحكموه؛ وارتجزوا فيه برَجُل من المسلمين يقال له: جُعَيل، فسمَّاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "عَمْرًا"، فقالوا:
سَمَّاهُ مِنْ بعدِ جُعَيلٍ عَمْرَا ... وكانَ للْبَائِس يَومًا ظَهْرَا
فإذا مرّوا بعمرو، قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "عمرا"، وإذا قالوا: "ظهرا"، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ظهْرا" (١).
٢١٧ - فحدَّثنا محمد بن بشار، قال: حدَّثنا محمد بن خالد بن عَثْمَة، قال: حدَّثنا كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزنيّ، قال: حدَّثني أبي، عن أبيه، قال: خط رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الخَنْدق عامَ الأحزاب من أجُم الشَّيخَين طرف بني حارثة؛ حتى بلغ المذاد ثم قطَّعه أربعين ذراعًا بين كلِّ عشرة، فاحْتقّ المهاجرون والأنصار في سلْمان الفارسيّ -وكان رجلًا قوتًا- فقالت الأنصار: سلْمان منَّا، وقالت المهاجرون: سلْمان منَّا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: سلْمان منَّا أهلَ البيت. قال عمرو بن عوف: فكنتُ أنا وسلْمان، وحُذَيفة بن اليمان، والنعمان بن مقرِّن المزنيّ، وستة من الأنصار في أربعين ذراعًا، فحفرنا تحت ذو باب حتى بلغنا
---------------
(١) إسناده مرسل، وكذلك أخرجه ابن هشام من الطريق نفسه مرسلًا وكذلك أخرجه البيهقي في الدلائل (٣/ ٤١٠).