كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 7)

سَوَاءٌ عَلِمَ كُلٌّ بِالْهِبَةِ أَمْ لَا تَقَدَّمَ كُلٌّ مِنْ الْخِدْمَةِ وَالِاسْتِعَارَةِ عَلَى الْهِبَةِ أَوْ صَاحِبِهَا؛ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا حَازَا لِأَنْفُسِهِمَا وَلَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَقُولَا لَا نَحُوزُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ، وَأَمَّا لَوْ تَقَدَّمَتْ الْهِبَةُ عَلَيْهِمَا فَالْحَقُّ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ فِي الْمَنْفَعَةِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَتَأَتَّى إخْدَامٌ وَلَا إعَارَةٌ وَلَا شَكَّ فِي صِحَّةِ حَوْزِهِمَا لَهُ حِينَئِذٍ إنْ رَضِيَا لَهُ.

(ص) وَمُودَعٍ إنْ عَلِمَ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْوَدِيعَةَ إذَا وَهَبَهَا مَالِكُهَا لِغَيْرِ مَنْ هِيَ عِنْدَهُ وَعَلِمَ الْمُودَعُ بِفَتْحِ الدَّالِ بِذَلِكَ وَرَضِيَ فَإِنَّ حِيَازَتَهُ حِينَئِذٍ تَكُونُ حَوْزًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُودَعُ بِالْهِبَةِ حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ فَإِنَّهَا تَكُونُ بَاطِلَةً التُّونُسِيُّ لَمْ يَشْتَرِطْ ابْنُ الْقَاسِمِ عِلْمَ الْمُخْدِمِ وَالْمُسْتَعِيرِ كَمَا شَرَطَ عِلْمَ الْمُودَعِ؛ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا حَازَا الرِّقَابَ لِمَنَافِعِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ قَالَا لَا تَحَوُّزَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِهِمَا إلَّا أَنْ يُبْطِلَا مَا لَهُمَا مِنْ الْمَنَافِعِ وَلَا يَقْدِرَانِ عَلَى ذَلِكَ لِتَقَدُّمِ قَبُولِهِمَا فَصَارَ عِلْمُهُمَا غَيْرَ مُفِيدٍ وَالْمُودِعُ لَوْ شَاءَ لَقَالَ خُذْ مَا أَوْدَعْتَنِي لَا أَحُوزُهُ.

(ص) لَا غَاصِبٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ الشَّيْءَ الْمَغْصُوبَ إذَا وَهَبَهُ مَالِكُهُ لِغَيْرِ الْغَاصِبِ لَمْ يَكُنْ حَوْزُ الْغَاصِبِ حَوْزًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ لَمْ يُقْبِضْهُ لِلْمَوْهُوبِ وَلَا أَمَرَهُ الْوَاهِبُ بِذَلِكَ قَوْلُهُ وَلَا أَمَرَهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ أَمَرَهُ لَجَازَ وَهَذَا إذَا رَضِيَ الْغَاصِبُ أَنْ يَحُوزَ لَهُ وَيَصِيرَ كَالْمُودَعِ.

(ص) وَمُرْتَهِنٍ وَمُسْتَأْجِرٍ إلَّا أَنْ يَهَبَ الْإِجَارَةَ (ش) يَعْنِي أَنَّ الشَّيْءَ الْمَرْهُونَ إذَا وَهَبَهُ مَالِكُهُ لِغَيْرِ الْمُرْتَهِنِ فَإِنَّ حَوْزَ الْمُرْتَهِنِ لَا يَكُونُ حَوْزًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ، فَإِذَا مَاتَ الْوَاهِبُ فَالرَّهْنُ لِوَرَثَتِهِ لَهُمْ أَنْ يَفْتَكُّوهُ وَلَهُمْ أَنْ يَتْرُكُوهُ لِلْمُرْتَهِنِ وَكَذَا الْمُسْتَأْجِرُ لَا يَكُونُ حَوْزُهُ حَوْزًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا هُوَ حَائِزٌ لِضَرُورَةِ الِاسْتِيفَاءِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَاهِبُ وَهَبَ الْأُجْرَةَ أَيْضًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ قَبْلَ قَبْضِهَا فَحِينَئِذٍ يَكُونُ حَوْزُ الْمُسْتَأْجِرِ حَوْزًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَبِعِبَارَةٍ وَلَا يُعْتَبَرُ حَوْزُ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى الرَّدِّ وَقَبْضُهُ إنَّمَا هُوَ لِلتَّوَثُّقِ لِنَفْسِهِ فَفَارَقَ الْمُودَعَ وَلَا حَوْزُ الْمُسْتَأْجِرِ لِجَوَلَانِ يَدِ الْمُؤَجِّرِ فِي الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ بِقَبْضِ أُجْرَتِهِ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ وَلِذَا لَوْ وَهَبَ الْأُجْرَةَ لِمَنْ وَهَبَ لَهُ الرَّقَبَةَ كَانَ حَوْزُ الْمُسْتَأْجِرِ كَافِيًا فِي صِحَّةِ الْهِبَةِ لِلْمَوْهُوبِ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ، وَأَمَّا مَنْ وَهَبَ الْوَاهِبَ الْأُجْرَةَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ بَعْدَ مَا قَبَضَهَا مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ فَلَا يَكُونُ حَوْزُ الْمُسْتَأْجِرِ حِينَئِذٍ حَوْزًا لَهُ ذَكَرَهُ ابْنُ نَاجِي فَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ الْأُجْرَةَ بَدَلَ الْإِجَارَةَ لَكَانَ أَوْلَى وَبَعْدَ ذَلِكَ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ صَادِقٌ بِمَا إذَا وَهَبَ الْأُجْرَةَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ بَعْدَ قَبْضِهَا وَلَيْسَ بِمُرَادٍ كَمَا عَلِمْته أَنَّ هِبَةَ الْأُجْرَةِ إنَّمَا تَكُونُ حَوْزًا إذَا كَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ يَقْبِضُهَا يَوْمًا بِيَوْمٍ بَعْدَ هِبَتِهَا وَقَدْ يُقَالُ إنَّ قَيْدَ كَوْنِ هِبَةِ الْأُجْرَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ؛ لِأَنَّهَا بَعْدَ الْقَبْضِ لَا تُسَمَّى أُجْرَةً وَإِنَّمَا تَصِيرُ مَالًا مُسْتَقِلًّا ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ وَمُرْتَهِنٍ وَمُسْتَأْجِرٍ بِكَسْرِ الْهَاءِ وَالْجِيمِ.
(ص) وَلَا إنْ رَجَعَتْ إلَيْهِ بَعْدَهُ بِقُرْبٍ بِأَنْ آجَرَهَا أَوْ أَرْفَقَ بِهَا (ش) الْمَعْطُوفُ مَحْذُوفٌ أَيْ: وَلَا وَاهِبٍ إنْ رَجَعَتْ إلَيْهِ بَعْدَهُ بِقُرْبٍ وَالْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ هُوَ قَوْلُهُ لَا غَاصِبٍ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْهِبَةَ إذَا حَازَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ رَجَعَتْ إلَى وَاهِبِهَا بِقُرْبِ ذَلِكَ الْحَوْزِ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ بِأَنْ آجَرَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْهِبَةَ لِوَاهِبِهَا أَوْ أَرْفَقَهُ بِهَا أَيْ: أَرْفَقَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْوَاهِبَ بِالْهِبَةِ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ أَيْضًا وَالْإِرْفَاقُ هُوَ الْعُمْرَى؛ لِأَنَّ قَرِينَةَ الرُّجُوعِ عَنْ قُرْبٍ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الْوَاهِبَ يُحِيلُ عَلَى إسْقَاطِ الْحِيَازَةِ فَالضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِي رَجَعَتْ لِلْهِبَةِ وَالضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ بِإِلَى لِلْوَاهِبِ وَضَمِيرُ بَعْدَ لِلْحَوْزِ وَفَاعِلُ آجَرَ وَأَرْفَقَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَالضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ بِالْبَاءِ لِلْهِبَةِ وَالْقُرْبُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا خِلَافُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ فِيهَا قَبْضَ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُخْدَمِ قَبْضًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَلَمْ يَشْتَرِطْ مَعْرِفَتَهُمَا انْتَهَى وَكَذَا فِي مَعِينِ الْحُكَّامِ.

(قَوْلُهُ وَمُودَعٍ إنْ عَلِمَ إلَخْ) مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ وَالْمُصَنِّفُ تَبِعَ ابْنَ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَظَاهِرُ ابْنِ رُشْدٍ اعْتِمَادُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ (قَوْلُهُ وَعَلِمَ الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ وَرَضِيَ) إشَارَةٌ مِنْ الشَّارِحِ إلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَاصِرٌ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الرِّضَا زِيَادَةً عَلَى الْعِلْمِ وَقَوْلُهُ لَمْ يُلْتَفَتْ لِقَوْلِهِمَا إلَّا أَنْ يُبْطِلَا مَا لَهُمَا مِنْ الْمَنَافِعِ فَهَذَا يُنْتِجُ أَنَّهُمَا إنَّمَا حَازَا الرِّقَابَ لِمَنَافِعِهِمَا لَا لِلْمُعِيرِ وَلَا لِلْمُخْدِمِ فَلِذَلِكَ صَحَّ حَوْزُهُمَا.
(قَوْلُهُ لَا يَقْدِرَانِ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ: عَلَى إبْطَالِ مَا لَهُمَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ صَارَ عَطِيَّةً مِنْهُمَا لِلْمَالِكِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولٍ وَوَجْهُهُ أَنَّهُمَا لَمَّا قَبِلَا مَلَكَا الْمَنْفَعَةَ فَإِبْطَالُهُمَا لِلْمَالِكِ يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِهِ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْغَاصِبَ لَمْ يَقْبِضْهُ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ جَارٍ فِي الْمُخْدَمِ وَالْمُسْتَعِيرِ مَعَ أَنَّهُ يَصِحُّ حَوْزُهُمَا.

(قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَهَبَ الْإِجَارَةَ) أَيْ: إلَّا أَنْ يَهَبَ الْأُجْرَةَ لِمَنْ وَهَبَ لَهُ الرَّقَبَةَ لَا لِغَيْرِهَا فَلَا يُعْتَبَرُ حَوْزُهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى الرَّدِّ) الْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ فِي الْمُودِعِ وَالْمُرْتَهِنِ وَقَوْلُهُ فَفَارَقَ الْمُودَعَ أَيْ: بِقَوْلِهِ وَقَبْضُهُ إنَّمَا هُوَ لِلتَّوَثُّقِ لِنَفْسِهِ أَيْ: فَلِذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ حَوْزُهُ بِخِلَافِ الْمُودَعِ فَلِذَلِكَ صَحَّ حَوْزُهُ إنْ عَلِمَ وَرَضِيَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ وَلَا إنْ رَجَعَتْ إلَيْهِ إلَخْ) اُنْظُرْ لَوْ رَجَعَتْ إلَيْهِ بِنِكَاحٍ كَمَا لَوْ كَانَتْ أَمَةً فَزَوَّجَهَا مِنْهُ قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ وَأَفْتَى بَعْضُ شُيُوخِنَا بِأَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَلَا تَبْطُلُ الْهِبَةُ (قَوْلُهُ أَوْ أَرْفَقَهُ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ (قَوْلُهُ فَإِنَّهَا تُبْطِلُ هَذَا فِي الشَّيْءِ الَّذِي لَهُ غَلَّةٌ) ، وَأَمَّا مَا لَيْسَ لَهُ غَلَّةٌ، فَإِذَا عَادَ لِوَاهِبِهِ بَعْدَ أَنْ صَرَفَهُ فِي مَصْرِفِهِ فَلَا يَبْطُلُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْوَقْفِ فَحُكْمُهُمَا وَاحِدٌ كَذَا أَفَادَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ إلَّا أَنَّ فِي عب خِلَافَهُ حَيْثُ قَالَ وَلَا وَاهِبَ إنْ رَجَعَتْ الْهِبَةُ كَانَ لَهَا غَلَّةٌ أَمْ لَا إلَيْهِ بَعْدَهُ أَيْ: بَعْدَ حَوْزِ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِقُرْبٍ مِنْ حَوْزِهِ وَقَوْلُهُ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ أَيْ: وَالْمَوْضُوعُ أَنَّهُ حَصَلَ مَانِعٌ فِي الصُّورَتَيْنِ وَتَصِيرُ الْحِيَازَةُ كَعَدَمِهَا وَيَبْطُلُ حَقُّهُ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَحْصُلْ مَانِعٌ فَلَا تَبْطُلُ وَلَهُ أَنْ يَحُوزَهَا وَتَتِمَّ الْهِبَةُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ قَرِينَةَ الرُّجُوعِ) الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ أَيْ: قَرِينَةً هِيَ الرُّجُوعُ

الصفحة 109