كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 7)

يَخْفِضُ وَبِعِبَارَةٍ أَيْ لَمْ يُمْنَعْ الْعَزْلَ إنْ شُهِرَ بِالْعَدَالَةِ بِمُجَرَّدِ الشَّكِيَّةِ حَتَّى يَكْشِفَ عَنْهُ وَيَنْظُرَ فِي أُمُورِهِ فَالتَّجَرُّدُ إنَّمَا هُوَ عَنْ الْكَشْفِ وَالنَّظَرِ، وَالْمُرَادُ بِالشَّكِيَّةِ الشَّكْوَى وَحِينَئِذٍ فَكَلَامُهُ صَادِقٌ بِمَا إذَا تَعَدَّدَتْ الشَّكْوَى
وَمَفْهُومُ شُهِرَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُشْتَهَرْ بِالْعَدَالَةِ لَانْبَغَى عَزْلُهُ بِمُجَرَّدِ الشَّكْوَى مِنْ غَيْرِ كَشْفٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ وُجِدَ بَدَلًا كَمَا قَالَهُ مُطَرِّفٌ وَالْأَصْلُ فِي يَنْبَغِي الِاسْتِحْبَابُ وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى الْوُجُوبِ أَيْ يَجِبُ أَنْ لَا يُعْزَلَ إنْ شُهِرَ عَدْلًا بِمُجَرَّدِ شَكِيَّةٍ وَإِذَا عَزَلَ الْخَلِيفَةُ الْقَاضِيَ الَّذِي أَقَامَهُ عَلَى مَمْلَكَتِهِ أَوْ عَلَى بَعْضِهَا لِمَصْلَحَةٍ فَإِنَّهُ يُبْرِئُهُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَزْلَ مَظِنَّةُ تَطَرُّقِ الْكَلَامِ فِي الْمَعْزُولِ وَكَوْنُهُ لِمَصْلَحَةٍ قَدْ يَخْفَى عَلَى النَّاسِ وَقَدْ عَزَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - شُرَحْبِيلَ بْنَ حَسَنَةَ، فَقَالَ لَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَعَنْ سَخَطٍ عَزَلْتنِي فَقَالَ لَا وَلَكِنَّنِي وَجَدْت مَنْ هُوَ مِثْلُك فِي الصَّلَاحِ وَأَقْوَى عَلَى عَمَلِي فَلَمْ أَرَ مَنْ يَجِدُّ بِي إلَّا ذَلِكَ، فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ عَزْلَك عَيْبٌ فَأَخْبِرْ النَّاسَ بِعُذْرِي فَفَعَلَ عُمَرُ. أَمَّا إنْ عَزَلَهُ لِسَخَطٍ فَإِنَّهُ يُظْهِرُ عَيْبَهُ لِلنَّاسِ لِئَلَّا يُوَلَّى عَلَيْهِمْ بَعْدَ قَوْلِهِ وَلْيُبَرَّأْ أَيْ وُجُوبًا إذْ هُوَ حَقٌّ لِلْمَعْزُولِ، وَقَوْلُهُ عَنْ غَيْرِ سَخَطٍ مُتَعَلِّقٌ بِمُقَدَّرٍ أَيْ وَيُبَيِّنُ إنْ عَزَلَهُ عَنْ غَيْرِ سَخَطٍ.

(ص) وَخَفِيفُ تَعْزِيرٍ بِمَسْجِدٍ لِأَحَدٍ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يُعَزِّرَ بَعْضَ الْأَخْصَامِ فِي الْمَسْجِدِ وَيَضْرِبَهُ كَعَشَرَةِ أَسْوَاطٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَظِنَّةُ السَّلَامَةِ مِمَّا يُخْشَى عَلَى الْمَسْجِدِ مِنْهُ بِخِلَافِ شَدِيدِ التَّعْزِيرِ فَإِنَّهُ يُخْشَى عَلَى الْمَسْجِدِ مِنْهُ كَدَمٍ وَنَحْوِهِ وَلَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ عَلَى أَحَدٍ فِي الْمَسْجِدِ كَمَا مَرَّ (ص) وَجَلَسَ بِهِ بِغَيْرِ عِيدٍ وَقُدُومِ حَاجٍّ وَخُرُوجِهِ وَمَطَرٍ وَنَحْوِهِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْلِسَ فِي الْمَسْجِدِ لِلْقَضَاءِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْقَضَاءُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ الْحَقِّ وَالْأَمْرِ الْقَدِيمِ، وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ الْجُلُوسَ لِلْقَضَاءِ فِي رِحَابِ الْمَسْجِدِ لِيَصِلَ إلَيْهِ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ وَالْحَائِضُ وَالضَّعِيفُ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ رَفْعَ أَصْوَاتِكُمْ وَخُصُومَاتِكُمْ» ابْنُ شَعْبَانَ مِنْ الْعَدْلِ كَوْنُ مَنْزِلِ الْقَاضِي فِي وَسَطِ مِصْرِهِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَجْلِسَ الْقَاضِي أَيَّامَ النَّحْرِ وَيَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَخْفِضَهُ إنْ كَانَ مَا قِيلَ فِيهِ صِدْقٌ كَذَا أَفَادَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ الْمُحَقِّقِينَ ثُمَّ أَقُولُ قَوْلُهُ: لِيَرْفَعَ إلَخْ يُحْتَمَلُ قِرَاءَتُهُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فَتَكُونُ مَنْ وَاقِعَةً عَلَى الْقَاضِي الْمَعْزُولِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ فَتَكُونُ مَنْ وَاقِعَةً عَلَى الرَّافِعِينَ مِنْ النَّاسِ.
(قَوْلُهُ: وَبِعِبَارَةٍ إلَخْ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ مُغَايِرَةٌ لِلَّتِي قَبْلَهَا وَاقْتَصَرَ عَلَى هَذِهِ الْعِبَارَةِ بَعْضُ الشُّرَّاحِ وَكَلَامُ بَعْضِهِمْ يُفِيدُ قُوَّتَهَا فَتَكُونُ هِيَ الْمُعَوَّلَ ثُمَّ وَجَدْت عِنْدِي عَنْ بَعْضِ شُيُوخِنَا مَا يُفِيدُهُ. (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ كَشْفٍ) بَيَانٌ لِمُجَرَّدِ الشَّكْوَى. (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِي يَنْبَغِي الِاسْتِحْبَابُ) فَالْمَعْنَى وَلَا يُسْتَحَبُّ الْعَزْلُ بِمُجَرَّدِ شَكِيَّةٍ وَعَدَمُ الِاسْتِحْبَابِ يَتَحَقَّقُ فِي الْكَرَاهَةِ فَالْمَعْنَى وَيُكْرَهُ الْعَزْلُ بِمُجَرَّدِ شَكِيَّةٍ. (قَوْلُهُ: وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى الْوُجُوبِ) أَيْ حَمْلٌ لَمْ يَنْبَغِ الْعَزْلُ لَا أَنَّ الْمُرَادَ حَمْلٌ يَنْبَغِي كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ وَالْمَعْنَى يَجِبُ عَدَمُ الْعَزْلِ وَالْمُنَاسِبُ لِلنَّفْيِ أَنْ يَقُولَ حَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى التَّحْرِيمِ أَيْ يَحْرُمُ الْعَزْلُ بِمُجَرَّدِ شَكِيَّةٍ وَهُوَ يَرْجِعُ فِي الْمَعْنَى لِوُجُوبِ عَدَمِ الْعَزْلِ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُبْرِئُهُ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ مُقْتَضَى ذَلِكَ أَيْ مِنْ مُقْتَضَى الْعَزْلِ أَيْ الْمُقْتَضَى الَّذِي يَشِينُ وَيُوجِبُ الْعَزْلَ. (قَوْلُهُ: شُرَحْبِيلُ) بِضَمِّ الشِّينِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا تَحْتِيَّةٌ وَقَوْلُهُ: حَسَنَةٌ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالسِّينِ. (قَوْلُهُ: فَلَمْ أَرَ مَنْ يَجِدُّ بِي إلَّا ذَلِكَ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا وَتَشْدِيدِ الدَّالِ مِنْ جَدَّ أَيْ يُعِينُنِي وَيَجْتَهِدُ مَعِي إلَّا ذَاكَ وَيَصِحُّ أَنْ يُقْرَأَ بِتَرْكِ التَّشْدِيدِ، وَالْأَصْلُ مَنْ يُوجَدُ بِي مَنْ وَجَدَ بِهِ حَزِنَ عَلَيْهِ أَوْ رَقَّ عَلَيْهِ أَيْ فَلَمْ أَجِدْ مَنْ يَرِقُّ عَلَيَّ أَوْ يَحْزَنُ عَلَيَّ إلَّا ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: لِئَلَّا يُوَلَّى عَلَيْهِمْ بَعْدُ) إذْ لَا يُوَلَّى عَلَيْهِمْ لَوْ صَارَ أَعْدَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ. (قَوْلُهُ: مُتَعَلِّقٌ بِمُقَدَّرٍ) وَهُوَ عَزْلُهُ أَيْ أَنَّ الْعَزْلَ عَنْ غَيْرِ سَخَطٍ بَيَّنَهُ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّبْيِينَ هُوَ عَيْنُ التَّبْرِئَةِ

. (قَوْلُهُ: وَخَفِيفُ تَعْزِيرٍ) هُوَ مَا دُونَ الْحَدِّ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُخْشَى عَلَى الْمَسْجِدِ مِنْهُ) وَهُوَ حِينَئِذٍ مُحْتَمِلٌ لِلْكَرَاهَةِ وَالْحُرْمَةِ كَمَا قِيلَ فِي الْحَدِّ إذْ قَدْ ذُكِرَ فِي التَّوْضِيحِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ يُحْتَمَلُ الْحُرْمَةُ وَالْكَرَاهَةُ انْتَهَى لَكِنْ قَوْلُ شَارِحِنَا وَلَا يَجُوزُ إلَخْ مُحْتَمِلٌ لِلْكَرَاهَةِ وَالْحُرْمَةِ، وَالْمُتَبَادَرُ مِنْهَا الْحُرْمَةُ بَلْ صَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِحُرْمَةِ الْجُلُوسِ فِي الْمَسْجِدِ حَيْثُ كَانَ يُقَامُ فِيهِ الْحَدُّ وَيُعَزَّرُ فِيهِ التَّعْزِيرَ الشَّدِيدَ. (أَقُولُ) الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ إنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَوْ ظَنَّ حُصُولَ كَدَمٍ حَرُمَ وَإِنْ شَكَّ كُرِهَ. (قَوْلُهُ: وَالْأَمْرُ الْقَدِيمُ) هُوَ عَيْنُ مَا قَبْلَهُ. (قَوْلُهُ: وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ إلَخْ) أَيْ فَالْجُلُوسُ بِالْمَسْجِدِ مَكْرُوهٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَنِّبُوا إلَخْ وَإِنْ كَانَ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ الْوُجُوبُ فَإِنْ قُلْت كَوْنُهُ مِنْ الْأَمْرِ الْقَدِيمِ يَقْضِي بِأَنَّ مَالِكًا خَرَجَ عَنْ رَأْيِ مَنْ قَبْلَهُ مِنْ الصَّحْبِ وَالتَّابِعِينَ وَكَيْفَ يَصِحُّ مِنْهُ ذَلِكَ وَهُوَ أَسْرَعُ امْتِثَالًا لِمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ، وَكَيْفَ يَصِحُّ أَنَّ الصَّحْبَ وَالتَّابِعِينَ يُخَالِفُونَ فِعْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قُلْت يُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّهُ فِي سَابِقِ الزَّمَنِ لَمْ تَحْصُلْ خُصُومَاتٌ تُحْوِجُ إلَى الْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَى الرِّحَابِ فَلَمَّا جَاءَ زَمَنُ مَالِكٍ حَصَلَ فِي الْخُصُومَاتِ مَا يُحْوِجُ إلَى الْخُرُوجِ مِنْهُ وَالْجُلُوسِ فِي الرِّحَابِ فَاسْتُحِبَّ الْجُلُوسُ فِي الرِّحَابِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَنِّبُوا نَاظِرًا فِيهِ لِمُسْتَقْبَلِ الزَّمَانِ.
(أَقُولُ) وَفِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ الْكَثِيرَةِ الشَّرِّ يَجِبُ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ ثُمَّ بَعْدَ كَتْبِي هَذَا رَأَيْت أَنَّ الْمَسْأَلَةَ ذَاتُ قَوْلَيْنِ فَلِمَالِكٍ فِي الْوَاضِحَةِ مِنْ رِوَايَةِ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ الْمَطْلُوبُ الْجُلُوسُ فِي الرِّحَابِ وَمُقَابِلُهُ وَهُوَ الْجُلُوسُ فِي الْمَسْجِدِ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ وَالْقَضَاءُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ الْأَمْرِ الْقَدِيمِ وَاحْتَجَّ لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} [ص: 21] وَبِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَكَمَ فِيهِ وَلَكِنْ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْجُلُوسُ بِرِحَابِهِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَجْلِسَ الْقَاضِي أَيَّامَ النَّحْرِ إلَخْ) أَيْ

الصفحة 147