كتاب المغني لابن قدامة ط مكتبة القاهرة (اسم الجزء: 7)

وَلَنَا، أَنَّ مَنْ مَلَكَ التَّزْوِيجَ إذَا عُيِّنَ لَهُ الزَّوْجُ، مَلَكَ مَعَ الْإِطْلَاقِ، كَالْوَكِيلِ، وَمَتَى زَوَّجَ وَصِيُّ الْأَبِ الصَّغِيرَةَ فَبَلَغَتْ، فَلَا خِيَارَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي، فَلَمْ يَثْبُتْ فِي تَزْوِيجِهِ خِيَارٌ، كَالْوَكِيلِ.

[مَسْأَلَةٌ كَانَ الْأَقْرَبُ مِنْ عُصْبَة الْمَرْأَة طِفْلًا أَوْ كَافِرًا أَوْ عَبْدًا زَوَّجَهَا الْأَبْعَدُ مِنْ عُصْبَتهَا]
(٥١٧٠) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَإِذَا كَانَ الْأَقْرَبُ مِنْ عَصَبَتِهَا طِفْلًا أَوْ كَافِرًا أَوْ عَبْدًا، زَوَّجَهَا الْأَبْعَدُ مِنْ عَصَبَتِهَا. وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْوِلَايَةَ لَا تَثْبُتُ لِطِفْلٍ وَلَا عَبْدٍ وَلَا كَافِرٍ عَلَى مُسْلِمَةٍ بِحَالٍ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَكُونُ وُجُودُهُمْ كَالْعَدَمِ، فَتَثْبُتُ الْوِلَايَةُ لِمَنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُمْ كَمَا لَوْ مَاتُوا. وَتُعْتَبَرُ لِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ لِمَنْ سَمَّيْنَا سِتَّةُ شُرُوطٍ؛ الْعَقْلُ، وَالْحُرِّيَّةُ، وَالْإِسْلَامُ، وَالذُّكُورِيَّةُ، وَالْبُلُوغُ، وَالْعَدَالَةُ، عَلَى اخْتِلَافٍ نَذْكُرُهُ. فَأَمَّا الْعَقْلُ، فَلَا خِلَافَ فِي اعْتِبَارِهِ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ نَظَرًا لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ عِنْدَ عَجْزِهِ عَنْ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ لَا عَقْلَ لَهُ لَا يُمْكِنُهُ النَّظَرُ، وَلَا يَلِي نَفْسَهُ، فَغَيْرُهُ أَوْلَى، وَسَوَاءٌ فِي هَذَا مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ لِصِغَرِهِ كَطِفْلٍ، أَوْ مَنْ ذَهَبَ عَقْلُهُ بِجُنُونٍ أَوْ كِبَرٍ، كَالشَّيْخِ إذَا أَفْنَدَ
قَالَ الْقَاضِي: وَالشَّيْخُ الَّذِي قَدْ ضَعُفَ لِكِبَرِهِ، فَلَا يَعْرِفُ مَوْضِعَ الْحَظِّ لَهَا، لَا وِلَايَةَ لَهُ. فَأَمَّا الْإِغْمَاءُ فَلَا يُزِيلُ الْوِلَايَةَ؛ لِأَنَّهُ يَزُولُ عَنْ قُرْبٍ، فَهُوَ كَالنَّوْمِ، وَلِذَلِكَ لَا تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -. وَمَنْ كَانَ يُجَنُّ فِي الْأَحْيَانِ لَمْ تَزُلْ وِلَايَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَدِيمُ زَوَالُ عَقْلِهِ، فَهُوَ كَالْإِغْمَاءِ. الشَّرْطُ الثَّانِي، الْحُرِّيَّةُ، فَلَا وِلَايَةَ لَعَبْدٍ فِي قَوْلِ جَمَاعَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَعَلَى غَيْرِهِ أَوْلَى. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: يَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَهَا الْعَبْدُ بِإِذْنِهَا، بِنَاءً مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ تُزَوِّجُ نَفْسَهَا، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
الشَّرْطُ الثَّالِثُ، الْإِسْلَامُ، فَلَا يَثْبُتُ لِكَافِرٍ وِلَايَةٌ عَلَى مُسْلِمَةٍ. وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَيْضًا. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ عَامَّةُ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى هَذَا. قَالَ أَحْمَدُ: بَلَغَنَا أَنَّ عَلِيًّا أَجَازَ نِكَاحَ أَخٍ، وَرَدَّ نِكَاحَ الْأَبِ وَكَانَ نَصْرَانِيًّا. الشَّرْطُ الرَّابِعُ، الذُّكُورِيَّةُ شَرْطٌ لِلْوِلَايَةِ فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهَا الْكَمَالُ، وَالْمَرْأَةُ نَاقِصَةٌ قَاصِرَةٌ، تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ عَلَيْهَا لِقُصُورِهَا عَنْ النَّظَرِ لِنَفْسِهَا، فَلَأَنْ لَا تَثْبُتَ لَهَا وِلَايَةٌ عَلَى غَيْرِهَا أَوْلَى. الشَّرْطُ الْخَامِسُ، الْبُلُوغُ شَرْطٌ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ.
قَالَ أَحْمَدُ: لَا يُزَوِّجُ الْغُلَامُ حَتَّى يَحْتَلِمَ، لَيْسَ لَهُ أَمْرٌ.
وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمْ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَأَبُو ثَوْرٍ. وَعَنْ أَحْمَدَ،

الصفحة 21