كتاب المغني لابن قدامة ط مكتبة القاهرة (اسم الجزء: 7)

فَإِنْ دَخَلَ بِهَا الثَّانِي فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا» . وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ لَهَا الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ حَدِيثِ عَائِشَةَ: «وَلَهَا الَّذِي أَعْطَاهَا بِمَا أَصَابَ مِنْهَا.» قَالَ الْقَاضِي: حَدَّثْنَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَرْقَانِيُّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْخَلَّالُ، بِإِسْنَادَيْهِمَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْوَاجِبُ الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى أَوْ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهَا إنْ رَضِيَتْ بِدُونِ مَهْرِ مِثْلِهَا فَلَيْسَ لَهَا أَكْثَرُ مِنْهُ، كَالْعَقْدِ الصَّحِيحِ، وَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى أَكْثَرَ لَمْ يَجِبْ الزَّائِدُ؛ لِأَنَّهُ بِغَيْرِ عَقْدٍ صَحِيحٍ
وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا» . فَجَعَلَ لَهَا الْمَهْرَ الْمُمَيَّزَ بِالْإِصَابَةِ، وَالْإِصَابَةُ إنَّمَا تُوجِبُ مَهْرَ الْمِثْلِ، وَلِأَنَّ الْعَقْدَ لَيْسَ بِمُوجِبٍ، بِدَلِيلِ الْخَبَرِ، وَأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ مَسِّهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا شَيْءٌ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا كَانَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، وَبَقِيَ الْوَطْءُ مُوجِبًا بِمُفْرَدِهِ، فَأَوْجَبَ مَهْرَ الْمِثْلِ، كَوَطْءِ الشُّبْهَةِ، وَلِأَنَّ التَّسْمِيَةَ لَوْ فَسَدَتْ لَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ، فَإِذَا فَسَدَ الْعَقْدُ مِنْ أَصِلْهُ كَانَ أَوْلَى. وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّهَا رَضِيَتْ بِدُونِ صَدَاقِهَا. إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ الْعَقْدُ هُوَ الْمُوجِبُ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ بِالْإِصَابَةِ، فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ كَامِلًا، كَوَطْءِ الشُّبْهَةِ.
(٥١٤٧) فَصْلٌ: وَلَا يَجِبُ لَهَا بِالْخَلْوَةِ شَيْءٌ. فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ لَهَا الْمَهْرَ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا. يَعْنِي أَصَابَ. وَلَمْ يُصِبْهَا. وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الْمَهْرَ يَسْتَقِرُّ بِالْخَلْوَةِ، قِيَاسًا عَلَى الْعَقْدِ الصَّحِيحِ، وَبِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ الْمُسَمَّى بِالْعَقْدِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ.

[فَصْلٌ لَا حَدَّ فِي وَطْءِ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ]
(٥١٤٨) فَصْلٌ: وَلَا حَدَّ فِي وَطْءِ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، سَوَاءٌ اعْتَقَدَا حِلَّهُ أَوْ حُرْمَتَهُ. وَعَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ الْحَدُّ بِالْوَطْءِ فِي النِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ، إذَا اعْتَقَدَا حُرْمَتَهُ. وَهُوَ اخْتِيَارُ الصَّيْرَفِيِّ، مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ؛ لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ، وَلَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا، إنَّ الزَّانِيَةَ هِيَ الَّتِي تُزَوِّجُ نَفْسَهَا» . وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: مَا كَانَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشَدَّ فِي النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ مِنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَضْرِبُ فِيهِ
وَرَوَى الشَّالَنْجِيُّ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ، أَنَّ الطَّرِيقَ جَمَعَتْ رَكْبًا فِيهِ امْرَأَةٌ ثَيِّبٌ،

الصفحة 12