كتاب المغني لابن قدامة ط مكتبة القاهرة (اسم الجزء: 7)
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ تَوْكِيلُ الْعَبْدِ وَالْفَاسِقِ وَالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ فِي الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ اللَّفْظِ بِالْعَقْدِ، وَعِبَارَتُهُمْ فِيهِ صَحِيحَةٌ، وَلِذَلِكَ صَحَّ قَبُولُهُمْ النِّكَاحَ لِأَنْفُسِهِمْ، وَإِنَّمَا سُلِبُوا الْوِلَايَةَ نَفْسَهَا؛ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ لَهَا الْكَمَالُ، وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ فِي اللَّفْظِ بِهِ
فَأَمَّا إنْ وَكَّلَهُ الزَّوْجُ فِي قَبُولِ النِّكَاحِ لَهُ، أَوْ وَكَّلَهُ الْأَبُ فِي قَبُولِ النِّكَاحِ لَابْنِهِ الصَّغِيرِ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ طَرَفَيْ الْعَقْدِ، فَلَمْ يَجُزْ تَوْكِيلُهُ فِيهِ كَالْإِيجَابِ. وَيُحْتَمَلُ جَوَازُ تَوْكِيلِ مَنْ ذَكَرْنَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِهِ، وَيَصِحُّ قَبُولُهُمْ النِّكَاحَ لِأَنْفُسِهِمْ، فَجَازَ أَنْ يَنُوبُوا فِيهِ عَنْ غَيْرِهِمْ، كَالْبَيْعِ. وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِي الْعَبْدِ.
[مَسْأَلَةٌ يُزَوِّجُ أَمَةَ الْمَرْأَةِ بِإِذْنِهَا مَنْ يُزَوِّجُهَا]
(٥١٧٣) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَيُزَوِّجُ أَمَةَ الْمَرْأَةِ بِإِذْنِهَا مَنْ يُزَوِّجُهَا) اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ فِي مَنْ يُزَوِّجُ أَمَةَ الْمَرْأَةِ، فَرُوِيَ عَنْهُ، أَنَّهُ يَلِي نِكَاحَهَا وَلِيُّ سَيِّدَتِهَا. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ كَوْنُ الْوِلَايَةِ لَهَا، فَامْتَنَعَتْ فِي حَقِّهَا لِقُصُورِهَا، فَتَثْبُتُ لِأَوْلِيَائِهَا، كَوِلَايَةِ نَفْسِهَا، وَلِأَنَّهُمْ يَلُونَهَا لَوْ عَتَقَتْ، فَفِي حَالِ رِقِّهَا أَوْلَى. ثُمَّ إنْ كَانَتْ سَيِّدَتُهَا رَشِيدَةً، لَمْ يَجُزْ تَزْوِيجُ أَمَتِهَا إلَّا بِإِذْنِهَا؛ لِأَنَّهَا مَالُهَا، وَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي مَالِ رَشِيدٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَيُعْتَبَرُ نُطْقُهَا بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا؛ لِأَنَّ صُمَاتَهَا إنَّمَا اُكْتُفِيَ بِهِ فِي تَزْوِيجِ نَفْسِهَا لِحَيَائِهَا.
وَلَا تَسْتَحْيِي مِنْ تَزْوِيجِ أَمَتِهَا، وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً أَوْ سَفِيهَةً، وَلِوَلِيِّهَا وِلَايَةٌ عَلَى مَالِهَا، فَلَهُ تَزْوِيجُ أَمَتِهَا، إنْ كَانَ الْحَظُّ فِي تَزْوِيجِهَا، وَإِلَّا فَلَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَهَا. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي أَمَةِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ. وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: لَيْسَ لَهُ تَزْوِيجُهَا بِحَالٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَغْرِيرًا بِمَالِ الصَّغِيرَةِ؛ لِأَنَّهَا رُبَّمَا حَمَلَتْ. فَتَلِفَتْ. وَلَنَا، أَنَّ لَهُ التَّصَرُّفَ بِمَا فِيهِ الْحَظُّ، وَالتَّزْوِيجُ هَاهُنَا فِيهِ الْحَظُّ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ، فَجَازَ، كَسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ الْجَائِزَةِ وَاحْتِمَالُ الْخَطَرِ مَرْجُوحٌ لِمَا فِيهِ مِنْ تَحْصِيلِ مَهْرِهَا، وَوَلَدِهَا، وَكِفَايَةِ مُؤْنَتِهَا، وَصِيَانَتِهَا عَنْ الزِّنَى الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ فِي حَقِّهَا، وَنَقْصِ قِيمَتِهَا، وَالْمَرْجُوحُ كَالْمَعْدُومِ
وَإِنْ كَانَ وَلِيُّهَا فِي مَالِهَا غَيْرَ وَلِيِّ تَزْوِيجِهَا، فَوِلَايَةُ تَزْوِيجِهَا لِلْوَلِيِّ فِي الْمَالِ دُونَ وَلِيِّ التَّزْوِيجِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَصَرِّفُ فِي الْمَالِ، وَهِيَ مَالٌ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، أَنَّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُوَلِّيَ أَمْرَ أَمَتِهَا رَجُلًا يُزَوِّجُهَا. نَقَلَهَا عَنْ أَحْمَدَ جَمَاعَةٌ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْوِلَايَةِ الْمِلْكُ، وَقَدْ تَحَقُّقَ فِي الْمَرْأَةِ، وَامْتَنَعَتْ الْمُنَاشَزَةُ لِنَقْصِ الْأُنُوثَة، فَمَلَكَتْ التَّوْكِيلَ، كَالرَّجُلِ الْمَرِيضِ وَالْغَائِبِ.
الصفحة 23
591