كتاب بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (اسم الجزء: 7)

ثَلَاثَةُ أَعْبُدٍ فَأَوْصَى بِرَقَبَةِ أَحَدِهِمْ لِرَجُلٍ وَأَوْصَى بِخِدْمَةِ آخَرَ لِرَجُلٍ آخَرَ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ، وَقِيمَةُ الَّذِي أَوْصَى بِخِدْمَتِهِ خَمْسُمِائَةٍ، وَقِيمَةُ الَّذِي أَوْصَى بِرَقَبَتِهِ ثَلَاثُمِائَةٍ، وَقِيمَةُ الْبَاقِي أَلْفُ دِرْهَمٍ - فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ، وَالْأَصْلُ: أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْخِدْمَةِ تُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ كَالْوَصِيَّةِ بِالرَّقَبَةِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْخِدْمَةِ وَصِيَّةٌ بِحَبْسِ الرَّقَبَةِ عَنْ الْوَارِثِ، فَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَجَمِيعُ مَالِ الْمَيِّتِ أَلْفٌ وَثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ: ثُلُثُهَا سِتُّمِائَةٍ، وَجَمِيعُ سِهَامِ الْوَصَايَا ثَمَانِمِائَةٍ، فَإِذَا زَادَتْ سِهَامُ الْوَصَايَا عَلَى ثُلُثِ الْمَالِ مِائَتَيْنِ، وَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى سِهَامِ الْوَصَايَا رُبْعُهَا، فَيَنْقُصُ مِنْ وَصِيَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا مِثْلُ رُبْعِهَا، وَيُنَفَّذُ فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهَا، فَيَكُونُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ وَصِيَّتِهِمَا، وَثُلُثُ الْمَالِ سَوَاءً، فَأَمَّا قِيمَةُ الْعَبْدِ الْمُوصَى لَهُ بِرَقَبَتِهِ فَثَلَاثُمِائَةٍ، فَيَنْقُصُ مِنْهُ رُبْعُهَا، وَذَلِكَ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ، وَتُنَفَّذُ الْوَصِيَّةُ فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهَا، وَذَلِكَ مِائَتَانِ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، وَقِيمَةُ الْعَبْدِ الْمُوصَى لَهُ بِخِدْمَتِهِ خَمْسُمِائَةٍ، فَيَنْقُصُ مِنْهُ رُبْعُهَا، وَذَلِكَ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، وَتُنَفَّذُ الْوَصِيَّةُ فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهَا، وَذَلِكَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ، فَيُضَمُّ إلَى وَصِيَّةِ صَاحِبِ الرَّقَبَةِ، وَذَلِكَ مِائَتَانِ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ، فَيَصِيرَ سِتَّمِائَةٍ، وَذَلِكَ ثُلُثُ الْمَالِ، وَخَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ مِنْ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِرَقَبَتِهِ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ يُضَمُّ إلَى الْعَبْدِ الْبَاقِي، وَقِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ، فَصَارَ أَلْفًا، وَمِائَتَيْنِ، وَذَلِكَ ثُلُثَا الْمَالِ، فَاسْتَقَامَ عَلَى الثُّلُثِ، وَالثُّلُثَيْنِ.

(وَإِذَا) نَفَذَتْ الْوَصِيَّةُ فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ يَخْدِمُ الْمُوصَى لَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَالْوَرَثَةَ يَوْمًا وَاحِدًا، فَإِنْ مَاتَ صَاحِبُ الْخِدْمَةِ اسْتَكْمَلَ صَاحِبُ الرَّقَبَةِ عَبْدَهُ كُلَّهُ؛ لِأَنَّ وَصِيَّةَ صَاحِبِ الْخِدْمَةِ قَدْ بَطَلَتْ بِمَوْتِهِ، وَبَقِيَتْ وَصِيَّةُ صَاحِبِ الرَّقَبَةِ، وَهِيَ تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ، فَتَكُونُ لَهُ (وَكَذَلِكَ) إنْ مَاتَ الْعَبْدُ الَّذِي كَانَ يَخْدِمَهُ كَانَ الْعَبْدُ الْآخَرُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ؛ لِأَنَّ التَّوْزِيعَ، وَالتَّقْسِيمَ إنَّمَا كَانَ بَيْنَهُمَا لِثُبُوتِ حَقِّهِمَا، فَإِذَا ذَهَبَ أَحَدُهُمَا صَارَ كَأَنَّهُ أَوْصَى لَهُ وَحْدَهُ، فَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ، وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ (وَلَوْ) كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبِيدِ سَوَاءٌ كَانَ لِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ نِصْفُ خِدْمَةِ الْعَبْدِ، وَلِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ نِصْفُ رَقَبَةِ الْآخَرَ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْعَبْدِ خَمْسُمِائَةٍ، وَقِيمَةَ الْعَبْدَيْنِ اللَّذَيْنِ أَوْصَى بِهِمَا أَلْفُ دِرْهَمٍ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ خَمْسُمِائَةٍ، فَصَارَ ثُلُثُ مَالِهِ خَمْسَمِائَةٍ، فَيُقَسَّمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا، فَصَحَّ مِنْ وَصِيَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَانِ، فَيَكُونُ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ نِصْفُ الرَّقَبَةِ وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ نِصْفُ الْخِدْمَةِ يَخْدِمُهُ يَوْمًا، وَالْوَرَثَةَ يَوْمًا (وَإِنَّمَا) يُضْرَبُ لِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ، كَمَا يُضْرَبُ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ؟ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ أَوْصَى بِحَبْسِ الرَّقَبَةِ عَنْ الْوَارِثِ، فَكَأَنَّهُ أَوْصَى بِالتَّمْلِيكِ لِانْقِطَاعِ حَقِّ الْوَرَثَةِ، فَهِيَ، وَالْوَصِيَّةُ بِالتَّمْلِيكِ سَوَاءٌ.

(وَلَوْ) أَوْصَى بِالْعَبِيدِ كُلِّهِمْ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ وَبِخِدْمَةِ أَحَدِهِمْ لِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ لَمْ يَضْرِب صَاحِبُ الرِّقَابِ إلَّا بِقِيمَةِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَيَضْرِبُ الْآخَرُ بِخِدْمَةِ الْآخَرِ، فَيَكُون كَالْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ (وَهَذَا) قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى -؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالرِّقَابِ فِي الْحُكْمِ كَأَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِرَقَبَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الَّذِي أَوْصَى بِخِدْمَتِهِ لِغَيْرِهِ هُوَ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ مَشْغُولٌ بِحَقِّ غَيْرِهِ، فَمَا دَامَ مَشْغُولًا جُعِلَ كَأَنَّهُ لَمْ يُوصِ لَهُ بِهِ.
(وَمِنْ) أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَا يُضْرَبُ لَهُ إلَّا بِالثُّلُثِ فَالْمُوصَى لَهُ بِالْعَبْدَيْنِ هَهُنَا لَا يُضْرَبُ لَهُ إلَّا بِالثُّلُثِ، وَهُوَ عَبْدٌ وَاحِدٌ، وَالْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ يُضْرَبُ أَيْضًا بِعَبْدٍ وَاحِدٍ، فَيَصِيرُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الرَّقَبَةِ، فَاَلَّذِي أَوْصَى لَهُ بِالْعَبْدَيْنِ لَهُ نِصْفُ الْعَبْدِ فِي الْعَبْدَيْنِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْعَبْدَيْنِ، فَيَكُون لَهُ مِنْ كُلِّ عَبْدٍ رُبْعُهُ، وَالْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ لَهُ نِصْفُ الْعَبْدِ الَّذِي أَوْصَى لَهُ بِخِدْمَتِهِ يَخْدِمُ الْمُوصَى لَهُ يَوْمًا، وَالْوَرَثَةَ يَوْمًا، كَمَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ.
(وَأَمَّا) عَلَى قَوْلِهِمَا الْمُوصَى لَهُ بِالرِّقَابِ يَضْرِبُ بِالْعَبْدَيْنِ، وَالْمُوصَى لَهُ بِخِدْمَةِ الْعَبْدِ يَضْرِبُ بِعَبْدٍ وَاحِدٍ، فَيَصِيرُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا: سَهْمَانِ لِصَاحِبِ الرِّقَابِ، وَسَهْمٌ لِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ، فَلَمَّا صَارَ الثُّلُثُ عَلَى ثَلَاثَةٍ صَارَ الثُّلُثَانِ عَلَى سِتَّةٍ، وَالْجَمِيعُ تِسْعَةٌ: كُلُّ عَبْدٍ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، فَلِلْمُوصَى لَهُ بِالرِّقَابِ سَهْمَانِ فِي الْعَبْدَيْنِ مِنْ كُلِّ رَقَبَةٍ سَهْمٌ وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ سَهْمٌ فِي الْعَبْدِ الَّذِي أَوْصَى لَهُ بِخِدْمَتِهِ يَخْدِمُ الْعَبْدُ الْمُوصَى بِهِ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ يَوْمًا، وَلِلْوَرَثَةِ يَوْمَيْنِ، فَحَصَلَ لِلْمُوصَى لَهُمَا ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، وَلِلْوَرَثَةِ سِتَّةُ أَسْهُمٍ (وَلَوْ) كَانُوا يَخْرُجُونَ مِنْ الثُّلُثِ كَانَ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ مَا أَوْصَى لَهُ بِهِ، وَلِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ مَا أَوْصَى لَهُ بِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَصِلُ إلَى تَمَامِ حَقِّهِ.
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ، فَأَوْصَى بِثُلُثِ كُلِّ عَبْدٍ مِنْهُمْ لِفُلَانٍ وَأَوْصَى بِخِدْمَةِ أَحَدِهِمْ

الصفحة 388