كتاب المغني لابن قدامة ط مكتبة القاهرة (اسم الجزء: 7)

(٥١٣٧) أَحَدُهَا: أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِوَلِيٍّ، وَلَا تَمْلِكُ الْمَرْأَةُ تَزْوِيجَ نَفْسِهَا وَلَا غَيْرِهَا، وَلَا تَوْكِيلَ غَيْرِ وَلِيِّهَا فِي تَزْوِيجِهَا. فَإِنْ فَعَلَتْ، لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ. رُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنُ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَالثَّوْرِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ الْعَنْبَرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، وَأَبِي يُوسُفَ: لَا يَجُوزُ لَهَا ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ، فَإِنْ فَعَلَتْ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَتِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَهَا أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا وَغَيْرَهَا، وَتُوَكِّلَ فِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: ٢٣٢] . أَضَافَ النِّكَاحَ إلَيْهِنَّ، وَنَهَى عَنْ مَنْعِهِنَّ مِنْهُ، وَلِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهَا، وَهِيَ مِنْ أَهْلِ الْمُبَاشَرَةِ، فَصَحَّ مِنْهَا، كَبَيْعِ أَمَتِهَا، وَلِأَنَّهَا إذَا مَلَكَتْ بَيْعَ أَمَتِهَا، وَهُوَ تَصَرُّفٌ فِي رَقَبَتِهَا وَسَائِرِ مَنَافِعِهَا، فَفِي النِّكَاحِ الَّذِي هُوَ عَقْدٌ عَلَى بَعْضِ مَنَافِعِهَا أَوْلَى
وَلَنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ» . رَوَتْهُ عَائِشَةُ، وَأَبُو مُوسَى، وَابْنُ عَبَّاسٍ. قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: سَأَلْت أَحْمَدَ وَيَحْيَى عَنْ حَدِيثِ: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ» . فَقَالَا: صَحِيحٌ.
وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَنَّهُ قَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ بَاطِلٌ بَاطِلٌ، فَإِنْ أَصَابَهَا، فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا، فَإِنْ اشْتَجَرُوا، فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» . رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّ الزُّهْرِيَّ رَوَاهُ وَقَدْ أَنْكَرَهُ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: سَأَلْت الزُّهْرِيَّ عَنْهُ فَلَمْ يَعْرِفْهُ. قُلْنَا لَهُ: لَمْ يَقُلْ هَذَا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٌ غَيْرُ ابْنِ عُلَيَّةَ، كَذَلِكَ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَيَحْيَى، وَلَوْ ثَبَتَ هَذَا لَمْ يَكُنْ حُجَّةً؛ لِأَنَّهُ قَدْ نَقَلَهُ ثِقَاتٌ عَنْهُ، فَلَوْ نَسِيَهُ الزُّهْرِيُّ لَمْ يَضُرَّهُ؛
لِأَنَّ النِّسْيَانَ لَمْ يُعْصَمْ مِنْهُ إنْسَانٌ. قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نَسِيَ آدَم، فَنَسِيَتْ ذُرِّيَّتُهُ» . وَلِأَنَّهَا مَوْلَى عَلَيْهَا فِي النِّكَاحِ، فَلَا تَلِيهِ، كَالصَّغِيرَةِ، وَأَمَّا الْآيَةُ، فَإِنَّ عَضْلَهَا الِامْتِنَاعُ مِنْ تَزْوِيجِهَا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ نِكَاحَهَا إلَى الْوَلِيِّ.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي شَأْنِ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، حِينَ امْتَنَعَ مِنْ تَزْوِيجِ أُخْتِهِ، فَدَعَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَزَوَّجَهَا. وَأَضَافَهُ إلَيْهَا لِأَنَّهَا مَحَلٌّ لَهُ.

الصفحة 7