كتاب بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (اسم الجزء: 7)

تَعَالَى - إلَّا فِي خَمْسِ مَوَاضِعَ: فِي الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ، وَفِي الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ، وَفِي الْمُحَابَاةِ فِي الْمَرَضِ، وَفِي الْوَصِيَّةِ بِالْمُحَابَاةِ، وَفِي الْوَصِيَّةِ بِالدَّرَاهِمِ الْمُرْسَلَةِ، فَإِنَّهُ يَضْرِبُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ بِجَمِيعِ وَصِيَّةٍ مِنْ غَيْرِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ.

وَصُورَةُ ذَلِكَ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ إذَا كَانَ لَهُ عَبْدَانِ لَا مَال لَهُ غَيْرُهُمَا أَوْصَى بِعِتْقِهِمَا، وَقِيمَةُ أَحَدِهِمَا أَلْفٌ، وَقِيمَةُ الْآخَرِ أَلْفَانِ، وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ - عَتَقَا مِنْ الثُّلُثِ، وَثُلُثُ مَالِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ، فَالْأَلْفُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْر، وَصِيَّتِهِمَا ثُلُثَا الْأَلْفِ لِلَّذِي قِيمَتُهُ أَلْفَانِ فَيُعْتَقُ ثُلُثُهُ، وَيَسْعَى فِي الثُّلُثَيْنِ لِلْوَرَثَةِ، وَالثُّلُثُ لِلَّذِي قِيمَتُهُ أَلْفٌ فَيُعْتَقُ ثُلُثُهُ، وَيَسْعَى فِي الثُّلُثَيْنِ لِلْوَرَثَةِ، فَإِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ عَتَقَا جَمِيعًا، وَصُورَةُ ذَلِكَ فِي الْمُحَابَاةِ إذَا كَانَ لَهُ عَبْدَانِ أَوْصَى بِأَنْ يُبَاعَ أَحَدُهُمَا مِنْ فُلَانٍ، وَالْآخَرُ مِنْ فُلَانٍ آخَرَ - بَيْعًا بِالْمُحَابَاةِ، وَقِيمَةُ أَحَدِهِمَا مَثَلًا أَلْفٌ، وَمِائَةٌ، وَقِيمَةُ الْآخَرِ سِتُّمِائَةٍ، فَأَوْصَى بِأَنْ يُبَاعَ الْأَوَّلُ مِنْ فُلَانٍ بِمِائَةٍ، وَالْآخَرُ مِنْ فُلَانٍ آخَرَ بِمِائَةٍ، فَهَهُنَا حَصَلَتْ الْمُحَابَاةُ لِأَحَدِهِمَا بِأَلْفٍ، وَلِلْآخَرِ بِخَمْسِمِائَةٍ، وَذَلِكَ كُلُّهُ وَصِيَّةٌ؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ، فَإِنْ خَرَجَ ذَلِكَ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ، وَلَا أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ جَازَتْ مُحَابَاتُهُمَا بِقَدْرِ الثُّلُثِ، وَذَلِكَ يَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ وَصِيَّتِهِمَا يَضْرِبُ أَحَدُهُمَا فِيهَا بِأَلْفٍ، وَالْآخَرُ بِخَمْسِمِائَةٍ.
وَصُورَةُ ذَلِكَ فِي الدَّرَاهِمِ الْمُرْسَلَةِ، إذَا أَوْصَى لِإِنْسَانٍ بِأَلْفٍ وَلِلْآخَرِ بِالدَّيْنِ، وَثُلُثُ مَالِهِ أَلْفٌ فَالثُّلُثُ يَكُونُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَضْرِبُ بِجَمِيعِ وَصِيَّتِهِ، وَلَا خِلَافَ أَيْضًا فِي الْوَصِيَّةِ بِأَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ كَالرُّبْعِ، وَالسُّدُسِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ يَضْرِبُ بِجَمِيعِ وَصِيَّتِهِ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِمَا: أَنَّ الْوَصِيَّةَ وَقَعَتْ بِاسْمِ الزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ مِنْ النِّصْفِ، وَنَحْوِهِ، فَيَجِبُ اعْتِبَارُهَا مَا أَمْكَنَ إلَّا أَنَّهُ تَعَذَّرَ اعْتِبَارُهَا فِي حَقِّ الِاسْتِحْقَاقِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْوَرَثَةِ، وَأَنَّهُ إضْرَارٌ بِهِمْ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهَا فِي حَقِّ الضَّرْبِ، وَأَنَّهُ يُمْكِنُ؛ إذْ لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْوَرَثَةِ، وَلِهَذَا اُعْتُبِرَتْ التَّسْمِيَةُ فِي حَقِّ الضَّرْبِ.

فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَسَائِلِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ عِنْدَ رَدِّ الْوَرَثَةِ وَصِيَّةٌ بَاطِلَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِيَقِينٍ.
وَالضَّرْبُ بِالْوَصِيَّةِ الْبَاطِلَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِيَقِينٍ بَاطِلٌ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّ الْوَصِيَّةَ بِالزِّيَادَةِ وَصِيَّةٌ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهَا فِي قَدْرِ الزِّيَادَةِ صَادَفَتْ حَقَّ الْوَرَثَةِ إلَّا أَنَّهَا وَقَفَتْ عَلَى الْإِجَازَةِ، وَالرَّدِّ، فَإِذَا رَدُّوا تَبَيَّنَ أَنَّهَا وَقَعَتْ بَاطِلَةً، وَقَوْلُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ يَعْنِي بِهِ اسْتِحْقَاقًا، وَتَسْمِيَةً، وَهِيَ تَسْمِيَةُ النِّصْفِ فَالْكُلِّ، فَلَمْ تَقَعْ الْوَصِيَّةُ صَحِيحَةً فِي مَخْرَجِهَا، وَقَوْلُنَا: بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّهَا لَا يَحْتَمِلُ النَّفَاذَ لِحَالٍ.
أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ لِلْمَيِّتِ مَالٌ آخَرُ لَنُفِّذَتْ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ، وَهِيَ الْوَصِيَّةُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ بِخِلَافِ الْمَوَاضِعِ الْخَمْسِ فَإِنَّ هُنَاكَ مَا وَقَعَتْ بَاطِلَةً بِيَقِينٍ بَلْ تَحْتَمِلُ التَّنْفِيذَ فِي الْجُمْلَةِ بِأَنْ يَظْهَرَ مَالٌ آخَرُ لِلْمَيِّتِ يُخْرَجُ هَذَا الْقَدْرُ مِنْ الثُّلُث فَبَيَّنَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ مَا وَقَعَتْ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ، فَلَمْ تَقَعْ بَاطِلَةً بِيَقِينٍ.
وَهَهُنَا بِخِلَافِهِ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ ظَهَرَ لَهُ مَالٌ آخَرُ يَدْخُلُ ذَلِكَ الْمَالُ فِي الْوَصِيَّةِ، وَلَا يُخْرَجُ مِنْ الثُّلُثِ، وَهَذَا الْقَدْرُ يُشْكِلُ بِالْوَصِيَّةِ بِيَقِينٍ، فَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ عَلَى الثُّلُثِ بِأَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ عَبْدٍ لِرَجُلٍ، وَبِثُلُثَيْهِ لِآخَرَ، وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُ فَرَدَّتْ الْوَرَثَةُ أَنَّ صَاحِبَ الثُّلُثَيْنِ لَا يَضْرِبُ بِالثُّلُثِ الزَّائِدِ عِنْدَنَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنِ الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةً بِيَقِينٍ لِجَوَازِ أَنْ يَظْهَرَ لَهُ مَالٌ آخَرُ فَتُنَفَّذُ تِلْكَ الْوَصِيَّةُ فَيَنْتَفِي أَنْ يَضْرِبَ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثَيْنِ بِالثُّلُثِ الزَّائِدِ، وَمَعَ هَذَا لَا يَضْرِبُ عِنْدَنَا، فَأُشْكِلَ الْقَدْرُ، وَبِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِالْأَقَلِّ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ هُنَاكَ وَقَعَتْ صَحِيحَةً فِي مَخْرَجِهَا مِنْ حَيْثُ التَّسْمِيَةُ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ وَقَعَتْ بِالرُّبْعِ، وَالسُّدُسِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مَخَارِجُ الْوَصِيَّةِ بِالتَّسْمِيَةِ صَادَفَتْ مَحَلَّ الْوَصِيَّةِ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الْوَصِيَّتَيْنِ، فَإِذَا رَدَّتْ الْوَرَثَةُ فَالرَّدُّ وَرَدَ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا فَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ نَصِيبِهِمَا.

وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِجَمِيعِ مَالِهِ ثُمَّ أَوْصَى لِآخَرَ بِثُلُثِ مَالِهِ فَأَجَازَتْ الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّتَيْنِ جَمِيعًا فَقَدْ رَوَى أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ: الْمُوصَى لَهُ بِالْجَمِيعِ يَأْخُذُ الثُّلُثَيْنِ خَاصَّةً، وَيَكُونُ الْبَاقِي بَيْنَ صَاحِبِ الْجَمِيعِ، وَبَيْنَ صَاحِبِ الثُّلُثِ.
وَقَالَ حَسَنُ بْنُ زِيَادٍ: لَيْسَ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّ لِلْمُوصَى لَهُ رُبْعَ الْمَالِ، وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالْجَمِيعِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ، وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَصٌّ رِوَايَةً عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى فِيهَا مَا رَوَى عَنْهُ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ قِسْمَةٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْمُنَازَعَةِ، وَمَا ذَكَرَ حَسَنٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اعْتِبَارَ الْعَوْلِ، وَالْمُضَارَبَةِ، وَالْقِسْمَةُ عَلَى اعْتِبَارِ الْعَوْلِ، وَالْمُضَارَبَةُ مِنْ أُصُولِهِمَا لَا مِنْ أَصْلِهِ فَإِنَّ مِنْ أَصْلِهِ اعْتِبَارَ الْمُنَازَعَةِ فِي الْقِسْمَةِ (وَوَجْهُهُ) هَهُنَا أَنَّ مَا زَادَ عَلَى

الصفحة 375