كتاب المغني لابن قدامة ط مكتبة القاهرة (اسم الجزء: 7)
: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ» . مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ، إلَّا أَنَّ فِي نَقْلِهِ ذَلِكَ ضَعِيفًا، فَلَمْ أَذْكُرْهُ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَقَدْ أَعْتَقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيِّ فَتَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ شُهُودٍ. قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «اشْتَرَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَارِيَةً بِسَبْعَةِ قُرُوشٍ، فَقَالَ النَّاسُ: مَا نَدْرِي أَتَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ أَمْ جَعَلَهَا أُمَّ وَلَدٍ؟ فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَرْكَبَ حَجَبَهَا، فَعَلِمُوا أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قَالَ: فَاسْتَدَلُّوا عَلَى تَزْوِيجِهَا بِالْحِجَابِ. وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونُ: أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِشْهَادِ فِي الْبَيْعِ دُونَ النِّكَاحِ، فَاشْتَرَطَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ الشَّهَادَةَ لِلنِّكَاحِ، وَلَمْ يَشْتَرِطُوهَا لِلْبَيْعِ، وَوَجْهُ الْأُولَى أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ مُرْشِدٍ، وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ» . رَوَاهُ الْخَلَّالُ بِإِسْنَادِهِ. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا بُدَّ فِي النِّكَاحِ مِنْ أَرْبَعَةٍ؛ الْوَلِيُّ، وَالزَّوْجُ، وَالشَّاهِدَانِ» . وَلِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ غَيْرِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَهُوَ الْوَلَدُ، فَاشْتُرِطَتْ الشَّهَادَةُ فِيهِ، لِئَلَّا يَجْحَدَهُ أَبُوهُ، فَيَضِيعَ نَسَبُهُ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ
فَأَمَّا نِكَاحُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَغَيْرِ شُهُودٍ، فَمِنْ خَصَائِصِهِ فِي النِّكَاحِ، فَلَا يُلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ.
(٥١٤٠) الْفَصْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِشَهَادَةِ مُسْلِمَيْنِ، سَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجَانِ مُسْلِمَيْنِ، أَوْ الزَّوْجُ وَحْدَهُ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ ذِمِّيَّةً، صَحَّ بِشَهَادَةِ ذِمِّيَّيْنِ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَيَتَخَرَّجُ لَنَا مِثْلُ ذَلِكَ، مَبْنِيًّا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ بِقَبُولِ شَهَادَةِ بَعْضِ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى بَعْضٍ. وَلَنَا، قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ، وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ»
وَلِأَنَّهُ نِكَاحُ مُسْلِمٍ، فَلَمْ يَنْعَقِدْ بِشَهَادَةِ ذِمِّيَّيْنِ، كَنِكَاحِ الْمُسْلِمَيْنِ.
(٥١٤١) فَصْلٌ: فَأَمَّا الْفَاسِقَانِ، فَفِي انْعِقَادِ النِّكَاحِ بِشَهَادَتِهِمَا رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، لَا يَنْعَقِدُ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِلْخَبَرِ. وَلِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمَا، فَلَمْ يَنْعَقِدْ بِحُضُورِهِمَا، كَالْمَجْنُونَيْنِ.
الصفحة 9
591