كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 7)

وَقَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ لُقَطَتَهَا لَا تَحِلُّ إلَّا لِمُنْشِدٍ» فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِمَنْ يُرِيدُ تَمَلُّكَهَا دُونَ تَعْرِيفٍ بَلْ لَا تُؤْخَذُ إلَّا لِتُعَرَّفَ وَسَبَبُ تَنْبِيهِ الشَّارِعِ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ وَتَخْصِيصِهِ بِلَقْطَةِ مَكَّةَ وَهُوَ عَامٌّ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا هُوَ أَنَّ لُقَطَةَ مَكَّةَ تُوجَدُ كَثِيرًا فِي الْحَرَمِ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ مِنْ كُلِّ فَجٍّ وَأَنَّهُ مَوْضِعُ نُسُكٍ وَأَنَّ الْغَالِبَ مِنْهُ أَنَّ الْحَاجَّ لَا يَعُودُ لِطَلَبِ اللُّقَطَةِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْآفَاقِ فَيَصِيرُ الْآخِذُ لَهَا آخِذًا لِنَفْسِهِ لَا مَحَالَةَ فَخَصَّ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِهَذَا الْمَعْنَى وَغَلَّظَ فِيهِ وَمَحَلُّ التَّخْيِيرِ فِيمَا إذَا كَانَتْ بِيَدِ غَيْرِ الْإِمَامِ وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ إلَّا حَبْسُهَا أَوْ بَيْعُهَا لِصَاحِبِهَا وَوَضْعُ ثَمَنِهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ لِرَبِّهَا وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ التَّصَدُّقُ بِهَا وَلَا تَمَلُّكُهَا وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مَشَقَّةُ خَلَاصِ مَا فِي ذِمَّتِهِ مِنْهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَلِذَا لَا يَجُوزُ لِرَبِّ الْآبِقِ بَيْعُهُ إذَا وَجَدَهُ الْإِمَامُ حَتَّى يَقْبِضَهُ مِنْهُ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ إذَا وَجَدَهُ غَيْرُهُ

(ص) كَنِيَّةِ أَخْذِهَا قَبْلَهَا (ش) التَّشْبِيهُ فِي الضَّمَانِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمُلْتَقِطَ لَمَّا رَأَى اللُّقَطَةَ فَقَبْلَ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا نَوَى أَنْ يَأْكُلَهَا فَلَمَّا وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا وَحَازَهَا تَلِفَتْ مِنْ عِنْدِهِ بِغَصْبٍ أَوْ بِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا لَهَا بِتِلْكَ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْغَاصِبِ حِينَ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا بِتِلْكَ النِّيَّةِ وَمِنْ بَابِ أَوْلَى الضَّمَانُ لَهَا إذَا حَدَثَ لَهُ نِيَّةُ أَكْلِهَا قَبْلَ السَّنَةِ بَعْدَ أَنْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا (ص) وَرَدَّهَا بَعْدَ أَخْذِهَا لِلْحِفْظِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمُلْتَقِطَ يَضْمَنُ اللُّقَطَةَ إذَا أَخَذَهَا لِأَجْلِ أَنْ يَحْفَظَهَا ثُمَّ رَدَّهَا بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ بُعْدٍ إلَى مَوْضِعِهَا أَوْ إلَى غَيْرِهِ فَضَاعَتْ فَقَوْلُهُ لِلْحِفْظِ أَيْ لِلتَّعْرِيفِ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ أَخَذَهَا لِغَيْرِهِ كَمَنْ أَخَذَهَا لِيَسْأَلَ جَمَاعَةً هَلْ هِيَ لَهُمْ أَوْ لَا فَإِنْ رَدَّهَا بَعْدَ بُعْدٍ فَفِيهِ التَّأْوِيلَانِ، وَأَمَّا إنْ رَدَّهَا بِالْقُرْبِ فَلَا ضَمَانَ بِلَا نِزَاعٍ فَمَفْهُومُهُ فِيهِ تَفْصِيلٌ وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ فِي قَسْمِ الْمَكْرُوهِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِتَرْكِهَا يَضْمَنُ وَفِي الْحَرَامِ يَضْمَنُ بِأَخْذِهَا إنْ لَمْ يَرُدَّهَا مَكَانَهَا؛ لِأَنَّ رَدَّهَا وَاجِبٌ

(ص) إلَّا بِقُرْبٍ فَتَأْوِيلَانِ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ اخْتَلَفَ إذَا أَخَذَ اللُّقَطَةَ بِنِيَّةِ التَّعْرِيفِ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَرَدَّهَا بِالْقُرْبِ إلَى مَوْضِعِهَا فَضَاعَتْ هَلْ يَضْمَنُهَا أَمْ لَا فَإِنْ رَدَّهَا بِالْقُرْبِ وَلَمْ يَأْخُذْهَا لِلْحِفْظِ فَلَا ضَمَانَ اتِّفَاقًا وَإِنْ رَدَّهَا بَعْدَ بُعْدٍ ضَمِنَ سَوَاءٌ أَخَذَهَا لِلْحِفْظِ أَمْ لَا عَلَى مَا فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَمَا فِي الشَّارِحِ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ اُنْظُرْ شَرْحَنَا الْكَبِيرَ

(ص) وَذُو الرِّقِّ كَذَلِكَ وَقَبْلَ السُّنَّةِ فِي رَقَبَتِهِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الرَّقِيقَ حُكْمُهُ حُكْمُ الْحُرِّ فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ إلَّا فِي الضَّمَانِ قَبْلَ السَّنَةِ فَإِنَّهَا جِنَايَةٌ لَيْسَ لِسَيِّدِهِ إسْقَاطُهَا عَنْهُ بِخِلَافِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ رَبَّهَا لَمْ يُسَلِّطْهُ عَلَيْهَا وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ مِنْ تَعْرِيفِهَا لِأَنَّهُ يَصِحُّ فِي حَالِ تَصَرُّفِهِ لِسَيِّدِهِ وَلَا يَضُرُّهُ وَإِنَّمَا كَانَتْ بَعْدَ السَّنَةِ فِي ذِمَّتِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَرِّفْهَا سَنَةً فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَشَأْنُك بِهَا» ، وَمَفْهُومُ " قَبْلَ " أَنَّهَا بَعْدَهَا فِي ذِمَّتِهِ وَمَعْنَى
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إلَّا لِمُنْشِدٍ) لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَالْبَاجِيِّ إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِعْيَارُ الْعُمُومِ وَلِذِكْرِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ بَعْدَ جُمْلَةِ لَا تَحِلُّ فِيهَا أَبَدًا وَهِيَ وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهُ أَيْ وَلَا يُقْطَعُ حَشِيشُهُ وَلَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ وَالْأَصْلُ تَجَانُسُ الْمَعْطُوفَاتِ فِي النَّفْيِ الْأَبَدِيِّ. (قَوْلُهُ: فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِمَنْ يُرِيدُ تَمَلُّكَهَا) أَيْ ابْتِدَاءً وَقَوْلُهُ: وَأَنَّهُ مَوْضِعُ نُسُكٍ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ وَقَوْلُهُ: وَأَنَّ الْغَالِبَ مِنْهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ إنَّ لُقَطَةَ مَكَّةَ وَقَوْلُهُ: لِهَذَا الْمَعْنَى أَيْ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ هُوَ لُقَطَةُ مَكَّةَ. (قَوْلُهُ: وَغُلِّظَ فِيهِ) أَيْ فِي الْحَضِّ الْمَأْخُوذِ مِنْ حَضَّ.

. (قَوْلُهُ: فَقَبْلَ إلَخْ) وَمِثْلُهُ حَالَ وَضْعِ يَدِهِ (قَوْلُهُ: وَمِنْ بَابِ أَوْلَى الضَّمَانُ لَهَا إذَا حَدَثَ لَهُ نِيَّةُ أَكْلِهَا قَبْلَ السَّنَةِ) ثُمَّ إنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِلْأَوْلَوِيَّةِ بَلْ هُمَا مُتَمَاثِلَانِ. (قَوْلُهُ: فَفِيهِ التَّأْوِيلَانِ) ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ الضَّمَانُ فِي رَدِّهَا بَعْدَ بُعْدٍ كَمَا يَأْتِي بَعْدَ قَوْلِهِ إلَّا بِقُرْبٍ فَتَأْوِيلَانِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِتَرْكِهَا) أَيْ بِتَرْكِهِ الْتِقَاطَهَا يَضْمَنُ فَتَرْكُ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِلْمَفْعُولِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ رَدَّهَا فِي الْحَالَةِ الَّتِي يَجِبُ عَلَيْهِ الِالْتِقَاطُ فِيهَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ بِمُجَرَّدِ التَّرْكِ وَفِي الِالْتِقَاطِ الْحَرَامِ يَضْمَنُ بِأَخْذِهَا إنْ لَمْ يَرُدَّهَا مَكَانَهَا وَاعْلَمْ أَنَّ صُوَرَ الْمَكْرُوهِ أَرْبَعٌ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ أَخَذَهَا لِلْحِفْظِ أَمْ لَا وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَرُدَّهَا بِالْقُرْبِ أَوْ الْبُعْدِ فَمَتَى رَدَّهَا بَعْدَ بُعْدٍ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَخَذَهَا لِلْحِفْظِ أَمْ لَا وَإِنْ أَخَذَهَا لَا لِلْحِفْظِ بَلْ لِيَسْأَلَ جَمَاعَةً فَإِنْ رَدَّهَا بِالْقُرْبِ فَلَا ضَمَانَ اتِّفَاقًا وَإِنْ أَخَذَهَا لِلْحِفْظِ وَرَدَّهَا بِالْقُرْبِ فَهُوَ مَوْضِعُ التَّأْوِيلَيْنِ

. (قَوْلُهُ: وَمَا فِي الشَّارِحِ) لِأَنَّ حَاصِلَ مَا فِي الشَّارِحِ بَهْرَامَ أَنَّهُ إنْ رَدَّهَا بَعْدَ بُعْدٍ وَكَانَ قَدْ أَخَذَهَا لِلْحِفْظِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ اتِّفَاقًا وَإِنْ أَخَذَهَا لِغَيْرِ التَّعْرِيفِ وَرَدَّهَا بِالْقُرْبِ لَمْ يَضْمَنْ اتِّفَاقًا وَإِنْ أَخَذَهَا بِنِيَّةِ التَّعْرِيفِ وَرَدَّهَا بِالْقُرْبِ وَأَخَذَهَا لَا لِلْحِفْظِ وَرَدَّهَا بَعْدَ بُعْدٍ فَهُمَا مَحَلُّ التَّأْوِيلَيْنِ فَقَدْ جَعَلَ مَحَلَّ التَّأْوِيلَيْنِ صُورَتَيْنِ مَعَ أَنَّهُ صُورَةٌ وَاحِدَةٌ عَلَى مَا نُقِلَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ مِنْ أَنَّ مَحَلَّ التَّأْوِيلَيْنِ إذَا رَدَّهَا بَعْدَ أَخْذِهَا لِلْحِفْظِ بِالْقُرْبِ فَإِنْ رَدَّهَا بِالْقُرْبِ وَلَمْ يَأْخُذْهَا لِلْحِفْظِ فَلَا ضَمَانَ اتِّفَاقًا وَإِنْ رَدَّهَا بَعْدَ بُعْدٍ ضَمِنَ اتِّفَاقًا هَذَا مُحَصِّلُ شَارِحِنَا تَابِعًا لعج فِيمَا قَالَهُ ثُمَّ لَمَّا ذَكَرَ عج ذَلِكَ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ ذَكَرَهُ وَعَلَى هَذَا فَمَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ قَبْلَ كَلَامِ الْمُقَدِّمَاتِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ مِنْ أَنَّ مُوجِبَ الضَّمَانِ أَخْذُهَا لِلْحِفْظِ أَيْ التَّعْرِيفِ، وَلَوْ رَدَّهَا بِالْقُرْبِ وَإِذَا لَمْ يَأْخُذْهَا لِلتَّعْرِيفِ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَوْ رَدَّهَا بَعْدَ بُعْدٍ غَيْرُ مُعَوَّلٍ عَلَيْهِ اهـ. أَقُولُ الْعَجَبُ مِنْ عج فَإِنَّ بَهْرَامَ إنَّمَا ذَكَرَ التَّأْوِيلَيْنِ فِيمَا إذَا أَخَذَهَا لِلتَّعْرِيفِ وَرَدَّهَا بِالْقُرْبِ وَمَا فِي شَارِحِنَا مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ

. (وَقَوْلُهُ: فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ) أَيْ فِي وُجُوبِ الِالْتِقَاطِ وَالتَّعْرِيفِ وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ مِنْهُ وَلَا يُخَالِفُ هَذَا قَوْلَهُ وَلَيْسَ بِمُكَاتَبٍ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ فِي اللَّقِيطِ وَمَا هُنَا فِي الْتِقَاطِهِ اللُّقَطَةَ، وَالْفَرْقُ كَثْرَةُ الِاشْتِغَالِ فِي اللَّقِيطِ دُونَهَا إذْ تَعْرِيفُهَا يُمْكِنُ مَعَ سَعْيِهِ فِي خِدْمَةِ سَيِّدِهِ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا جِنَايَةٌ) أَيْ فِي رَقَبَتِهِ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ إلَخْ) فِي مَحَلِّ الْحَالِ مِنْ تَتِمَّةِ التَّعْلِيلِ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا) جَوَابُ إنْ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ فَادْفَعْهَا لَهُ وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لَمْ يَجِئْ وَقَوْلُهُ: فَشَأْنَك مَنْصُوبٌ كَمَا فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ أَيْ الْزَمْ شَأْنَك أَيْ الْزَمْ حَالَك أَيْ الْزَمْ تَكْمِيلَ

الصفحة 126