كتاب المغني لابن قدامة ط مكتبة القاهرة (اسم الجزء: 7)

قَاضٍ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: أَخَذَ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ، أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَقِفُ عَلَى وَلِيٍّ. قَالَ: وَقَالَ الْقَاضِي: نُصُوصُ أَحْمَدَ تَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مُخْتَصٌّ بِحَالِ عَدَمِ الْوَلِيِّ وَالسُّلْطَانِ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ أَنْ لَا يَكُونَ فِي الرُّسْتَاقِ قَاضٍ
وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْوَلِيِّ هَاهُنَا يَمْنَعُ النِّكَاحَ بِالْكُلِّيَّةِ، فَلَمْ يَجُزْ، كَاشْتِرَاطِ الْمُنَاسِبِ فِي حَقِّ مَنْ لَا مُنَاسِبَ لَهَا. وَرُوِيَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ إلَّا بِوَلِيٍّ؛ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ فِيهِ.

[مَسْأَلَةٌ التَّوْكِيلُ فِي النِّكَاحِ]
(٥١٦٤) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَوَكِيلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ يَقُومُ مَقَامَهُ وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا. وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِي النِّكَاحِ، سَوَاءٌ كَانَ الْوَلِيُّ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا، مُجْبَرًا أَوْ غَيْرَ مُجْبَرٍ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَكَّلَ أَبَا رَافِعٍ فِي تَزْوِيجِهِ مَيْمُونَةَ، وَوَكَّلَ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ فِي تَزْوِيجِهِ أُمَّ حَبِيبَةَ» . وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فَجَازَ التَّوْكِيلُ فِيهِ كَالْبَيْعِ. وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِي تَوْكِيلِ غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَلِي بِالْإِذْنِ، فَلَمْ يَجُزْ التَّوْكِيلُ لَهُ، كَالْوَكِيلِ.
وَلَنَا، أَنَّهُ يَلِي شَرْعًا، فَكَانَ لَهُ التَّوْكِيلُ كَالْأَبِ، وَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُمْ: إنَّهُ يَلِي بِالْإِذْنِ. فَإِنَّ وِلَايَتَهُ ثَابِتَةٌ قَبْلَ إذْنِهَا، وَإِنَّمَا إذْنُهَا شَرْطٌ لِصِحَّةِ تَصَرُّفِهِ، فَأَشْبَهَ وِلَايَةَ الْحَاكِمِ عَلَيْهَا، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِي التَّزْوِيجِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْمَرْأَةِ، وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا وِلَايَةَ لَهَا عَلَى نَفْسِهَا، فَكَيْفَ تُنِيبُ لِنَائِبِهَا مِنْ قِبَلِهَا، (٥١٦٥) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ مُطْلَقًا وَمُقَيَّدًا، فَالْمُقَيَّدُ التَّوْكِيلُ فِي تَزْوِيج رَجُلٍ بِعَيْنِهِ. وَالْمُطْلَقُ التَّوْكِيلُ فِي تَزْوِيجِ مَنْ يَرْضَاهُ أَوْ مَنْ يَشَاءُ. قَالَ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ، فِي الرَّجُلِ يُوَلَّى عَلَى أُخْتِهِ أَوْ ابْنَتِهِ، يَقُولُ: إذَا وَجَدْت مَنْ تَرْضَاهُ فَزَوِّجْهُ
فَتَزْوِيجُهُ جَائِزٌ. وَمَنَعَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ التَّوْكِيلَ الْمُطْلَقَ. وَلَا يَصِحُّ؛ فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْعَرَبِ تَرَكَ ابْنَتَهُ عِنْدَ عُمَرَ. وَقَالَ: إذَا وَجَدْت لَهَا كُفُؤًا فَزَوِّجْهُ إيَّاهَا، وَلَوْ بِشِرَاكِ نَعْلِهِ. فَزَوَّجَهَا عُمَرُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَهِيَ أُمُّ عُمَرَ بْنِ عُثْمَانَ. وَاشْتَهَرَ ذَلِكَ فَلَمْ يُنْكَرْ، وَلِأَنَّهُ إذْنٌ فِي النِّكَاحِ، فَجَازَ مُطْلَقًا، كَإِذْنِ الْمَرْأَةِ، أَوْ عَقْدٌ فَجَازَ التَّوْكِيلُ فِيهِ مُطْلَقًا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ لَا يُعْتَبَرُ فِي صِحَّةِ الْوَكَالَةِ إذْنُ الْمَرْأَةِ فِي التَّوْكِيلِ]
(٥١٦٦) فَصْلٌ: وَلَا يُعْتَبَرُ فِي صِحَّةِ الْوَكَالَةِ إذْنُ الْمَرْأَةِ فِي التَّوْكِيلِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُوَكِّلُ أَبًا أَوْ غَيْرَهُ. وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى حُضُورِ شَاهِدَيْنِ. وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الْمُجْبِرِ التَّوْكِيلُ إلَّا بِإِذْنِ الْمَرْأَةِ. وَخَرَّجَهُ الْقَاضِي عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي تَوْكِيلِ الْوَكِيلِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْمُوَكَّلِ. وَحُكِيَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِحِلِّ الْوَطْءِ، فَافْتَقَرَ إلَى الشَّهَادَةِ، كَالنِّكَاحِ

الصفحة 19