كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 7)

الْوَاهِبِ إلَى أَنْ فَلَّسَ أَوْ مَاتَ فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلُ؛ لِأَنَّ الْوَاهِبَ هُوَ الَّذِي يَحُوزُ لِمَحْجُورِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَحْجُورُ صَغِيرًا أَوْ سَفِيهًا وَسَوَاءٌ كَانَ الْوَلِيُّ أَبًا أَوْ وَصِيًّا أَوْ مُقَدَّمًا مِنْ قِبَلِ الْقَاضِي إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَاهِبُ وَهَبَ لِمَحْجُورِهِ شَيْئًا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ كَالدَّرَاهِمِ وَالْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ وَأَبْقَاهَا تَحْتَ يَدِهِ إلَى أَنْ فَلَّسَ مَثَلًا فَإِنَّهَا تَبْطُلُ وَلَوْ خَتَمَ عَلَيْهَا بِخَتْمِهِ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَبِهِ الْعَمَلُ نَعَمْ إنْ خَتَمَ عَلَيْهَا وَحَازَهَا لَهُ عِنْدَ غَيْرِهِ إلَى أَنْ مَاتَ أَوْ فَلَّسَ فَإِنَّهَا تَصِحُّ.
(ص) وَدَارُ سُكْنَاهُ إلَّا أَنْ يَسْكُنَ أَقَلَّهَا وَيُكْرِيَ لَهُ الْأَكْثَرَ وَإِنْ سَكَنَ النِّصْفَ بَطَلَ فَقَطْ وَالْأَكْثَرَ بَطَلَ الْجَمِيعُ (ش) هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى مَا مِنْ قَوْلِهِ مَا لَا يُعْرَفُ فَلَا تَصِحُّ هِبَتُهَا لِمَحْجُورِهِ مَا دَامَ الْوَاهِبُ سَاكِنًا فَلَوْ سَكَنَ الْأَقَلَّ وَأَكْرَى لِمَحْجُورِهِ الْأَكْثَرَ فَلَا يَضُرُّ وَتَصِيرُ كُلُّهَا صَدَقَةً عَلَى الْمَحْجُورِ فَإِنْ سَكَنَ النِّصْفَ وَأَكْرَى لَهُ النِّصْفَ الثَّانِيَ فَإِنَّ مَا سَكَنَهُ تَبْطُلُ الصَّدَقَةُ فِيهِ وَمَا أَكْرَاهُ لَهُ تَمْضِي صَدَقَتُهُ لِلْمَحْجُورِ فَإِنْ سَكَنَ الْوَاهِبُ الْأَكْثَرَ وَأَكْرَى لَهُ أَقَلَّهَا فَإِنَّ الصَّدَقَةَ كُلَّهَا تَبْطُلُ وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ فِي الْمَحْجُورِ، وَأَمَّا لَوْ وَهَبَ الْأَبُ دَارَ سُكْنَاهُ لِكِبَارِ وَلَدِهِ فَلَا يَبْطُلُ مِنْهَا إلَّا مَا سَكَنَهُ فَقَطْ وَيَصِحُّ مَا حَازَهُ الْوَلَدُ كَانَ كَثِيرًا أَوْ يَسِيرًا وَالْوَقْفُ مِثْلُ الْهِبَةِ فِي ذَلِكَ.

(ص) وَجَازَتْ الْعُمْرَى (ش) لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الْهِبَةِ أَتْبَعَهَا بِالْعُمْرَى وَهِيَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْمِيمِ مَقْصُورَةً مَأْخُوذَةً مِنْ الْعُمْرِ لِوُقُوعِهِ ظَرْفًا لَهَا وَأَفْرَدَهَا عَنْ الْهِبَةِ إشَارَةً لِلْفَرْقِ؛ إذْ الْهِبَةُ تَمْلِيكٌ لِلذَّاتِ وَهَذِهِ لِلْمَنَافِعِ وَعَرَّفَهَا ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ هِيَ تَمْلِيكُ مَنْفَعَةِ حَيَاةِ الْمُعْطِي بِغَيْرِ عِوَضِ إنْشَاءٍ أَخْرَجَ بِالْمَنْفَعَةِ إعْطَاءَ الذَّاتِ وَأَخْرَجَ بِحَيَاةِ الْمُعْطِي الْحَبْسَ وَالْعَارِيَّةَ وَالْمُعْطَى بِفَتْحِ الطَّاءِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ تَمْلِيكَ الْمَنْفَعَةِ مُدَّةَ حَيَاةِ الْمُعْطِي بِكَسْرِهَا لَيْسَ بِعُمْرَى حَقِيقَةً وَأَخْرَجَ بِقَوْلِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ مَا إذَا كَانَ بِعِوَضٍ فَإِنَّهُ إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ وَقَوْلُهُ إنْشَاءٍ أَخْرَجَ الْحُكْمَ بِاسْتِحْقَاقِ الْعُمْرَى وَحُكْمُهَا النَّدْبُ وَإِنَّمَا عَبَّرَ الْمُؤَلِّفُ بِالْجَوَازِ دُونَ النَّدْبِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ الْأَصِيلُ وَلِيَأْتِيَ الْإِخْرَاجُ الْإِخْرَاجُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ لَا الرُّقْبَى.
(ص) كَأَعْمَرْتُك أَوْ وَارِثَك (ش) يَعْنِي أَنَّ الْعُمْرَى تَكُونُ بِلَفْظِ الْعُمْرَى وَبِغَيْرِهَا مِنْ أَلْفَاظِ الْعَطَايَا كَقَوْلِهِ أَعْمَرْتُك دَارِي أَوْ أَسْكَنْتُك وَنَحْوُ ذَلِكَ أَوْ أَعْمَرْت وَارِثَك أَوْ أَعْمَرْتُك وَوَارِثَك وَبِعِبَارَةٍ كَأَعْمَرْتُك أَوْ وَوَارِثَك كَذَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لِأَنَّ الْوَاهِبَ هُوَ الَّذِي يَحُوزُ إلَخْ) أَيْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ حُرًّا وَأَنْ يَشْهَدَ عَلَى الْهِبَةِ وَإِنْ لَمْ يُحْضِرْهَا لَهُمْ وَلَا عَايَنُوا الْحِيَازَةَ وَلَا صَرْفَ الْغَلَّةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ ابْنُ رُشْدٍ وَبِهِ الْعَمَلُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَقْفِ أَنَّ الْوَاقِفَ خَرَجَ عَنْ الْغَلَّةِ فَقَطْ فَاشْتَرَطَ صَرْفَهَا لَهُ كَمَا قُدِّمَ فِي الْوَقْفِ، وَأَمَّا الْوَاهِبُ فَقَدْ خَرَجَ عَنْ الذَّاتِ وَالصَّدَقَةُ كَالْهِبَةِ {تَتِمَّةٌ} قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي غَايَةِ الْأَمَانِي مَا نَصُّهُ ج أَيْ ابْنُ نَاجِي فِي قَوْلِ الرِّسَالَةِ، وَأَمَّا الْكَبِيرُ فَلَا تَجُوزُ حِيَازَتُهُ لَهُ أَيْ الْكَبِيرِ الرَّشِيدِ وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ وَهَبَهُ لَهُ فِي صِغَرِهِ فَحَازَ لَهُ فَبَلَغَ رَشِيدًا أَوْ لَمْ يَحُزْ بَعْدَ رُشْدِهِ مَا وَهَبَهُ لَهُ فِي حَالِ صِغَرِهِ حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ أَنَّ الْهِبَةَ تَبْطُلُ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا إنْ بَلَغَ سَفِيهًا فَلَا وَيُخْتَلَفُ فِي مَجْهُولِ الْحَالِ هَلْ يُحْمَلُ عَلَى الرُّشْدِ بِنَفْسِ الْبُلُوغِ أَوْ عَلَى السَّفَهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ الرُّشْدُ قَوْلَانِ وَإِذَا تَنَازَعَ الصِّغَارُ وَالْكِبَارُ فَادَّعَى الْكِبَارُ أَنَّهُ مَاتَ بَعْدَ بُلُوغِ الصِّغَارِ وَأَنَّهُ حَازَ لَهُمْ بَعْدَ بُلُوغِهِمْ وَادَّعَى الصِّغَارُ أَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ بُلُوغِهِمْ فَإِنَّ الْحَوْزَ صَحِيحٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الصِّغَارِ وَعَلَى الْكِبَارِ الْبَيِّنَةُ (قَوْلُهُ وَالْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ إلَخْ) أَيْ: وَكَدَارٍ أَوْ عَبْدٍ مِنْ دُورٍ أَوْ عَبِيدٍ
(قَوْلُهُ وَلَوْ خَتَمَ إلَخْ) وَمُقَابِلُهُ مَا لِلْمَدَنِيِّينَ مِنْ أَنَّهُ يَصِحُّ إذَا أَحْضَرَهَا لِلشُّهُودِ وَخَتَمَ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ وَدَارُ سُكْنَاهُ) أَيْ وَكَذَا ثَوْبٌ لَبِسَهُ وَمَوْضُوعُ تَفْصِيلِهِ الْمَذْكُورُ فِي الْمَحْجُورِ وَلَوْ بَلَغَ أَوْ رَشِدَ وَلَمْ يَحُزْ بَعْدُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُوَافِقَ لِلنَّقْلِ أَنَّهُ يَفْتَرِقُ دَارُ السُّكْنَى مِنْ غَيْرِهَا فِي هِبَةِ الْأَبِ لِلصَّغِيرِ أَنَّ دَارَ السُّكْنَى لَا بُدَّ مِنْ مُعَايَنَةِ الْبَيِّنَةِ لِلتَّخَلِّي وَإِنْ كَانَتْ تَحْتَ يَدِهِ وَمِثْلُهَا الْمَلْبُوسُ، وَأَمَّا غَيْرُهُمَا فَيَكْفِي الْإِشْهَادُ بِالصَّدَقَةِ أَوْ الْهِبَةِ وَإِنْ لَمْ تُعَايَنْ الْحِيَازَةُ انْتَهَى فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِشْهَادَ بِالصَّدَقَةِ أَوْ الْهِبَةِ يُغْنِي عَنْ الْحِيَازَةِ وَإِحْضَارِ الشُّهُودِ بِهَا فِيمَا لَا يَسْكُنُهُ الْأَبُ وَلَا يَلْبَسُهُ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَسْكُنَ أَقَلَّهَا) لَيْسَ خَاصًّا بِدَارِ السُّكْنَى بَلْ كَذَلِكَ غَيْرُهَا إذَا سَكَنَهَا بَعْدَ الْهِبَةِ إذَا لَمْ يُخَصِّصُوا هَذَا التَّفْصِيلَ بِدَارِ السُّكْنَى كَمَا تُوهِمُهُ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ وَمِثْلُ الدُّورِ فِي التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ الثِّيَابُ يَلْبَسُهَا أَوْ بَعْضَهَا وَكَذَا مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ إذَا خَرَجَ بَعْضُهُ وَبَقِيَ الْبَعْضُ فِي يَدِهِ (قَوْلُهُ وَالْوَقْفُ مِثْلُ الْهِبَةِ إلَخْ) أَيْ: الصَّدَقَةُ كَذَلِكَ.

(قَوْلُهُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْعُمْرِ) أَيْ: عُمِّرَ الْمُعَمَّرُ بِالْفَتْحِ لِوُقُوعِهِ ظَرْفًا لَهَا فَمَعْنَى قَوْلِهِ أَعْمَرْتُك وَمَلَّكْتُك مَنْفَعَةَ هَذَا الشَّيْءِ مُدَّةَ حَيَاتِك ح أَيْ: لَا مِنْ الْإِعْمَارِ وَلِأَجْلِ كَوْنِهَا مَأْخُوذَةً مِنْ الْعُمْرِ تَصِحُّ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ الْحَيَوَانِ وَالْعَقَارِ وَالثِّيَابِ وَإِنْ كَانَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَقُولُ فَإِنْ قُصِرَتْ عَنْ الْعُمْرِ صَحَّتْ وَلَكِنْ لَا يُقَالُ لَهَا عُمْرَى بَلْ عَارِيَّةٌ.
{تَنْبِيهٌ} هِيَ بِالنِّسْبَةِ لِلضَّمَانِ كَالْعَارِيَّةِ (قَوْلُهُ لَيْسَ بِعُمْرَى حَقِيقَةً) أَيْ: بَلْ عُمْرَى مَجَازًا كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ إنْشَاءٍ إلَخْ فِيهِ أَنَّهُ خَرَجَ الْحُكْمُ بِقَوْلِهِ عَلَيْك (قَوْلُهُ وَحُكْمُهَا النَّدْبُ) أَيْ: الْأَصْلُ النَّدْبُ أَيْ وَقَدْ تَعْرِضُ الْكَرَاهَةُ كَمَا إذَا أَعْمَرَهَا لِمَنْ يُخْشَى مِنْهُ فِعْلُ مَعْصِيَةٍ وَتَحْرِيمُهَا كَمَا إذَا تَحَقَّقَ فِيهَا فِعْلُ الْمَعْصِيَةِ وَوُجُوبُهَا كَقَوْلِ شَخْصٍ لِمَالِكِ دَارٍ إنْ لَمْ تُعْمِرْهَا فُلَانًا قَتَلْتُك وَفِيهِ بَحْثٌ؛ إذْ الْمُكْرَهُ لَيْسَ بِمُكَلَّفٍ فَلَا يَتَّصِفُ فِعْلُهُ بِوُجُوبٍ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ الْأَصْلُ الْأَصِيلُ) أَيْ الْمُتَأَصِّلُ أَيْ: بِخِلَافِ النَّدْبِ وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ لَيْسَ بِأَصِيلٍ ثُمَّ أَقُولُ لَا يَخْفَى أَنَّ الْأَحْكَامَ إنَّمَا تُتَلَقَّى مِنْ الشَّرْعِ قَالَ ابْنُ السُّبْكِيّ وَلَا حُكْمَ قَبْلَ الشَّرْعِ وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِنَدْبِيَّتِهَا فَمَا مَعْنَى الْأَصَالَةِ الْمُتَأَصِّلَةِ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُرَادَ بِالْجَوَازِ الْإِذْنُ فَيُصَدَّقُ بِالنَّدْبِ (قَوْلُهُ وَأَعْمَرْتُك وَوَارِثَك) فَيَكُونُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا لَكِنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْوَارِثُ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ لِلْمَوْرُوثِ بِخِلَافِ وُقِفَ عَلَيْك وَعَلَى وَلَدِك فَإِنَّهُمَا

الصفحة 111