كتاب بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (اسم الجزء: 7)

لِتَرَاضِيهِمَا بِالضَّرَرِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مَعَ الرَّقِيقِ غَيْرُهُ قُسِمَ.
كَذَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ مَقْصُودًا فَيُجْعَلُ تَبَعًا لِمَا يَحْتَمِلُهَا فَيُقْسَمُ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ، كَالشُّرْبِ وَالطَّرِيقِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا مَقْصُودًا، ثُمَّ يَدْخُلَانِ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا لِلنَّهْرِ وَالْأَرْضِ، كَذَا هَذَا، وَذَكَرَ الْجَصَّاصُ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْأَصْلِ مَحْمُولٌ عَلَى قِسْمَةِ الرِّضَا.
وَأَمَّا قِسْمَةُ الْقَضَاءِ فَلَا تَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ مَعَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَقْسُومِ لَيْسَ تَبَعًا لِلْمَقْسُومِ بَلْ هُوَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ - بِخِلَافِ الشُّرْبِ وَالطَّرِيقِ -، وَكَذَلِكَ الدُّورُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تُقْسَمُ قِسْمَةَ جَمْعٍ حَتَّى لَوْ كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ دَارَانِ تُقْسَمُ كُلُّ وَاحِدَةٍ عَلَى حِدَتِهَا، سَوَاءٌ كَانَتَا مُنْفَصِلَتَيْنِ أَوْ مُتَلَاصِقَتَيْنِ، وَعِنْدَهُمَا يَنْظُرُ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ إنْ كَانَ الْأَعْدَلُ فِي الْجَمْعِ جَمَعَ، وَإِنْ كَانَ الْأَعْدَلُ فِي التَّفْرِيقِ فَرَّقَ، وَكَذَا لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَرْضَانِ أَوْ كَرْمَانِ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ.
وَأَمَّا الْبَيْتَانِ فَيُقْسَمَانِ قِسْمَةَ جَمْعٍ إجْمَاعًا مُتَّصِلَيْنِ كَانَا أَوْ مُنْفَصِلَيْنِ، وَكَذَا الْمَنْزِلَانِ الْمُتَّصِلَانِ.
وَأَمَّا الْمُنْفَصِلَانِ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ فَعَلَى الْخِلَافِ.
وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الدُّورَ كُلَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَالتَّفَاوُتُ الَّذِي بَيْنَ الدَّارَيْنِ يُمْكِنُ تَعْدِيلُهُ بِالْقِيمَةِ فَيُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي إنْ رَأَى الْأَعْدَلَ فِي التَّفْرِيقِ فَرَّقَ، وَإِنْ رَأَى الْأَعْدَلَ فِي الْجَمْعِ جَمَعَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِي الرَّقِيقِ أَنَّ الْقِسْمَةَ فِيهَا بِاعْتِبَارِ أَعْيَانِهَا، وَيَقَعُ ضَرَرُ التَّفَاوُتِ مُتَفَاحِشًا بَيْنَ دَارٍ وَدَارٍ؛ لِاخْتِلَافِ الدُّورِ فِي أَنْفُسِهَا وَاخْتِلَافُهَا بِاخْتِلَافِ الْبِنَاءِ وَالْبِقَاعِ، فَكَانَا فِي حُكْمِ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَالْقِسْمَةُ فِيهَا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ تَقَعُ تَصَرُّفًا فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ فَلَا يَصِحُّ، وَلَوْ اقْتَسَمَا بِأَنْفُسِهِمَا أَوْ بِالْقَاضِي بِتَرَاضِيهِمَا جَازَ؛ لِمَا مَرَّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
وَأَمَّا دَارٌ وَضِيعَةٌ أَوْ دَارٌ وَحَانُوتٌ فَلَا تُجْمَعُ بِالْإِجْمَاعِ، بَلْ يَقْسِمُ كُلَّ وَاحِدَةٍ عَلَى حِدَةٍ؛ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ، وَمِنْهَا الطَّلَبُ فِي أَحَدِ نَوْعَيْ الْقِسْمَةِ - وَهُوَ قِسْمَةُ الْجَبْرِ - حَتَّى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُوجَدْ الطَّلَبُ مِنْ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ أَصْلًا لَمْ تَجُزْ الْقِسْمَةُ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ الْقَاضِي تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ وَالتَّصَرُّفُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ مَحْظُورٌ فِي الْأَصْلِ، إلَّا أَنَّهُ عِنْدَ طَلَبِ الْبَعْضِ يَرْتَفِعُ الْحَظْرُ؛ لِأَنَّهُ إذَا طَلَبَ عُلِمَ أَنَّهُ لَهُ فِي اسْتِيفَاءِ هَذِهِ الشَّرِكَةِ ضَرَرًا، إذْ لَوْ كَانَ الطَّلَبُ لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ لِطَلَبِ صَاحِبِهِ، وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْإِضْرَارِ دِيَانَةً، فَإِذَا أَبَى الْقِسْمَةَ، عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ فَيَدْفَعُ الْقَاضِي ضَرَرَهُ بِالْقِسْمَةِ، فَكَانَتْ الْقِسْمَةُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مِنْ بَابِ دَفْعِ الضَّرَرِ، وَالْقَاضِي نُصِبَ لَهُ، وَنَظِيرُهُ الشُّفْعَةُ، فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَتَمَلَّكُ الدَّارَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالشُّفْعَةِ مِنْ غَيْرِ رِضًا دَفْعًا لِضَرَرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا طَلَبَ الشُّفْعَةَ عُلِمَ أَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِجِوَارِهِ فَالشَّرْعُ دَفَعَ ضَرَرَهُ عَنْهُ بِإِثْبَاتِ حَقِّ التَّمْلِيكِ بِالشُّفْعَةِ جَبْرًا عَلَيْهِ، كَذَا هَذَا.

(وَمِنْهَا) الرِّضَا فِي أَحَدِ نَوْعَيْ الْقِسْمَةِ، وَهُوَ رِضَا الشُّرَكَاءِ فِيمَا يَقْسِمُونَهُ بِأَنْفُسِهِمْ إذَا كَانُوا مِنْ أَهْلِ الرِّضَا، أَوْ رِضَا مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُمْ، إذَا لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الرِّضَا فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَا يَصِحُّ، حَتَّى لَوْ كَانَ فِي الْوَرَثَةِ صَغِيرٌ لَا وَصِيَّ لَهُ، أَوْ كَبِيرٌ غَائِبٌ، فَاقْتَسَمُوا؛ فَالْقِسْمَةُ بَاطِلَةٌ؛ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْقِسْمَةَ فِيهَا مَعْنَى الْبَيْعِ، وَقِسْمَةُ الرِّضَا أَشْبَهُ بِالْبَيْعِ، ثُمَّ لَا يَمْلِكُونَ الْبَيْعَ إلَّا بِالتَّرَاضِي، فَكَذَا الْقِسْمَةُ، إلَّا إذَا لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الرِّضَا كَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينَ فَيَقْسِمُ الْوَلِيُّ أَوْ الْوَصِيُّ إذَا كَانَ فِي الْقِسْمَةِ مَنْفَعَةٌ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُمَا يَمْلِكَانِ الْبَيْعَ فَيَمْلِكَانِ الْقِسْمَةَ، وَكَذَا إذَا كَانَ فِيهِمْ صَغِيرٌ وَلَهُ وَلِيٌّ، أَوْ وَصِيٌّ، يَقْتَسِمُونَ بِرِضَا الْوَلِيِّ أَوْ الْوَصِيِّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَصَبَ الْقَاضِي عَنْ الصَّغِيرِ وَصِيًّا، وَاقْتَسَمُوا بِرِضَاهُ فَإِنْ أَبَى تَرَافَعُوا إلَى الْقَاضِي، حَتَّى يَقْسِمَ بَيْنَهُمْ، وَمِنْهَا حَضْرَةُ الشُّرَكَاءِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُمْ فِي نَوْعَيْ الْقِسْمَةِ، حَتَّى لَوْ كَانَ فِيهِمْ كَبِيرٌ غَائِبٌ لَا تَجُوزُ الْقِسْمَةُ أَصْلًا وَلَا يَقْسِمُ الْقَاضِي أَيْضًا إذَا لَمْ يَكُنْ عَنْهُ خَصْمٌ حَاضِرٌ وَلَكِنَّهُ لَوْ قَسَمَ لَا تُنْقَصُ قِسْمَتُهُ؛ لِأَنَّهُ صَادَفَ مَحِلَّ الِاجْتِهَادِ فَلَا يُنْقَضُ.
وَمِنْهَا الْبَيِّنَةُ فِي قِسْمَةِ الْقَضَاءِ فِي الْإِقْرَارِ بِمِيرَاثِ الْإِقْرَارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ وَيَقْسِمُ بِإِقْرَارِهِمْ فَنَقُولُ - جُمْلَةُ الْكَلَامِ فِي بَيَانِ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ: إنَّ جَمَاعَةً إذَا جَاءُوا إلَى الْقَاضِي، وَهُمْ عُقَلَاءُ بَالِغُونَ أَصِحَّاءُ فِي أَيْدِيهِمْ مَالٌ، فَأَقَرُّوا أَنَّهُ مِلْكُهُمْ، وَطَلَبُوا الْقِسْمَةَ مِنْ الْقَاضِي فَهَذَا لَا يَخْلُو فِي الْأَصْلِ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ:.
(إمَّا) أَنْ يُقِرُّوا بِالْمِلْكِ مُطْلَقًا عَنْ ذَكَرِ سَبَبٍ، وَإِمَّا أَنْ يُقِرُّوا بِالْمِلْكِ بِسَبَبٍ ادَّعَوْا انْتِقَالَ الْمِلْكِ بِهِ مِنْ أَحَدٍ، وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى وَجْهَيْنِ: (إمَّا) أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الَّذِي فِي أَيْدِيهِمْ مَنْقُولًا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَقَارًا، فَإِنْ أَقَرُّوا بِالْمِلْكِ مُطْلَقًا عَنْ سَبَبِ الِانْتِقَالِ قَسَمَ بِإِقْرَارِهِمْ، وَيَذْكُرُ فِي الْإِشْهَادِ فِي كِتَابِ الصَّكِّ أَنِّي قَسَمْتُ بِإِقْرَارِهِمْ وَلَمْ أَقْضِ فِيهِ عَلَى أَحَدٍ.
وَلَا يَطْلُبُ مِنْهُمْ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَصْلِ الْمِلْكِ مَنْقُولًا

الصفحة 22