كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 7)

وَهَبَ لِوَلَدِهِ هِبَةً فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْتَصِرَهَا مِنْهُ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْوَلَدُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا حِيزَتْ الْهِبَةُ أَمْ لَا عَلَى الْمَشْهُورِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَهَبَ هِبَةً ثُمَّ يَعُودَ فِيهَا إلَّا الْوَالِدَ» وَقَوْلُهُ فَقَطْ رَاجِعٌ لِلْجَمِيعِ أَيْ: وَلِلْأَبِ فَقَطْ لَا الْجَدِّ مَثَلًا اعْتِصَارٌ فَقَطْ أَيْ: بِهَذَا اللَّفْظِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ لَفْظِ الِاعْتِصَارِ عَلَى الْمَذْهَبِ أَيْ: الْهِبَةِ فَقَطْ لَا الصَّدَقَةِ مِنْ وَلَدِهِ فَقَطْ لَا مِنْ غَيْرِهِ كَأُمٍّ فَقَطْ لَا الْجَدَّةِ مَثَلًا وَاعْلَمْ أَنَّ الِاعْتِصَارَ مُخْتَصٌّ بِالْهِبَةِ وَحْدَهَا وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِنْ الْعَطِيَّةِ وَالْمِنْحَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ دُونَ الصَّدَقَةِ وَالْحَبْسِ، وَكَذَلِكَ الْهِبَةُ وَالْعَطِيَّةُ وَالْمِنْحَةُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ إذَا قَالَ فِيهِ هُوَ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ جَعَلَهُ صِلَةَ رَحِمٍ فَلَا اعْتِصَارَ فِي ذَلِكَ كَمَا أَنَّ الصَّدَقَةَ إذَا شَرَطَ اعْتِصَارَهَا فَلَهُ شَرْطُهُ وَعَرَّفَ ابْنُ عَرَفَةَ الِاعْتِصَارَ بِقَوْلِهِ هُوَ ارْتِجَاعُ عَطِيَّةٍ دُونَ عِوَضٍ لَا بِطَوْعِ الْمُعْطَى.
(ص) كَأُمٍّ فَقَطْ وَهَبَتْ ذَا أَبٍ وَإِنْ مَجْنُونًا (ش) يَعْنِي أَنَّ الْأُمَّ إذَا وَهَبَتْ وَلَدَهَا الصَّغِيرَ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ هِبَةً فَلَهَا أَنْ تَعْتَصِرَهَا مِنْهُ وَلَوْ كَانَ الْأَبُ مَجْنُونًا مُطْبِقًا وَقْتَ الْهِبَةِ سَوَاءٌ كَانَ الْأَبُ وَالِابْنُ مُوسِرَيْنِ أَوْ مُعْسِرَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا، وَأَمَّا الْجَدُّ وَالْجَدَّةُ وَنَحْوُهُمَا فَإِنَّهُ لَا اعْتِصَارَ لَهُمْ وَعَنْ ذَلِكَ اُحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ فَقَطْ وَإِنَّمَا قُلْنَا صَغِيرًا لِأَجْلِ قَوْلِهِ (وَلَوْ تَيَتَّمَ عَلَى الْمُخْتَارِ) أَيْ: أَنَّ الْأُمَّ إذَا وَهَبَتْ وَلَدَهَا الصَّغِيرَ وَلَهُ أَبٌ ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ الْيُتْمُ بَعْدَ الْهِبَةِ فَإِنَّهَا تَعْتَصِرُهَا مِنْهُ وَلَوْ بَعْدَ بُلُوغِهِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ بِمَعْنَى الصَّدَقَةِ حَيْثُ كَانَ لَهُ أَبٌ حِينَ الْهِبَةِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ حِينَ الْهِبَةِ لَا أَبَ لَهُ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَعْتَصِرَهَا؛ لِأَنَّهُ يَتِيمٌ وَيُعَدُّ ذَلِكَ كَالصَّدَقَةِ يُرِيدُ وَلَوْ بَلَغَ، وَأَمَّا لَوْ وَهَبَتْ الْكَبِيرَ فَلَهَا الِاعْتِصَارُ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ أَبٌ أَمْ لَا.

(ص) إلَّا فِيمَا أُرِيدَ بِهِ الْآخِرَةُ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْهِبَةَ أَوْ الْإِخْدَامَ أَوْ الْعُمْرَى أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ إذَا أَرَادَ الْمُعْطِي بِمَا ذُكِرَ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى وَثَوَابَ الْآخِرَةِ صَارَ صَدَقَةً وَهِيَ لَا تُعْتَصَرُ وَسَوَاءٌ كَانَ الْوَاهِبُ أَبًا أَوْ غَيْرَهُ، وَكَذَلِكَ لَا اعْتِصَارَ لِأَبٍ وَلَا لِأُمٍّ إذَا أَرَادَ كُلٌّ بِالْهِبَةِ صِلَةَ الرَّحِمِ كَمَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ صَغِيرًا مُحْتَاجًا أَوْ كَبِيرًا بَائِنًا عَنْ أَبِيهِ، وَكَذَلِكَ لَا اعْتِصَارَ لِأَحَدِهِمَا فِي الْهِبَةِ إذَا شَهِدَ عَلَيْهَا عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَوْلُهُ (كَصَدَقَةٍ بِلَا شَرْطٍ) تَشْبِيهٌ فِي عَدَمِ الِاعْتِصَارِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَيْ إذَا تَصَدَّقَ عَلَى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَوْ الْكَبِيرِ بِلَفْظِ الصَّدَقَةِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا وَيَعْتَصِرَهَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْتَصِرَهَا حِينَئِذٍ فَلَوْ شَرَطَ الْمُتَصَدِّقُ أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي صَدَقَتِهِ كَانَ لَهُ شَرْطُهُ وَلَهُ أَنْ يَعْتَصِرَهَا فَإِنْ قُلْت سُنَّةُ الصَّدَقَةِ عَدَمُ الرُّجُوعِ فِيهَا يُقَالُ وَسُنَّةُ الْحَبْسِ عَدَمُ الرُّجُوعِ فِيهِ وَإِذَا شَرَطَ الْمُحْبِسُ فِي نَفْسِ الْحَبْسِ بَيْعَهُ كَانَ لَهُ شَرْطُهُ.

(ص) إنْ لَمْ تَفُتْ لَا بِحَوَالَةِ سُوقٍ بَلْ بِزَيْدٍ أَوْ نَقْصٍ (ش) هَذَا شُرُوعٌ فِي مَوَانِعِ الِاعْتِصَارِ وَالْمَعْنَى أَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الِاعْتِصَارِ لِلْهِبَةِ أَنْ لَا تَفُوتَ مِنْ عِنْدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِبَيْعٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ تَدْبِيرٍ أَوْ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ كَمَا إذَا كَبِرَ الصَّغِيرُ أَوْ سَمِنَ الْهَزِيلُ أَوْ هَزَلَ الْكَبِيرُ أَوْ بِجَعْلِ الدَّنَانِيرِ حُلِيًّا أَوْ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْمُفَوَّتَاتِ فَإِنْ حَصَلَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَلَا اعْتِصَارَ لِوَاهِبِهَا حِينَئِذٍ، وَأَمَّا حَوَالَةُ الْأَسْوَاقِ فَلَا تُفِيتُ الِاعْتِصَارَ فِي الْهِبَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ عَلَى حَالِهَا وَزِيَادَةُ الْقِيمَةِ وَنَقْصُهَا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِهَا وَلَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا وَلِقَوْلِهِ حِيزَتْ رُدَّ بِالْأَوَّلِ عَلَى سَحْنُونَ الْقَائِلِ إنَّمَا لَهُ ذَلِكَ إذَا كَانَ فِي حِجْرِهِ أَوْ بَائِنًا عَنْهُ وَلَهُ مَالٌ كَثِيرٌ وَبِالثَّانِي عَلَى مَنْ يَقُولُ لَهُ ذَلِكَ إذَا لَمْ تَجُزْ (قَوْلُهُ يَهَبَ) بِفَتْحِ الْهَاءِ (قَوْلُهُ أَيْ: بِهَذَا اللَّفْظِ) أَيْ: لَفْظِ الِاعْتِصَارِ رُدَّ هَذَا بِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَى لَفْظِ الِاعْتِصَارِ بِدَلَالَةِ الْمُطَابَقَةِ أَوْ بِدَلَالَةِ الِالْتِزَامِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْعَوْدِ كَانَ بِلَفْظِ الِاعْتِصَارِ أَمْ لَا (قَوْلُهُ مُخْتَصٌّ بِالْهِبَةِ وَحْدَهَا وَمَا فِي مَعْنَاهَا) كَذَا فِي نُسْخَتِهِ لَفْظَةُ وَحْدَهَا فَالْوَحْدَةُ بِالنَّظَرِ لِقَوْلِهِ دُونَ الصَّدَقَةِ وَقَوْلُهُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ كَالْعُمْرَى وَقَوْلُهُ دُونَ الصَّدَقَةِ وَالْحَبْسِ فَالْخَارِجُ الصَّدَقَةُ وَالْحَبْسُ فَقَطْ وَكَذَا مَا يَذْكُرُهُ بَعْدُ.
(قَوْلُهُ هُوَ ارْتِجَاعُ عَطِيَّةٍ) اُنْظُرْ هَذَا التَّعْرِيفَ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لَفْظُ الِاعْتِصَارِ وَكَذَا ظَاهِرُ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ لَا يَقْتَضِي لَفْظَ الِاعْتِصَارِ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الْأَبُ مَجْنُونًا مُطْبِقًا وَقْتَ الْهِبَةِ) وَلَوْ جُنَّ الْأَبُ بَعْدَ هِبَتِهِ لِوَلَدِهِ فَلِوَلِيِّهِ الِاعْتِصَارُ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ وَأُخِذَ مِنْهُ أَنَّ الْبِكْرَ بِنْتَ الْمَجْنُونِ لَا تُسْتَأْمَرُ إذَا قَدَّمَ الْقَاضِي مَنْ يَتَزَوَّجُهَا؛ لِأَنَّ لَهَا أَبًا وَلَكِنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تُسْتَأْمَرَ كَالْيَتِيمَةِ وَابْنَةِ الْغَائِبِ (قَوْلُهُ ثُمَّ طَرَأَ إلَخْ) أَيْ فَصِيغَةُ الْفِعْلِ تَدُلُّ عَلَى حُدُوثِ الْيُتْمِ بَعْدَ الْهِبَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ بَعْدَ بُلُوغِهِ) الصَّوَابُ كَمَا قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ وَلَوْ قَبْلَ بُلُوغِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَوَهَّمُ {تَنْبِيهٌ} الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُعَبِّرَ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ اخْتِيَارٌ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ مُقَابَلٌ بِهِ مَا قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا اعْتِصَارٌ وَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَكَيْفَ يَصِحُّ مِنْهُ الْعُدُولُ عَنْ ذَلِكَ إلَى مَا اخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ مِنْ نَفْسِهِ فَالْمُنَاسِبُ تَبَعِيَّتُهُمْ (قَوْلُهُ وَيُرِيدُ وَلَوْ بَلَغَ) أَيْ بَعْدَ الْهِبَةِ.

(قَوْلُهُ وَثَوَابَ الْآخِرَةِ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ (قَوْلُهُ أَوْ غَيْرَهُ) أَيْ وَهُوَ الْأُمُّ (قَوْلُهُ صَغِيرًا مُحْتَاجًا) أَيْ: فِي غَيْرِ مَا يَتَعَلَّقُ بِنَفَقَتِهِ وَإِلَّا فَهِيَ عَلَى أَبِيهِ أَوْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِنَفَقَتِهِ فِيمَا إذَا كَانَ الْوَاهِبُ أُمًّا (قَوْلُهُ أَوْ كَبِيرًا بَائِنًا عَنْ أَبِيهِ) أَيْ وَشَأْنُهُ الْحَاجَةُ أَيْضًا أَيْ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ قَصَدَ صِلَةَ الرَّحِمِ وَإِلَّا فَلَهُ الِاعْتِصَارُ (قَوْلُهُ كَصَدَقَةٍ بِلَا شَرْطٍ) أَيْ: بِأَنْ شَرَطَ عَدَمَهُ أَوْ سَكَتَ (قَوْلُهُ فَلَوْ شَرَطَ الْمُتَصَدِّقُ) أَيْ: وَلَوْ أَجْنَبِيًّا (قَوْلُهُ يُقَالُ وَسُنَّةُ إلَخْ) كَأَنَّهُ قَالَ لَا غَرَابَةَ؛ لِأَنَّ سُنَّةَ إلَخْ (قَوْلُهُ وَإِذَا شَرَطَ) أَقُولُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ بَلْ نَوَى فَقَطْ وَلَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ كَانَ لَهُ شَرْطُهُ) أَيْ وَلَوْ حَصَلَ تَغَيُّرٌ.

(قَوْلُهُ أَوْ بِجَعْلِ الدَّنَانِيرِ حُلِيًّا) أَيْ: فَفِيهَا نَقْصٌ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ) وَمُقَابِلُهُ مَا فِي بَعْضِ شُرَّاحِ الْجَلَّابِ مِنْ أَنَّهُ مُفِيتٌ؛ لِأَنَّهُ نَقْصُ صِفَةٍ وَهُوَ فَوْتٌ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَأَحْرَى مَا هُنَا (قَوْلُهُ وَزِيَادَةُ الْقِيمَةِ وَنَقْصُهَا)

الصفحة 114