كتاب المغني لابن قدامة ط مكتبة القاهرة (اسم الجزء: 7)
الْحَاكِمِ أَقَامَ الْحَاكِمُ مُقَامَ الْمُمْتَنِعِ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ حُرَّةً، وَصَارَ نِكَاحُهَا حَقًّا لَهَا. وَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ أَوْ الْمُعْتِقَةُ وَاحِدًا، وَلَهُ عَصَبَتَانِ فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ، كَالِابْنَيْنِ أَوْ الْأَخَوَيْنِ، فَلِأَحَدِهِمَا الِاسْتِقْلَالُ بِتَزْوِيجِهَا، كَمَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ سَيِّدَتِهَا.
[مَسْأَلَةٌ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً هُوَ وَلِيُّهَا]
(٥١٧٦) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً هُوَ وَلِيُّهَا، جَعَلَ أَمْرَهَا إلَى رَجُلٍ يُزَوِّجُهَا مِنْهُ بِإِذْنِهَا) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ وَلِيَّ الْمَرْأَةِ الَّتِي يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا، وَهُوَ ابْنُ الْعَمِّ، أَوْ الْمَوْلَى أَوْ الْحَاكِمُ، أَوْ السُّلْطَانُ، إذَا أَذِنَتْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، فَلَهُ ذَلِكَ، وَهَلْ لَهُ أَنْ يَلِيَ طَرَفَيْ الْعَقْدِ بِنَفْسِهِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، لَهُ ذَلِكَ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَرَبِيعَةَ، وَمَالِكٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ؛ لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، لِأُمِّ حَكِيمٍ ابْنَةِ قَارِظٍ: أَتَجْعَلِينَ أَمْرَكِ إلَيَّ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: قَدْ تَزَوَّجْتُك.
وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ، فَجَازَ أَنْ يَتَوَلَّاهُمَا، كَمَا لَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ عَبْدَهُ الصَّغِيرَ، وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ وُجِدَ فِيهِ الْإِيجَابُ مِنْ وَلِيٍّ ثَابِتِ الْوِلَايَةِ، وَالْقَبُولُ مِنْ زَوْجٍ هُوَ أَهْلٌ لِلْقَبُولِ، فَصَحَّ، كَمَا لَوْ وُجِدَا مِنْ رَجُلَيْنِ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَعْتَقَ صَفِيَّةَ، وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا.» فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «كُلُّ نِكَاحٍ لَمْ يَحْضُرْهُ أَرْبَعَةٌ فَهُوَ سِفَاحٌ: زَوْجٌ، وَوَلِيٌّ، وَشَاهِدَانِ» . قُلْنَا: هَذَا لَا نَعْرِفُ صِحَّتَهُ، وَإِنْ صَحَّ فَهُوَ مَخْصُوصٌ بِمَنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ عَبْدَهُ الصَّغِيرَ، فَيُخَصُّ مِنْهُ مَحِلُّ النِّزَاعِ أَيْضًا
وَهَلْ يَفْتَقِرُ إلَى ذِكْرِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، أَمْ يُكْتَفَى بِمُجَرَّدِ الْإِيجَابِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، يَحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ: زَوَّجْت نَفْسِي فُلَانَةَ، وَقَبِلْت هَذَا النِّكَاحَ. لِأَنَّ مَا افْتَقَرَ إلَى الْإِيجَابِ افْتَقَرَ إلَى الْقَبُولِ، كَسَائِرِ الْعُقُودِ. وَالثَّانِي، يَكْفِيهِ أَنْ يَقُولَ: زَوَّجْت نَفْسِي فُلَانَةَ، أَوْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَة؛ لِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَلِأَنَّ إيجَابَهُ يَتَضَمَّنُ الْقَبُولَ، فَأَشْبَهَ إذَا تَقَدَّمَ الِاسْتِدْعَاءُ، وَلِهَذَا قُلْنَا: إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ: قَدْ أَعْتَقْتُك، وَجَعَلْت عِتْقَك صَدَاقَك. انْعَقَدَ النِّكَاحُ بِمُجَرَّدِ هَذَا الْقَوْلِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ، وَلَكِنْ يُوَكِّلُ رَجُلًا يُزَوِّجُهُ إيَّاهَا بِإِذْنِهَا. قَالَ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ: لَا يُزَوِّجُ نَفْسَهُ حَتَّى يُوَلِّيَ رَجُلًا، عَلَى حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَهُوَ مَا رَوَى
الصفحة 25
591