كتاب سلسلة جهاد شعب الجزائر (اسم الجزء: 7)

(احتقروها واستصغروها، وتهاونوا بأمرها، وغرهم منها طول السكوت وطول الاستسلام، وخالوها ميتة فاستنسروا، وحسبوها جثة هامدة فتنمروا. وراموا الإجهاز على ما بقي فيها من بقية الحياة، بحسب ظنونهم، فتآمروا وقرروا ما قرروا، والله من ورائهم محيط. تحدوها امتهانا وصغارا، فإذا بها ترفع ذلك التحدي بأنفة وكبرياء. وقرروا فيما بينهم موتها، فإذا هي تقرر على رؤوس الملأ حياتها الخالدة. كذبت أمانيهم، وسفهت أحلامهم، وأرتهم رأي العين كيف تكون الأمم الناهضة وكيف تكون الشعوب المستيقظة، وكيف تتقدم في ميدان العمل السلمي المشروع أمة تتوثب للسعادة فأرادوا لها الشقاء، وتتطلع للحرية فصاغوا لها قيود الاستعباد. وتريد أن تتقدم مع المتقدمين، فأرادوا لها التقهقر مع الغابرين).
وكم كانت أمة الجزائر الحية الحساسة بديعة في مظاهرها القوية الناطقة. وكم كانت جليلة رائعة. يوم نطقت فيها مئات آلاف من الألسنة والقلوب. في تلمسان، وفي قسنطينة، وفي بونه، وفي جيجل؛ وفي بسكره؛ وفي قالمة، وفي سوق أهراس، وفي عشرات من المدن والقرى، فكان نطقها رهيبا، وكان صوتها مدويا مسموعا، وكانت كلماتها الصادرة عن يقين وإيمان تسمع حتى الصم، وتنفذ حتى إلى القلوب الغلف التي هي كالحجارة أو أشد قسوة. كانت موجة الاستياء عظيمة لم تر البلاد مثلها فيما سلف. وبلغت القلوب الحناجر لما لحق بها من ألم وكمد. وكاد اليأس يستولي على الأنفس فيقودها حيث يقود اليأس

الصفحة 177