كتاب المغني لابن قدامة ط مكتبة القاهرة (اسم الجزء: 7)

أَحَدُهُمَا، يَنْعَقِدُ. اخْتَارَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ابْنُ بَطَّةَ؛ لِعُمُومِ قَوْلِهِ «إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ.» وَلِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِهِمَا نِكَاحُ غَيْرِ هَذَا الزَّوَاجِ، فَانْعَقَدَ بِهِمَا نِكَاحُهُ، كَسَائِرِ الْعُدُولِ. وَالثَّانِي، لَا يَنْعَقِدُ بِشَهَادَتِهِمَا؛ لِأَنَّ الْعَدُوَّ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى عَدُوِّهِ، وَالِابْنُ لَا تَقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِوَالِدِهِ.
(٥١٤٤) فَصْلٌ: وَيَنْعَقِدُ بِشَهَادَةِ عَبْدَيْنِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَنْعَقِدُ. وَمَبْنَى الْخِلَافِ عَلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِمَا فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ
وَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَيَنْعَقِدُ بِشَهَادَةِ ضَرِيرَيْنِ. وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ فِي ذَلِكَ. وَلَنَا، أَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى قَوْلٍ، فَصَحَّتْ مِنْ الْأَعْمَى، كَالشَّهَادَةِ بِالِاسْتِفَاضَةِ، وَإِنَّمَا يَنْعَقِدُ بِشَهَادَتِهِمَا إذَا تَيَقَّنَ الصَّوْتَ وَعَلِمَ صَوْتَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَشُكُّ فِيهِمَا، كَمَا يَعْلَمُ ذَلِكَ مَنْ يَرَاهُمَا، وَإِلَّا فَلَا.

[فَصْلٌ تَزَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ تَزْوِيجًا فَاسِدًا]
فَصْلٌ: وَإِذَا تَزَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ تَزْوِيجًا فَاسِدًا، لَمْ يَجُزْ تَزْوِيجُهَا لِغَيْرِ مَنْ تَزَوَّجَهَا حَتَّى يُطَلِّقَهَا أَوْ يَفْسَخَ نِكَاحَهَا. وَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ طَلَاقِهَا، فَسَخَ الْحَاكِمُ نِكَاحَهُ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا حَاجَةَ إلَى فَسْخٍ وَلَا طَلَاقٍ؛ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ، أَشْبَهَ النِّكَاحَ فِي الْعِدَّةِ. وَلَنَا، أَنَّهُ نِكَاحٌ يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ، فَاحْتِيجَ فِي التَّفْرِيقِ فِيهِ إلَى إيقَاعِ فُرْقَةٍ، كَالصَّحِيحِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَلِأَنَّ تَزْوِيجَهَا مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ يُفْضِي إلَى تَسْلِيطِ زَوْجَيْنِ عَلَيْهَا، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَعْتَقِدُ أَنَّ نِكَاحَهُ الصَّحِيحُ، وَنِكَاحَ الْآخَرِ الْفَاسِدُ، وَيُفَارِقُ النِّكَاحَ الْبَاطِلَ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ
وَإِذَا زُوِّجَتْ بِآخَرَ قَبْلَ التَّفْرِيقِ، لَمْ يَصِحَّ الثَّانِي أَيْضًا، وَلَمْ يَجُزْ تَزْوِيجُهَا الثَّالِثَ حَتَّى يُطَلِّقَ الْأَوَّلَانِ أَوْ يُفْسَخَ نِكَاحُهُمَا، وَمَتَى فُرِّقَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ، فَلَا مَهْرَ لَهَا؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ فَاسِدٌ لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ قَبْضٌ، فَلَمْ يَجِبْ بِهِ عِوَضٌ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَإِنْ كَانَ التَّفْرِيقُ بَعْدَ الدُّخُولِ، فَلَهَا الْمَهْرُ؛ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا» . وَإِنْ تَكَرَّرَ الْوَطْءُ فَالْمَهْرُ وَاحِدٌ؛ لِلْحَدِيثِ، وَلِأَنَّهُ إصَابَةٌ فِي عَقْدٍ فَاسِدٍ، أَشْبَهَ الْإِصَابَةَ فِي عَقْدٍ صَحِيحٍ.
(٥١٤٦) فَصْلٌ: وَالْوَاجِبُ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا، أَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ؛ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْعَبْدِ يَتَزَوَّجُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ: يُعْطِي شَيْئًا
قَالَ الْقَاضِي: يَعْنِي مَهْرَ الْمِثْلِ. وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ؛ لِقَوْلِهِ: «وَإِذَا زَوَّجَ الْوَلِيَّانِ فَالنِّكَاحُ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا،

الصفحة 11