كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 7)

لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ لَا يَسْتَوْفِي عَلَيْهِمْ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَيْضًا أَنْ يُخَفِّفَ الْأَعْوَانَ مِنْ عِنْدِهِ مَا أَمْكَنَهُ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَعِيشُونَ غَالِبًا إلَّا مِنْ تَعْلِيمِ الْخُصُومِ وَقَلْبِ الْأَحْكَامِ وَكَانَ رِزْقُهُمْ سَابِقًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَالْأَعْوَانُ هُمْ الرُّسُلُ وَالْوُكَلَاءُ الَّتِي فِي الْمَحَاكِمِ كَمَا هُوَ عِنْدَنَا بِمِصْرَ الْآنَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُبْعِدَ عَنْهُ مَنْ طَالَتْ مُدَّتُهُ مِنْهُمْ فِي هَذِهِ الْخِدْمَةِ فَإِنَّهُ يَزْدَادُ سُوءُهُمْ بِالنَّاسِ

(ص) وَاِتِّخَاذُ مَنْ يُخْبِرُهُ بِمَا يُقَالُ فِي سِيرَتِهِ وَحُكْمِهِ وَشُهُودِهِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَّخِذَ عِنْدَهُ مَنْ يُخْبِرُهُ بِمَا يُقَالُ فِي سِيرَتِهِ وَبِمَا يُقَالُ فِي حُكْمِهِ وَبِمَا يُقَالُ فِي شُهُودِهِ لِأَجْلِ أَنْ يَفْعَلَ بِمُقْتَضَى الْأَخْبَارِ مِنْ إبْقَاءٍ وَعَزْلٍ

(ص) وَتَأْدِيبُ مَنْ أَسَاءَ عَلَيْهِ إلَّا فِي مِثْلِ اتَّقِ اللَّهَ فِي أَمْرِي فَلْيَرْفُقْ بِهِ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَسَاءَ عَلَى الْقَاضِي فِي مَجْلِسِهِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُؤَدِّبَهُ مُسْتَنِدًا فِي ذَلِكَ لِعِلْمِهِ لِحُرْمَةِ الشَّرْعِ لَا لِنَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا شُهِدَ بِهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ آذَاهُ وَهُوَ غَائِبٌ فَلَيْسَ لَهُ تَأْدِيبُهُ وَيَرْفَعُهُ لِغَيْرِهِ، أَمَّا لَوْ قَالَ أَحَدُ الْأَخْصَامِ لِلْقَاضِي اتَّقِ اللَّهَ فِي أَمْرِي أَوْ قَالَ لَهُ اُذْكُرْ وُقُوفَك لِلْحِسَابِ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَرْفُقُ بِهِ وَيُشْفِقُ عَلَيْهِ وَيَقُولُ رَزَقَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكَ تَقْوَاهُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ

(ص) وَلَمْ يَسْتَخْلِفْ إلَّا لِوُسْعِ عَمَلِهِ فِي جِهَةٍ بَعُدَتْ مِنْ عِلْمِ مَا اُسْتُخْلِفَ فِيهِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ فِي إقْلِيمِهِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ إنْسَانًا قَاضِيًا يَنْظُرُ لِلنَّاسِ وَيُرِيحُ نَفْسَهُ إلَّا إذَا كَانَ قُطْرُهُ وَاسِعًا وَأَقْطَارُ مِصْرِهِ مُتَبَاعِدَةً فَلَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَسْتَخْلِفَ شَخْصًا يَكُونُ عَالِمًا بِالْأَمْرِ الَّذِي اُسْتُخْلِفَ فِيهِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِغَيْرِهِ وَإِذَا اُسْتُخْلِفَ لِوُجُودِ شَرْطِهِ يَكُونُ فِي جِهَةٍ بَعُدَتْ لَا فِي جِهَةٍ قَرِيبَةٍ، وَمَحَلُّ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ حَيْثُ وَقَعَ عَقْدُ التَّوْلِيَةِ مُجَرَّدًا عَنْ الْإِذْنِ فِي الِاسْتِخْلَافِ وَعَدَمِهِ، وَأَمَّا لَوْ نُصَّ لَهُ عَلَى عَدَمِ الِاسْتِخْلَافِ فَلَيْسَ لَهُ اتَّسَعَ عَمَلُهُ أَمْ لَا قَرُبَتْ الْجِهَةُ أَوْ بَعُدَتْ أَوْ نُصَّ لَهُ عَلَى الِاسْتِخْلَافِ اُسْتُخْلِفَ مُطْلَقًا وَهَذَا أَيْضًا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عُذْرٌ مِنْ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ وَإِلَّا فَلَهُ الِاسْتِخْلَافُ وَلَوْ فِي الْجِهَةِ الْقَرِيبَةِ عِنْدَ الْأَخَوَيْنِ وَعِنْدَ سَحْنُونَ لَيْسَ لَهُ وَلَوْ لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ وَعَلَيْهِ فَإِنْ اسْتَخْلَفَ لَا يَنْفُذُ حُكْمُ الْخَلِيفَةِ إلَّا أَنْ يُنْفِذَهُ الْقَاضِي الَّذِي اسْتَخْلَفَهُ اُنْظُرْ الْحَطَّابَ.

(ص) وَانْعَزَلَ بِمَوْتِهِ لَا هُوَ بِمَوْتِ الْأَمِيرِ وَلَوْ الْخَلِيفَةَ (ش) يَعْنِي أَنَّ نَائِبَ الْقَاضِي يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ لَا يَسْتَوْفِي) أَيْ فَيَمْتَنِعُ مَنْ لَهُ عَلَيْهِمْ حَقٌّ مِنْ طَلَبِهِ. (قَوْلُهُ: لَا يَعِيشُونَ غَالِبًا) أَيْ لَا يَعِيشُونَ غَالِبًا إلَّا بِمَا يَأْخُذُونَهُ مِنْ الْخُصُومِ وَقَوْلُهُ: وَقَلْبِ الْأَحْكَامِ أَيْ وَتَغْيِيرِ الْأَحْكَامِ أَيْ يُغَيِّرُونَ الْحَالَةَ الْمُتَرَتِّبَ عَلَيْهَا وُقُوعُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ عَلَى وَجْهٍ. (قَوْلُهُ: وَالْوُكَلَاءُ إلَخْ) الْوُكَلَاءُ هُمْ نَفْسُ الرُّسُلِ الَّذِينَ يُرْسِلُهُمْ الْقَاضِي لِحُضُورِ الْخَصْمِ وَسَمَّاهُمْ وُكَلَاءَ؛ لِأَنَّهُ وَكَّلَهُمْ فِي حُضُورِ الْخَصْمِ

. (قَوْلُهُ: فِي سِيرَتِهِ) أَيْ غَيْرِ حُكْمِهِ وَإِلَّا فَحُكْمُهُ مِنْ جُمْلَةِ سِيرَتِهِ وَإِنَّمَا نُدِبَ ذَلِكَ لِأَجْلِ أَنْ يَتَجَنَّبَ مَا يُكْرَهُ. (قَوْلُهُ: وَشُهُودِهِ) أَيْ الْجَمَاعَةِ الْمُلَازِمِينَ لِلشَّهَادَةِ عَلَى إقْرَارِ الْخُصُومِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الشُّهُودُ الَّذِينَ يَأْتِي بِهِمْ الْمُدَّعِي

. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُؤَدِّبَهُ) وَإِنْ لَزِمَهُ الْحُكْمُ لِنَفْسِهِ وَقَوْلُهُ: لِحُرْمَةِ الشَّرْعِ وَمُرَاعَاةُ حُرْمَةِ الشَّرْعِ إمَّا مَنْدُوبَةٌ كَمَا هُنَا أَوْ وَاجِبَةٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ أَيْ بِخِلَافِ مَنْ أَسَاءَ عَلَى خَصْمِهِ فَإِنَّ تَأْدِيبَهُ وَاجِبٌ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَرْفُقُ بِهِ) وَتَرْكُ أَدَبِهِ وَاجِبٌ.

. (قَوْلُهُ: فِي جِهَةٍ بَعُدَتْ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ وُسْعِ عَمَلِهِ بَدَلُ اشْتِمَالٍ وَيَصِحُّ تَعَلُّقُهُ بِمَحْذُوفٍ أَيْ فَيَسْتَخْلِفُ فِي جِهَةٍ بَعُدَتْ.
(تَنْبِيهٌ) لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ لِوُسْعِ عَمَلِهِ لَيْسَ هُوَ مُسْتَثْنًى وَإِنَّمَا الْمُسْتَثْنَى قَوْلُهُ: مَنْ عَلِمَ أَيْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ إلَّا مَنْ عَلِمَ أَيْ إلَّا الشَّخْصَ الَّذِي عَلِمَ الْحُكْمَ الَّذِي اُسْتُخْلِفَ فِيهِ لِوُسْعِ عَمَلِهِ غَايَةُ مَا فِيهِ تَقْدِيمُ مَعْمُولِ الصِّلَةِ وَهُوَ لِوُسْعِ عَمَلِهِ عَلَى الْمَوْصُولِ وَهُوَ مَا، وَهُوَ جَائِزٌ سَلَّمْنَا أَنَّ فِيهِ اسْتِثْنَاءَ شَيْئَيْنِ بِأَدَاةٍ فَقَطْ وَالتَّقْدِيرُ وَلَمْ يَسْتَخْلِفْ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ شَخْصًا مِنْ الْأَشْخَاصِ إلَّا لِوُسْعِ عَمَلِهِ فَلِوُسْعِ مُسْتَثْنًى مِنْ حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ وَمَنْ عَلِمَ مُسْتَثْنًى مِنْ شَخْصٍ مِنْ الْأَشْخَاصِ فَهُوَ كَقَوْلِك مَا ضَرَبَ إلَّا زَيْدٌ عُمْرًا أَيْ مَا ضَرَبَ أَحَدٌ أَحَدًا إلَّا زَيْدٌ عُمْرًا لَكِنَّهُ جَائِزٌ وَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى فَقَطْ وَقَوْلُهُ: بَعُدَتْ أَيْ بِأَمْيَالٍ كَثِيرَةٍ عِنْدَ الْمُتَيْطِيِّ وَيُخَالِفُهُ قَوْلُهُ: فِيمَا يَأْتِي وَجَلَبَ الْخَصْمَ بِخَاتَمٍ أَوْ رَسُولٍ إنْ كَانَ عَلَى مَسَافَةِ الْعَدْوَى لَا أَكْثَرَ كَسِتِّينَ مِيلًا فَيَسْتَخْلِفُ إلَّا بِشَاهِدٍ فَإِنْ حُمِلَ كَلَامُ الْمُتَيْطِيِّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ شَاهِدٌ لَمْ يُخَالِفْهُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ فِي الْجِهَةِ الْبَعِيدَةِ يَسْتَخْلِفُ وَلَا يَجْلِبُ الْخَصْمَ مَا لَمْ يَكُنْ الدَّعْوَى أُقِيمَ عَلَيْهَا شَاهِدٌ فَيَجْلِبُهُ (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَ قُطْرُهُ وَاسِعًا) أَيْ دَائِرَةُ عَمَلِهِ الْمُحْتَوِيَةُ عَلَى أَقْطَارٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ وَأَقْطَارُ مِصْرِهِ مُتَبَاعِدَةٌ. (قَوْلُهُ: وَأَقْطَارُ مِصْرِهِ) أَيْ وَنَوَاحِي قُطْرِهِ مُتَبَاعِدَةٌ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقُطْرَ وَاحِدٌ وَنَوَاحِيهِ مُتَعَدِّدَةٌ. (قَوْلُهُ: فِي جِهَةٍ بَعُدَتْ) الَّذِي يُفِيدُهُ الْمُتَيْطِيُّ أَنَّ الْبُعْدَ مَا كَانَ زَائِدًا عَلَى مَسَافَةِ الْعَدْوَى أَيْ الْقَصْرِ أَيْ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الِاسْتِخْلَافِ أَنْ يَكُونَ وَقْتَ الِاسْتِخْلَافِ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ وَلَوْ كَانَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ بِخِلَافِ الْحُكْمِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ إلَّا فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ. (قَوْلُهُ: أَمَّا لَوْ نَصَّ عَلَى الِاسْتِخْلَافِ إلَخْ) وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْعُرْفُ فِي الْأَمْرَيْنِ كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ: عِنْدَ الْأَخَوَيْنِ) أَيْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَقَوْلُهُمَا ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ مَا قَالَهُ سَحْنُونَ وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ مَا لَمْ يَحْصُلْ اضْطِرَارٌ وَإِلَّا جَازَ اتِّفَاقًا

. (قَوْلُهُ: لَا هُوَ بِمَوْتِ الْأَمِيرِ إلَخْ) يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْقَاضِيَ يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ الْأَمِيرِ لَهُ أَوْ الْخَلِيفَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ فَإِنْ حَكَمَ بِشَيْءٍ قَبْلَ بُلُوغِ عَزْلِهِ نَفَذَ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لِضَرُورَةِ النَّاسِ وَانْظُرْ هَلْ يَسْتَحِقُّ الْقَاضِي مَعْلُومَ الْقَضَاءِ مِنْ يَوْمِ وِلَايَتِهِ إذَا وُلِّيَ بِبَلَدٍ يَحْتَاجُ لِسَفَرٍ أَوْ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا إلَّا بِالْمُبَاشَرَةِ فَالْمَعْلُومُ لِلْمَعْزُولِ إلَى يَوْمِ بُلُوغِهِ انْتَهَى وَاسْتَظْهَرَ الْبَدْرُ ذَلِكَ لَهُ. (أَقُولُ) وَهُوَ ظَاهِرٌ فَلَا يَنْبَغِي الْعُدُولُ عَنْهُ

الصفحة 143