كتاب بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (اسم الجزء: 7)

إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ كَامِلَةً وَقْتَ السَّرِقَةِ، ثُمَّ نَقَصَتْ أَنَّهُ هَلْ يَسْقُطُ الْقَطْعُ؟ فَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ: أَنَّ نُقْصَانَ الْمَسْرُوقِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ كَانَ نُقْصَانُ الْعَيْنِ بِأَنْ دَخَلَ الْمَسْرُوقَ عَيْبٌ، أَوْ ذَهَبَ بَعْضُهُ.
(وَإِمَّا) أَنْ كَانَ نُقْصَانُ السِّعْرِ فَإِنْ كَانَ نُقْصَانُ الْعَيْنِ يُقْطَعُ السَّارِقُ، وَلَا يُعْتَبَرُ كَمَالُ النِّصَابِ وَقْتَ الْقَطْعِ، بَلْ وَقْتَ السَّرِقَةِ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ نُقْصَانَ عَيْنِهِ هَلَاكُ بَعْضِهِ، وَهَلَاكُ الْكُلِّ لَا يُسْقِطُ الْقَطْعَ، فَهَلَاكُ الْبَعْضِ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ نُقْصَانُ السِّعْرِ - ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يُقْطَعُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ فِي الْوَقْتَيْنِ جَمِيعًا.
وَرَوَى مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُقْطَعُ، وَهَكَذَا ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ وَقْتَ الْإِخْرَاجِ مِنْ الْحِرْزِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
(وَجْهُ) هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ نُقْصَانَ السِّعْرِ دُونَ نُقْصَانِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَحِلِّ، وَهَذَا يُؤَثِّرُ فِيهِ، ثُمَّ نُقْصَانُ الْعَيْنِ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي إسْقَاطِ الْقَطْعِ، فَنُقْصَانُ السِّعْرِ أَوْلَى
(وَجْهُ) ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْفَرْقُ بَيْنَ النُّقْصَانَيْنِ.
(وَوَجْهُ) الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ نُقْصَانَ السِّعْرِ يُورِثُ شُبْهَةَ نُقْصَانٍ فِي الْمَسْرُوقِ وَقْتَ السَّرِقَةِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ بِحَالِهَا قَائِمَةٌ لَمْ تَتَغَيَّرْ، وَتَغَيُّرُ السِّعْرِ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ عَلَى السَّارِقِ أَصْلًا فَيُجْعَلَ النُّقْصَانُ الطَّارِئُ كَالْمَوْجُودِ عِنْدَ السَّرِقَةِ، بِخِلَافِ نُقْصَانِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ تَغَيُّرَ الْعَيْنِ إذْ هُوَ هَلَاكُ بَعْضِ الْعَيْنِ، وَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُ وُجُودِهِ وَقْتَ السَّرِقَةِ، وَكَذَا إذَا سَرَقَ فِي بَلَدٍ فَأَخَذَ فِي بَلَدٍ آخَرَ، وَالْقِيمَةُ فِيهِ أَنْقَصُ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ حَتَّى تَكُونَ الْقِيمَةُ جَمِيعًا فِي السِّعْرِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَعَلَى رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ وَقْتَ السَّرِقَةِ لَا غَيْرُ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ.

(وَمِنْهَا) أَنْ يَكُونَ الْمَسْرُوقُ الَّذِي يُقْطَعُ فِيهِ فِي الْجُمْلَةِ مَقْصُودًا بِالسَّرِقَةِ لَا تَبَعًا لِمَقْصُودٍ، وَلَا يَتَعَلَّقُ الْقَطْعُ بِسَرِقَتِهِ فِي قَوْلِهِمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالسَّرِقَةِ إذَا كَانَ مِمَّا يُقْطَعُ فِيهِ لَوْ انْفَرَدَ، وَبَلَغَ نِصَابًا بِنَفْسِهِ يُقْطَعُ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ بِنَفْسِهِ نِصَابًا إلَّا بِالتَّابِعِ يَكْمُلُ النِّصَابُ بِهِ فَيُقْطَعُ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ وَاحِدًا مِنْهُمَا مَقْصُودًا، وَلَا يَبْلُغُ بِنَفْسِهِ نِصَابًا يَكْمُلُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ وَيُقْطَعُ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ بِالسَّرِقَةِ مِمَّا لَا يُقْطَعُ فِيهِ لَوْ انْفَرَدَ لَا يُقْطَعُ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ مِمَّا يَبْلُغُ نِصَابًا إذَا لَمْ يَكُنْ الْغَيْرُ مَقْصُودًا بِالسَّرِقَةِ، بَلْ يَكُونُ تَابِعًا فِي قَوْلِهِمَا.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُقْطَعُ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ نِصَابًا كَامِلًا، وَبَيَانُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فِي مَسَائِلَ: إذَا سَرَقَ إنَاءً مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ فِيهِ شَرَابٌ، أَوْ مَاءٌ أَوْ لَبَنٌ، أَوْ مَاءُ وَرْدٍ، أَوْ ثَرِيدٌ، أَوْ نَبِيذٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُقْطَعُ فِيهِ لَوْ انْفَرَدَ؛ لَمْ يُقْطَعْ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُقْطَعُ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِ: أَنَّ مَا فِي الْإِنَاءِ إذَا كَانَ مِمَّا لَا يُقْطَعُ فِيهِ الْتَحَقَ بِالْعَدَمِ فَيُعْتَبَرُ أَخَذُ الْإِنَاءِ عَلَى الِانْفِرَادِ فَيُقْطَعُ فِيهِ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِمَا: أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ السَّرِقَةِ مَا فِي الْإِنَاءِ، وَالْإِنَاءُ تَابِعٌ.
أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ قَصَدَ الْإِنَاءَ بِالْأَخْذِ لَأَبْقَى مَا فِيهِ، وَمَا فِي الْإِنَاءِ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ بِسَرِقَتِهِ، فَإِذَا لَمْ يَجِبْ الْقَطْعُ بِالْمَقْصُودِ لَا يَجِبُ بِالتَّابِعِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْكِتَابِ فَقَالَ: إنَّمَا أَنْظُرُ إلَى مَا فِي جَوْفِهِ فَإِنْ كَانَ مَا فِي جَوْفِهِ لَا يُقْطَعُ فِيهِ؛ لَمْ أَقْطَعْهُ وَلَوْ سَرَقَ مَا فِي الْإِنَاءِ فِي الدَّارِ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَ الْإِنَاءَ مِنْهَا، ثُمَّ أَخْرَجَ الْإِنَاءَ فَارِغًا مِنْهُ قُطِعَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَرَقَ مَا فِيهِ فِي الدَّارِ عُلِمَ أَنَّ مَقْصُودَهُ هُوَ الْإِنَاءُ، وَالْمَقْصُودُ بِالسَّرِقَةِ إذَا كَانَ مِمَّا يَجِبُ الْقَطْعُ بِسَرِقَتِهِ، وَبَلَغَ نِصَابًا يُقْطَعُ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا سَرَقَ صَبِيًّا حُرًّا لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ، وَعَلَيْهِ حُلِيٌّ.
وَإِنْ كَانَ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ لَا يُقْطَعُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ لَهُ يَدًا عَلَى نَفْسِهِ، وَعَلَى مَا عَلَيْهِ مِنْ الْحُلِيِّ فَلَا يَكُونُ أَخْذُهُ سَرِقَةً، بَلْ يَكُونُ خِدَاعًا فَلَا يُقْطَعُ، وَكَذَلِكَ إذَا سَرَقَ عَبْدًا صَبِيًّا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَلَيْهِ حُلِيٌّ، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَا يُقْطَعُ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ كَانَ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ يُقْطَعُ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُقْطَعُ؛ بِنَاءً عَلَى أَنَّ سَرِقَةَ مِثْلِ هَذَا الْعَبْدِ يُوجِبُ الْقَطْعَ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَهُ لَا يُوجِبُ، وَالْمَسْأَلَةُ قَدْ مَرَّتْ وَلَوْ سَرَقَ كَلْبًا، أَوْ غَيْرَهُ مِنْ السِّبَاعِ فِي عُنُقِهِ طَوْقٌ لَمْ يُقْطَعْ، وَكَذَلِكَ لَوْ سَرَقَ مُصْحَفًا مُفَضَّضًا، أَوْ مُرَصَّعًا بِيَاقُوتٍ لَمْ يُقْطَعْ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُقْطَعُ؛ لِمَا ذَكَرْنَا.
وَلَوْ سَرَقَ كُوزًا قِيمَتُهُ تِسْعَةُ دَرَاهِمَ، وَفِيهِ عَسَلٌ يُسَاوِي دِرْهَمًا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَا فِيهِ مِنْ الْعَسَلِ، وَالْكُوزُ تَبَعٌ فَيَكْمُلُ نِصَابُ الْأَصْلِ بِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ سَرَقَ حِمَارًا يُسَاوِي تِسْعَةً، وَعَلَيْهِ إكَافٌ يُسَاوِي دِرْهَمًا يُقْطَعُ؛ لِمَا قُلْنَا وَلَوْ سَرَقَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مِنْ ثَوْبٍ، وَالثَّوْبُ لَا يُسَاوِي عَشَرَةً يُنْظَرُ إنْ كَانَ ذَلِكَ الثَّوْبُ يَصْلُحُ وِعَاءً لِلدَّرَاهِمِ بِأَنْ تُشَدَّ فِيهِ الدَّرَاهِمُ عَادَةً بِأَنْ كَانَتْ خِرْقَةً، وَنَحْوَهَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْأَخْذِ هُوَ مَا فِيهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَصْلُحُ بِأَنْ كَانَ ثَوْبَ كِرْبَاسَ فَإِنْ كَانَ تَبْلُغُ قِيمَةُ الثَّوْبِ

الصفحة 79