كتاب بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (اسم الجزء: 7)

النُّقْصَانَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِنَاءً عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَا، وَإِنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ إنَاءَ فِضَّةٍ، أَوْ ذَهَبٍ فَانْهَشَمَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ، أَوْ هَشَّمَهُ، فَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِعَيْنِهِ وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُهُ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ؛ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ لَا قِيمَةَ لَهَا بِانْفِرَادِهَا، فَأَمَّا مَعَ الْأَصْلِ فَمُتَقَوِّمَةٌ، خُصُوصًا إذَا حَصَلَتْ بِصُنْعِ الْعِبَادِ، فَلَا بُدَّ مِنْ التَّضْمِينِ، وَالتَّضْمِينُ بِالْمِثْلِ غَيْرُ مُمْكِنٍ؛ لِأَنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ فَوَجَبَ التَّضْمِينُ بِالْقِيمَةِ، ثُمَّ لَا سَبِيلَ إلَى تَضْمِينِهِ بِجِنْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا فَلَزِمَ تَضْمِينُهُ بِخِلَافِ جِنْسِهِ بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ إيجَابُ الْمِثْلِ مُمْكِنٌ وَهُوَ الْأَصْلُ فِي الْبَابِ، فَلَا يُعْدَلُ عَنْ الْأَصْلِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ.
وَلَوْ قَضَى عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ، ثُمَّ تَفَرَّقَا قَبْلَ التَّقَابُضِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ لَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ قَامَتْ مَقَامَ الْعَيْنِ، وَعِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ، وَكَذَلِكَ آنِيَةُ الصُّفْرِ وَالنُّحَاسِ وَالشَّبَّةِ وَالرَّصَاصِ إنْ كَانَتْ تُبَاعُ وَزْنًا فَهِيَ وَآنِيَةُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ تُبَاعُ وَزْنًا لَمْ تَخْرُجْ بِالصِّنَاعَةِ عَنْ حَدِّ الْوَزْنِ، فَكَانَتْ مَوْزُونَةً، فَكَانَتْ مِنْ أَمْوَالِ الرِّبَا كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، فَإِذَا انْهَشَمَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ، فَحَدَثَ فِيهَا عَيْبٌ فَاحِشٌ أَوْ يَسِيرٌ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ كَذَلِكَ وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَلَا يَكُونُ التَّقَابُضُ فِيهِ شَرْطًا بِالْإِجْمَاعِ، وَكَذَلِكَ هَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ إذَا نَقَصَ مِنْ وَصْفِهِ لَا مِنْ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ، وَإِنْ كَانَتْ تُبَاعُ عَدَدًا فَانْكَسَرَتْ أَوْ كُسِّرَتْ إنْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ يُورِثْ فِيهِ عَيْبًا فَاحِشًا، فَلَيْسَ لِصَاحِبِهِ فِيهِ خِيَارُ التَّرْكِ، وَلَكِنَّهُ يَأْخُذُهَا وَيُضَمِّنُهُ نُقْصَانَ الْقِيمَةِ، وَإِنْ كَانَ أَوْرَثَ عَيْبًا فَاحِشًا فَصَاحِبُهَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا وَأَخَذَ قِيمَةَ النُّقْصَانِ.
وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا عَلَيْهِ وَضَمَّنَهُ قِيمَتَهَا صَحِيحًا، وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا غَصَبَ عَصِيرًا فَصَارَ خَلًّا فِي يَدِهِ، أَوْ لَبَنًا حَلِيبًا فَصَارَ مَخِيضًا، أَوْ عِنَبًا فَصَارَ زَبِيبًا، أَوْ رُطَبًا فَصَارَ تَمْرًا أَنَّ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ ذَلِكَ الشَّيْء بِعَيْنِهِ وَلَا شَيْء لَهُ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ مِنْ أَمْوَالِ الرِّبَا، فَلَمْ تَكُنْ الْجَوْدَةُ فِيهَا بِانْفِرَادِهَا مُتَقَوِّمَةً، فَلَا تَكُونُ مُتَقَوِّمَةً، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ عَلَى الْغَاصِبِ وَضَمَّنَهُ مِثْلَ مَا غَصَبَ لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا طَرِيقُ مَعْرِفَةِ النُّقْصَانِ فَهُوَ أَنْ يُقَوَّمَ صَحِيحًا وَيُقَوَّمَ وَبِهِ الْعَيْبُ، فَيَجِبُ قَدْرُ مَا بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ قَدْرِ النُّقْصَانِ، إلَّا بِهَذَا الطَّرِيقِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

وَأَمَّا الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِحَالِ زِيَادَةِ الْمَغْصُوبِ: فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: إذَا حَدَثَتْ زِيَادَةٌ فِي الْمَغْصُوبِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ، فَالزِّيَادَةُ لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً عَنْ الْمَغْصُوبِ، وَإِمَّا أَنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً بِهِ فَإِنْ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً عَنْهُ أَخَذَهَا الْمَغْصُوبُ مِنْهُ مَعَ الْأَصْلِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلْغَاصِبِ، سَوَاءٌ كَانَتْ مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْأَصْلِ كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ وَاللَّبَنِ وَالصُّوفِ، أَوْ مَا هُوَ فِي حُكْمِ الْمُتَوَلِّدِ كَالْأَرْشِ وَالْعُقْرِ، أَوْ غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْهُ أَصْلًا كَالْكَسْبِ مِنْ الصَّيْدِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ الْمُتَوَلِّدَ مِنْهَا نَمَاءُ مِلْكِهِ، فَكَانَ مِلْكَهُ، وَمَا هُوَ فِي حُكْمِ الْمُتَوَلِّدِ بَدَلُ جُزْءٍ مَمْلُوكٍ، أَوْ بَدَلُ مَا لَهُ حُكْمُ الْجُزْءِ، فَكَانَ مَمْلُوكًا لَهُ وَغَيْرُ الْمُتَوَلِّدِ كَسْبٌ مَلَكَهُ، فَكَانَ مِلْكَهُ.
وَأَمَّا بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ وَهُوَ الْأُجْرَةُ بِأَنْ آجَرَ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ يَمْلِكُهُ الْغَاصِبُ عِنْدَنَا، وَيَتَصَدَّقُ بِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَنَافِعَ لَيْسَتْ بِأَمْوَالٍ مُتَقَوِّمَةٍ بِأَنْفُسِهَا عِنْدَنَا، حَتَّى لَا تُضْمَنَ بِالْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ وَإِنَّمَا يَتَقَوَّمُ بِالْعَقْدِ وَإِنَّهُ وُجِدَ مِنْ الْغَاصِبِ، وَعِنْدَهُ هِيَ أَمْوَالٌ مُتَقَوِّمَةٌ بِأَنْفُسِهَا مَضْمُونَةٌ بِالْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ كَالْأَعْيَانِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْمَسْأَلَةَ فِيمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَإِنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً بِهِ فَإِنْ كَانَتْ مُتَوَلِّدَةً كَالْحُسْنِ وَالْجَمَالِ وَالسِّمَنِ وَالْكِبَرِ وَنَحْوِهَا أَخَذَهَا الْمَالِكُ مَعَ الْأَصْلِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهَا نَمَاءُ مِلْكِهِ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْهُ يُنْظَرُ، إنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ عَيْنَ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ قَائِمٍ فِي الْمَغْصُوبِ وَهُوَ تَابِعٌ لِلْمَغْصُوبِ، فَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِالْخِيَارِ عَلَى مَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَيْنَ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ قَائِمٍ أَخَذَهَا الْمَغْصُوبُ مِنْهُ وَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ وَإِنْ كَانَتْ عَيْنَ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ لِلْمَغْصُوبِ، بَلْ هِيَ أَصْلٌ بِنَفْسِهَا، تَزُولُ عَنْ مِلْكِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَتَصِيرُ مِلْكًا لِلْغَاصِبِ لِلضَّمَانِ، وَبَيَانُ هَذَا فِي مَسَائِلَ إذَا غَصَبَ مِنْ إنْسَانٍ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ الْغَاصِبُ بِصِبْغِ نَفْسِهِ، فَإِنْ صَبَغَهُ أَحْمَرَ، أَوْ أَصْفَرَ بِالْعُصْفُرِ وَالزَّعْفَرَانِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَلْوَانِ سِوَى السَّوَادِ، فَصَاحِبُ الثَّوْبِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الثَّوْبَ مِنْ الْغَاصِبِ وَأَعْطَاهُ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ، أَمَّا وِلَايَةُ أَخْذِ الثَّوْبِ؛ فَلِأَنَّ الثَّوْبَ مِلْكُهُ لِبَقَاءِ اسْمِهِ وَمَعْنَاهُ.
وَأَمَّا ضَمَانُ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ؛ فَلِأَنَّ لِلْغَاصِبِ عَيْنَ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ قَائِمٍ، فَلَا سَبِيلَ إلَى إبْطَالِ

الصفحة 160