كتاب صحيح وضعيف تاريخ الطبري (اسم الجزء: 7)

قضاعة- قالت: وإنما أريد أن آتيَ أخي بالشأم، قالت: فجئتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: يا رسولَ الله! قد قدم رهط من قومي لي فيهم ثمَة وبلاغ. قالت: فكساني رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، وحملني وأعطاني نفقةً، فخرجت معهم حتى قدِمْت الشأم.
قال عديّ: فوالله، إني لقاعدٌ في أهلي إذ نظرت إلى ظَعينة تُصَوّبُ إليّ تَؤمّنا. قال: فقلت: ابنة حاتم! قال: فإذا هي هي؛ فلما وقفتْ عليّ انسحلَتْ تقول: القاطع الظالم! احتملتَ بأهلك وولدك، وتركت بُنيَّةَ والدك وعَوْرَتَهُ! قال: قلت: يا أخيّة، لا تقولي إلا خيرًا، فوالله ما لي عذر، لقد صنعت ما ذكرت. قال: ثم نزلتْ فأقامت عندي، فقلت لها - وكانت امرأة حازِمَةً -: ماذا ترين في أمر هذا الرجل؟ قالت: أرَى والله أن تلحق به سريعًا، فإن يكن الرجل نبيًّا فالسابق إلَيه له فضيلة، وإن يكن ملِكًا فلن تذلَّ في عزّ اليمن وأنت أتَ! قلتُ: والله إن هذا للرّأي. قال: فخرجت حتى أقدم على رسول الله المدينة، فدخلت عليه وهو في مسجده فسلّمت عليه، فقال: مَنِ الرجل؟ فقلت: عديُّ بن حاتم، فقام رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فانطلق بي إلى بيته، فوالله إنه لعامدٌ بي إذ لَقِيَتْه امرأة ضعيفة كبيرة فاستوقَفتْه، فوقف لها طويلًا تكلّمه في حاجتها. قال: فقلت في نفسي: والله ما هذا بملك، ثم مضى رسولُ الله حتى دخل بيته، فتناول وسادةً من أدَم محشُوَّةً لِيفًا، فقذفها إليّ، فقال لي: اجلس على هذه، قال: قلت: لا بل أنت، فاجلس عليها. قال: لا بل أنت، فجلستُ وجلس رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بالأرض. قال: قلت في نفسي: والله ما هذا بأمر ملك، ثم قال: إيه يا عديّ بن حاتم! ألم تك رَكُوسِيًا! قال: قلت: بلى، قال: أوَلم تكن تسير في قومك بالمِرْباع! قال: قلت: بلى، قال: فإنّ ذلك لم يكن يحل لك في دينك، قال: قلت: أجلْ والله - وعرفت أنه نبيٌّ مرسل يعلم ما يُجهل - قال: ثم قال: لعلّه يا عديّ بن حاتم؛ إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين ما ترى من حاجتهم! فوالله ليوشِكَنَّ المال يفيض فيهم حتى لا يُوجَد مَنْ يأخذه؛ ولعله إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين ما ترى من كثرة عدوّهم وقله عددهم؛ فوالله لَيوشكنّ أن تسمع بالمرأة تخرُجُ من القادسيّة على بعيرها حتى تزور هذا البيت، لا تخاف إلا الله؛ ولعلّه إنما يمنعك من الدخول فيه أنك ترى أنّ المُلك والسلطان في غيرهم، وايمُ الله ليوشكَنَّ أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فُتحت. قال: فأسلمت، فكان عَدِيُّ بن حاتم يقول: مضت الثنتان وبقيت الثالثة، والله لتكوننّ! قد رأيت القصور البيض

الصفحة 234