كتاب بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (اسم الجزء: 7)

الثُّلُثِ يُعْطَى كُلُّهُ لِلْمُوصَى لَهُ بِجَمِيعِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ.
وَأَمَّا قَدْرُ الثُّلُثِ فَيُنَازِعُهُ فِيهِ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ - فَاسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا فِيهِ؛ إذْ لَا تَرْجِيحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، فَيَكُونُ أَصْلُ مَسْأَلَةِ الْحِسَابِ مِنْ ثَلَاثَةٍ لِحَاجَتِنَا إلَى الثُّلُثِ: الثُّلُثَانِ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْجَمِيعِ بِلَا مُنَازَعَةٍ، وَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ إلَّا أَنَّهُ يَنْكَسِرُ الْحِسَابُ فَيَضْرِبُ اثْنَيْنِ فِي ثَلَاثَةٍ فَيَصِيرُ سِتَّةً فَيُسَلَّمُ ثُلُثَاهَا لِلْمُوصَى لَهُ بِالْجَمِيعِ بِلَا مُنَازَعَةٍ، وَثُلُثُهَا، وَهُوَ سَهْمَانِ يُنَازِعُهُ فِيهِ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ، فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا، فَحَصَلَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْجَمِيعِ خَمْسَةٌ، وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ سَهْمٌ.
وَأَمَّا الْقِسْمَةُ عَلَى طَرِيقِ الْعَوْلِ، وَالْمُضَارَبَةِ عِنْدَهُمَا هَهُنَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَضْرِبُ بِجَمِيعِ وَصِيَّتِهِ فَالْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ يَضْرِبُ بِالثُّلُثِ، وَهُوَ سَهْمٌ، وَالْمُوصَى لَهُ بِالْجَمِيعِ يَضْرِبُ بِكُلِّ الْمَالِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ فَيُجْعَلُ الْمَالُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ: لِصَاحِبِ الثُّلُثِ سَهْمٌ، وَلِصَاحِبِ الْجَمِيعِ ثَلَاثَةٌ هَذَا إذَا أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ، فَإِنْ رَدَّتْ الْوَرَثَةُ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ مِنْ الثُّلُثِ ثُمَّ الثُّلُثُ يَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَا يَضْرِبُ إلَّا بِالثُّلُثِ، إذَا لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَضْرِبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ وَصِيَّتِهِ أَرْبَاعًا عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - الْمُوَفِّقُ هَذَا إذَا اجْتَمَعَتْ الْوَصَايَا فِيمَا سِوَى الْعَيْنِ.

، فَإِنْ اجْتَمَعَتْ الْوَصَايَا فِي الْعَيْنِ، فَإِنْ اجْتَمَعَتْ فِي عَيْنٍ مُشَارٍ إلَيْهَا بِأَنْ أَوْصَى بِعَيْنٍ وَاحِدَةٍ لِاثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَوْصَى لِكُلِّ وَاحِدٍ بِجَمِيعِ الْعَيْنِ - فَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: تُقَسَّمُ الْعَيْنُ بَيْنَ أَصْحَابِ الْوَصَايَا عَلَى عَدَدِهِمْ فَيَضْرِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالْقَدْرِ الَّذِي حَصَلَ لَهُ بِالْقِسْمَةِ،، وَلَا يَضْرِبُ بِجَمِيعِ تِلْكَ الْعَيْنِ، وَإِنْ وَقَعَتْ الْقِسْمَةُ بِجَمِيعِ الْعَيْنِ، وَذَلِكَ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ: أَوْصَيْتُ بِعَبْدِي هَذَا لِفُلَانٍ ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ أَوْصَيْتُ بِعَبْدِي هَذَا لِفُلَانٍ آخَرَ، وَالْعَبْدُ يُخْرَجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ؛ فَإِنَّ الْعَبْدَ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ عَلَى عَدَدِهِمَا، وَهُمَا اثْنَانِ فَيَضْرِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنِصْفِ الْعَبْدِ، وَلَا يَضْرِبُ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ إنْ أَوْصَى بِهِ لِثَلَاثَةٍ أَوْ لِأَرْبَعَةٍ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ -: يَضْرِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ وَصِيَّتِهِ، وَيَتَّفِقُ الْجَوَابُ فِي تَقْدِيمِ مَا يَسْتَحِقُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْعَبْدِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَكِنْ بِنَاءً عَلَى أَصْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ ثَمَرَةُ اخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ فِيمَا إذَا انْضَمَّتْ إلَى الْوَصِيَّةِ لَهُمَا وَصِيَّةٌ لِثَالِثٍ بِأَنْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ، وَأَلْفَا دِرْهَمٍ سِوَى ذَلِكَ فَأَوْصَى بِالْعَبْدِ لِإِنْسَانٍ، ثُمَّ أَوْصَى بِهِ لِآخَرَ، وَأَوْصَى لِرَجُلٍ آخَرَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَضْرِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُوصَى لَهُ بِالْعَبْدِ بِنِصْفِ الْعَبْدِ، وَهَذَا بِنِصْفِهِ، وَهَذَا بِنِصْفِهِ، وَيَضْرِبُ الْمُوصَى لَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ بِأَلْفٍ، فَيَقْتَسِمُونَ بِالثُّلُثِ أَرْبَاعًا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ،، وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ -: يَضْرِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُوصَى لَهُمَا بِالْعَبْدِ بِجَمِيعِ الْعَبْد، وَالْمُوصَى لَهُ بِأَلْفِ يَضْرِبُ بِأَلْفٍ فَيَقْتَسِمُونَ الثُّلُث أَثْلَاثًا بِنَاءً عَلَى الْأَصْل الَّذِي ذَكَرنَا فِيمَا تَقَدَّمَ: أَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَا يَضْرِبُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُث عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَضْرِبُ بِجَمِيعِ وَصِيَّتِهِ، فَهُمَا يَقُولَانِ:؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَة وَقَعَتْ لِجَمِيعِ الْعَيْنِ إلَّا أَنَّهَا لَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ الِاسْتِحْقَاقِ فَتَظْهَرُ فِي حَقِّ الضَّرْبِ، كَمَا فِي أَصْحَابِ الدُّيُونِ، وَأَصْحَابِ الْعَوْلِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: إنَّ الْمُوصَى قَدْ أَبْطَلَ وَصِيَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نِصْفِ الْعَيْنِ فَلَهُ وِلَايَةُ الْإِبْطَالِ.
أَلَا يُرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فَيُبْطِلَ اسْتِحْقَاقَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ الْعَيْنِ، فَالضَّرْبُ بِالْجَمِيعِ يَكُونُ ضَرَبًا بِوَصِيَّةٍ بَاطِلَةٍ فَكَانَ بَاطِلًا، بِخِلَافِ الْغُرَمَاءِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَلِأَنَّهُ إبْطَالِ حَقِّهِمْ فَيَضْرِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِكُلِّ حَقِّهِ، وَبِخِلَافِ أَصْحَابِ الْعَوْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْ جِهَةِ الْمَيِّتِ سَبَبٌ يُبْطِلُ شَهَادَتَهُمْ فَيَضْرِبُونَ بِجَمِيعِ مَا ثَبَتَ حَقُّهُمْ فِيهِ.

وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ آخَرُ قِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَأَلْفُ دِرْهَمٍ فَأَوْصَى بِعَبْدٍ لِرَجُلٍ وَأَوْصَى لِرَجُلِ آخَرَ بِثُلُثِ مَالِهِ فَالثُّلُثُ، وَهُوَ قَدْرُ أَلْفِ دِرْهَمٍ يَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ: خَمْسُمِائَةٍ لِلْمُوصَى لَهُ بِجَمِيعِ الْعَبْدِ وَخَمْسُمِائَةٍ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ غَيْر أَنَّ مَا أَصَابَهُ الْمُوصَى لَهُ بِالْجَمِيعِ يَكُونُ فِي الْعَبْد، وَذَلِكَ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الْعَبْدِ، وَمَا أَصَابَ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ يَكُونُ بَعْضُهُ فِي الْعَبْدِ، وَهُوَ سُدُسُ مَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ، وَهُوَ عُشْرُ الْعَبْدِ، وَالْبَعْضُ فِي الدَّرَاهِمِ، وَهُوَ خُمْسُ الْأَلْفَيْنِ، فَيَضْرِبُ الْمُوصَى لَهُ بِجَمِيعِ الْعَبْدِ بِخَمْسَةِ أَسْدَاسِهِ، وَالْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ يَضْرِبُ بِسُدُسِ الْعَبْدِ، وَبِخُمْسِ الْأَلْفَيْنِ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِي الْعَبْدِ، وَصِيَّتَانِ: وَصِيَّةٌ بِجَمِيعِهِ، وَوَصِيَّةٌ بِثُلُثِهِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِثُلُثِ الْمَالِ تَنَاوَلَتْ الْعَبْدَ لِكَوْنِهِ مَالًا فَاجْتَمَعَتْ فِي الْعَبْدِ وَصِيَّتَانِ فَسُلِّمَ لِلْمُوصَى لَهُ بِجَمِيعِ الْعَبْدِ: ثُلُثَاهُ بِلَا مُنَازَعَةٍ، وَالثُّلُثُ يُنَازِعُهُ فِيهِ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ، فَيَكُونُ عَلَى الْحِسَاب مِنْ ثَلَاثَةٍ؛ لِحَاجَتِنَا إلَى الثُّلُثِ، وَأَقَلُّ حِسَابٍ يَخْرُجُ

الصفحة 376