كتاب بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (اسم الجزء: 7)

وَلَوْ أَوْصَى بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا مِنْ غَلَّتِهِ كُلَّ سَنَةٍ وَلَوْ أَوْصَى بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا مِنْ غَلَّتِهِ كُلَّ سَنَةٍ لِرَجُلٍ، فَأَغَلَّ سَنَةً قَلِيلًا وَسَنَةً كَثِيرًا، فَلَهُ ثُلُثُ الْغَلَّةِ يَحْبِس، وَيُنْفَقُ عَلَيْهِ كُلَّ سَنَةٍ مِنْ ذَلِكَ عِشْرُونَ دِرْهَمًا؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا مِنْ غَلَّتِهِ وَصِيَّةٌ بِجَمِيعِ الْغَلَّةِ لِجَوَازِ أَنْ يَطُولَ عُمْرُهُ فَيَسْتَوْفِيَ ذَلِكَ كُلَّهُ، فَلِذَلِكَ جَازَ فِي ثُلُثِهِ، وَتُحْبَسُ غَلَّتُهُ حَتَّى يُنْفَقَ عَلَيْهِ كُلَّ سَنَةٍ عِشْرُونَ دِرْهَمًا إلَى أَنْ يَمُوتَ.

وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يُنْفَقَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ كُلَّ شَهْرٍ مِنْ عَرَضِ مَالِهِ وَعَلَى آخَرَ خَمْسَةٌ كُلَّ شَهْرٍ مِنْ غَلَّةِ، بُسْتَانِهِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُ الْبُسْتَانِ فَثُلُثُ غَلَّةِ الْبُسْتَانِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، يُبَاعُ سُدُسُ غَلَّةِ الْبُسْتَانِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيُوقَفُ ثَمَنُهُ عَلَى يَدِ الْوَصِيِّ.
أَوْ عَلَى يَدِ ثِقَةٍ إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَصِيٌّ، وَيُنْفَقُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا سَمَّى.
وَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ بِإِنْفَاقِ دِرْهَمٍ، وَلَا عِبْرَةَ بِالْأَقَلِّ.
وَالْأَكْثَرِ لِجَوَازِ أَنْ يَعِيشَ صَاحِبُ الْأَقَلِّ أَكْثَرَ مِمَّا يَعِيشُ صَاحِبُ الْأَكْثَرِ فَيُبَاعُ سُدُسُ الْغَلَّةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَيُوقَفُ ثَمَنُهُ، وَيُنْفَقُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا سَمَّى لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ عَرَضِ مَالِهِ، وَالْبُسْتَانُ مَالُهُ وَلَا يُسَلَّمُ الْمَالُ إلَيْهِمَا بَلْ يُوضَعُ عَلَى يَدِ الْوَصِيِّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَصِيٌّ فَالْقَاضِي يَضَعُهُ عَلَى يَدِ ثِقَةٍ عَدْلٍ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمَا وَلَمْ يُوصِ بِدَفْعِ الْمَالِ إلَيْهِمَا، فَإِنْ مَاتَا، وَقَدْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الْمَالِ رُدَّ عَلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ قَدْ بَطَلَتْ بِمَوْتِهِ فَيَعُودُ إلَى الْوَرَثَةِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: يُنْفَقُ عَلَى فُلَانٍ أَرْبَعَةٌ وَعَلَى فُلَانٍ، وَفُلَانٍ خَمْسَةٌ حُبِسَ السُّدُسُ عَلَى الْمُنْفَرِدِ، وَالسُّدُسُ الْآخَرُ عَلَى الْمَجْمُوعَيْنِ فِي النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْأَرْبَعَةَ إلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ، وَأَضَافَ الْخَمْسَةَ إلَى شَخْصَيْنِ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَهُمَا فِي الْوَصِيَّةِ، فَصَارَ كَأَنَّهُ أَوْصَى بِأَنْ يُنْفَقَ عَلَى فُلَانٍ أَرْبَعَةٌ، وَعَلَى فُلَانٍ خَمْسَةٌ؛ لِذَلِكَ يُقَسَّمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ: سُدُسٌ يُوقَفُ لِلْمُنْفَرِدِ، وَسُدُسٌ لِلْمَجْمُوعَيْنِ.

وَلَوْ أَوْصَى بِغَلَّةِ بُسْتَانِهِ لِرَجُلٍ وَبِنِصْفِ غَلَّتِهِ لِآخَرَ، وَهُوَ ثُلُثُ مَالِهِ قَسَّمَ ثُلُثَ الْغَلَّةِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ كُلَّ سَنَةٍ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ لَا تَجُوزُ، فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ أَوْصَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالثُّلُثِ، فَيَكُونُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا.
وَلَوْ كَانَ الْبُسْتَانُ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ فَإِنَّهُ يُقَسِّمُ غَلَّةَ الْبُسْتَانِ بَيْنَهُمَا عَلَى طَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لِأَنَّ صَاحِبَ النِّصْفِ لَا يَدَّعِي إلَّا النِّصْفَ، فَالنِّصْفُ خَلَا عَنْ دَعْوَاهُ فَسُلِّمَ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ بِلَا مُنَازَعَةٍ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ اسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا فِيهِ فَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَيَحْتَاجُ إلَى حِسَابٍ لَهُ نِصْفٌ، وَلِنِصْفِهِ نِصْفٌ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ فَصَاحِبُ النِّصْفِ لَا يَدِّعِي أَكْثَرَ مِنْ سَهْمَيْنِ فَسَهْمَانِ خَلَيَا عَنْ دَعْوَاهُ سَلِمَا لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ بِلَا مُنَازَعَةٍ، وَسَهْمَانِ آخَرَانِ اسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا فِيهِمَا فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَهْمٌ، فَصَارَ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، وَلِصَاحِبِ النِّصْفِ سَهْمٌ.
وَعَلَى قَوْلِهِمَا يُقَسَّمُ عَلَى طَرِيقِ الْعَوْلِ، فَصَاحِبُ الْجَمِيعِ يُضْرَبُ بِالْجَمِيعِ، وَصَاحِبُ النِّصْفِ يُضْرَبُ بِالنِّصْفِ، وَالْحِسَابُ الَّذِي لَهُ نِصْفُ سَهْمَانِ، فَصَاحِبُ الْجَمِيعِ يُضْرَبُ بِسَهْمَيْنِ وَصَاحِبُ النِّصْفِ يُضْرَبُ بِسَهْمٍ وَاحِدٍ، فَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا: سَهْمَانِ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ، وَسَهْمٌ لِصَاحِبِ النِّصْفِ.

وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِغَلَّةِ بُسْتَانِهِ وَقِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلِآخَرَ بِقِيمَةِ عَبْدُهُ وَقِيمَتُهُ خَمْسُمِائَةٍ، وَلَهُ سِوَى ذَلِكَ ثَلَاثُمِائَةٍ، فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِصَاحِبِ الْعَبْدِ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ فِي الْعَبْدِ، وَلِصَاحِبِ الْبُسْتَانِ سِتَّةُ أَسْهُمٍ فِي غَلَّتِهِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ مَالِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَالثُّلُثُ مِنْ ذَلِكَ سِتُّمِائَةٍ، وَوَصِيَّةُ صَاحِبِ الْبُسْتَانِ أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثِ.
وَمِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَا يُضْرَبُ إلَّا بِالثُّلُثِ، فَاطْرَحْ مَا زَادَ عَلَى سِتِّمِائَةٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ زِيَادَةٌ عَلَى الثُّلُثِ، فَصَاحِبُ الْبُسْتَانِ يُضْرَبُ بِسِتِّمِائَةٍ وَصَاحِبُ الْعَبْدِ يُصْرَفُ بِخَمْسِمِائَةٍ، فَاجْعَلْ ثُلُثَ الْمَالِ، وَهُوَ سِتُّمِائَةٍ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا، لِصَاحِبِ الْبُسْتَانِ سِتَّةُ أَسْهُمٍ، وَلِصَاحِبِ الْعَبْدِ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ، فَمَا أَصَابَ صَاحِبُ الْبُسْتَانِ كَانَ فِي الْبُسْتَانِ فِي غَلَّتِهِ، وَمَا أَصَابَ صَاحِبُ الْعَبْدِ كَانَ فِي الْعَبْدِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَلَى قَوْلِهِمَا صَاحِبُ الْبُسْتَانِ يُضْرَبُ بِجَمِيعِ الْبُسْتَانِ، وَهُوَ أَلْفٌ وَصَاحِبُ الْعَبْدِ بِخَمْسِمِائَةٍ، فَيُقَسَّمُ ثُلُثُ الْمَالِ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا عَلَى طَرِيقِ الْعَوْلِ.

وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِغَلَّةِ أَرْضِهِ وَلَيْسَ فِيهَا نَخْلٌ وَلَا شَجَرٌ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا، فَإِنَّهَا تُؤَاجَرُ، فَتَكُونُ تِلْكَ الْغَلَّةُ لَهُ.
وَلَوْ كَانَ فِيهَا شَجَرٌ أُعْطِيَ ثُلُثَ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ اسْمَ الْغَلَّةِ يَقَعُ عَلَى الثَّمَرَةِ، وَعَلَى الْأُجْرَةِ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا ثَمَرٌ انْصَرَفَتْ الْوَصِيَّةُ إلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْغَلَّةَ فِي الْحَقِيقَةِ اسْمٌ لِمَا يَخْرُجُ إذَا كَانَ

الصفحة 392