كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 7)

وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ إحْضَارُ الشُّهُودِ وَاجِبٌ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ إحْضَارَ الْعُلَمَاءِ مُسْتَحَبٌّ، وَأَمَّا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ التَّوْضِيحِ فَالْعَطْفُ الْمَذْكُورُ يُفِيدُ الْوُجُوبَ مِنْ غَيْرِ إشْكَالٍ وَإِنَّمَا جَرَّدَ الشُّهُودَ مِنْ أَلْ خَشْيَةَ تَوَهُّمِ عَطْفِهِ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ فِي قَوْلِهِ أَوْ شَاوَرَهُمْ.

(ص) وَلَمْ يُفْتِ فِي خُصُومَةٍ وَلَمْ يَشْتَرِ بِمَجْلِسِ قَضَائِهِ كَسَلَفٍ وَقِرَاضٍ وَإِبْضَاعٍ وَحُضُورِ وَلِيمَةٍ إلَّا النِّكَاحَ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُفْتِي فِي الْخُصُومَاتِ؛ لِأَنَّ الْخَصْمَ إذَا عَرَفَ مَذْهَبَ الْقَاضِي تَحَيَّلَ إلَى الْوُصُولِ إلَيْهِ أَوْ إلَى الِانْتِقَالِ عَنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ السَّائِلُ مُسْتَفْهِمًا فَلْيُجِبْهُ، وَلِهَذَا جَازَ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْضُرَ مَجَالِسَ الْعِلْمِ فَيُعَلِّمُ وَيَتَعَلَّمُ وَالْمُرَادُ بِالْخُصُومَاتِ مَا شَأْنُهُ أَنْ يُخَاصِمَ فِيهَا وَإِنْ لَمْ يَقَعْ بِالْفِعْلِ وَعَلَى هَذَا فَلَا يُفْتِي فِيمَا يَدْخُلُهُ الْخِصَامُ وَيُفْهَمُ مِنْ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ أَنَّ النَّهْيَ مَحَلُّهُ حَيْثُ لَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَى مَذْهَبِهِ إلَّا مِنْ إفْتَائِهِ وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ لِلْقَاضِي أَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا فِي مَجْلِسِ قَضَائِهِ لَا بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَكِيلِهِ خَوْفَ الْمُحَابَاةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْئًا خَفِيفًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ، قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ تِجَارَةُ الْوُلَاةِ لَهُمْ مُفْسِدَةٌ وَلِلرَّعِيَّةِ مُهْلِكَةٌ، وَأَمَّا شِرَاؤُهُ وَبَيْعُهُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ قَضَائِهِ فَجَائِزٌ وَذَكَرَ ابْنُ شَاسٍ كَرَاهَتَهُ وَأَنْكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ وُجُودَهُ فِي الْمَذْهَبِ لِغَيْرِهِ ثُمَّ إنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ وَابْنُ عَرَفَةَ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ مَجْلِسِ قَضَائِهِ وَغَيْرِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ عِلَّةَ النَّهْيِ شَغْلُ الْبَالِ وَحْدَهُ أَوْ هُوَ مَعَ الْمُحَابَاةِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ شَاسٍ فَمَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ خَشْيَةَ الْمُحَابَاةِ، وَكَذَلِكَ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُسَلِّفَ وَلَا يَتَسَلَّفَ وَلَا يَدْفَعَ قِرَاضًا لِمَنْ يَعْمَلُ فِيهِ وَلَا يُبْضِعُ بِضَاعَةً مَعَ غَيْرِهِ لِيَشْتَرِيَ لَهُ بِهَا سِلْعَةً مَثَلًا خَوْفَ الْمُحَابَاةِ وَلَا يَسْتَعِيرُ؛ لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِأَمْوَالِ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ
قَالَ الْأَخَوَانِ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَتَوَرَّعَ عَنْ طَلَبِ الْحَوَائِجِ وَالْعَوَارِيّ مِنْ الْمَاعُونِ وَالدَّوَابِّ لِرُكُوبِهَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ أَوْ السَّلَفِ أَوْ أَنْ يُقَارِضَ أَحَدًا أَوْ يُبْضِعَ مَعَ أَحَدٍ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْضُرَ وَلِيمَةً إذَا دُعِيَ إلَّا وَلِيمَةَ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ كَغَيْرِهِ بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ فِي بَابِ الْوَلِيمَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ تَجِبُ إجَابَةُ مَنْ عَيَّنَ إنْ لَمْ يَحْضُرْ مَنْ يَتَأَذَّى مِنْهُ إلَخْ، وَمُرَادُ الْمُؤَلِّفِ بِالْوَلِيمَةِ اللُّغَوِيَّةِ مِنْ الْوَلْمِ وَهُوَ الِاجْتِمَاعُ وَالْمُرَادُ الطَّعَامُ الَّذِي يُجْتَمَعُ لَهُ وَإِلَّا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ ضَائِعًا؛ لِأَنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: بَلْ إحْضَارُ الشُّهُودِ وَاجِبٌ) فِيهِ نَظَرٌ بَلْ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ إحْضَارَ الشُّهُودِ مُسْتَحَبٌّ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى إحْضَارِ الْعُلَمَاءِ مُسْتَحَبٌّ) وَهَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِ كَمَا فِي تت وَمِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ مَوْضِعِ الْخِلَافِ يُعْلَمُ أَرْجَحِيَّتُهُ عَلَى مُقَابِلِهِ. (قَوْلُهُ: خَشْيَةَ تَوَهُّمِ إلَخْ) هَذَا رُبَّمَا يُفِيدُ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَطْفُ النَّكِرَةِ عَلَى الْمَعْرِفَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إنَّمَا جَرَّدَهُ لِأَجْلِ أَنْ لَا يُتَوَهَّمَ مِنْ التَّعْرِيفِ خُصُوصُ الشُّهُودِ الْمُعَيَّنِينَ بَلْ الْمَطْلُوبُ حُضُورُ أَيِّ شُهُودٍ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْأَصْلَ تَنَاسُبُ الْمُتَعَاطِفَيْنِ أَيْ فَلَمَّا جُرِّدَ عُلِمَ أَنَّهُ غَيْرُ مَعْطُوفٍ عَلَى الضَّمِيرِ فِي شَاوَرَهُمْ وَفِيهِ أَنَّ الْعُلَمَاءَ مَعْرِفَةٌ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ عَطْفِهِ عَلَى الضَّمِيرِ أَوْ عَلَى الْعُلَمَاءِ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْعُدُولَ يُعْلَمُ مِنْهُ عَدَمُ الْعَطْفِ عَلَيْهِ وَبَعْدَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ عَطْفًا إلَّا عَلَى الْعُلَمَاءِ

. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُفْتِ فِي خُصُومَةٍ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْقَصْدَ الْإِخْبَارُ بِأَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ أَوْ لَيْسَ كَذَلِكَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إلَى زَمَنٍ مُعَيَّنٍ فَلَا يُرَادُ أَنْ يُقَالَ لَمْ لِنَفْيِ الْمَاضِي لَا لِنَفْيِ الْمُسْتَقْبَلِ فَالْمُنَاسِبُ لَا دُونَ لَمْ.
(قَوْلُهُ: وَلَمْ يَشْتَرِ) أَيْ وَلَمْ يَبِعْ. (قَوْلُهُ: تَحَيَّلَ إلَى الْوُصُولِ) أَيْ إذَا أَتَى عَلَى غَرَضِهِ وَقَوْلُهُ: أَوْ إلَى الِانْتِقَالِ عَنْهُ أَيْ إذَا لَمْ يَأْتِ عَلَى غَرَضِهِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَقَعْ بِالْفِعْلِ) حَاصِلُ مَا فِي الْمَقَامِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِي خُصُومَةٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ مَا شَأْنُهُ أَنْ يُخَاصِمَ فِيهِ أَيْ يَقَعَ فِيهِ الْخُصُومَةُ وَعَلَيْهِ فَلَا يُفْتِي فِيمَا يَدْخُلُهُ الْحُكْمُ وَيَحْتَمِلُ مَا يَقَعُ فِيهِ الْخِصَامُ بِالْفِعْلِ وَشَارِحُنَا ذَهَبَ إلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي النَّوَادِرِ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ السَّائِلُ مُسْتَفْهِمًا مَعْنَاهُ كَمَا تُفِيدُهُ عِبَارَةُ النَّوَادِرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ السَّائِلُ مِنْ الْمُتَعَلِّمِينَ الطَّالِبِينَ لِمَعْرِفَةِ الْحُكْمِ أَوْ يَكُونَ السَّائِلُ فِي مَسَائِلِ الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ مَثَلًا مِمَّا لَا يَقَعُ الْقَضَاءُ فِيهِ فَيَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يُفْتِيَهُ فِي ذَلِكَ الْبِسَاطِيُّ، وَانْظُرْ إذَا كَانَ يُدَرِّسُ وَحَضَرَ الْخَصْمُ وَالدَّرْسُ يَتَعَلَّقُ بِتِلْكَ الْخُصُومَةِ وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ يَسْتَمِرُّ وَلَا يُقِيمُ الْخَصْمُ فِي الْمَجْلِسِ وَعِنْدِي أَنَّهُ إنْ قَدَرَ أَنْ يُعْمِيَ الْكَلَامَ بِحَيْثُ لَا يَفْهَمُ الْخَصْمُ وَإِلَّا أَمَرَهُ بِالِانْصِرَافِ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا فَلَا يُفْتِي فِيمَا يَدْخُلُهُ الْخِصَامُ) أَيْ فِيمَا يَدْخُلُهُ الْحُكْمُ. (قَوْلُهُ: أَنَّ النَّهْيَ مَحَلُّهُ) أَيْ نَهْيَ الْكَرَاهَةِ لَا نَهْيَ الْحُرْمَةِ. (قَوْلُهُ: تِجَارَةُ الْوُلَاةِ لَهُمْ مَفْسَدَةٌ) أَيْ لِشُغْلِهِمْ بِهَا عَنْ إصْلَاحِ الرَّعِيَّةِ وَقَوْلُهُ: لِلرَّعِيَّةِ مُهْلِكَةٌ أَيْ لِلتَّوَصُّلِ إلَى أَخْذِ أَمْوَالِهِمْ بِسَبَبِ الْمُحَابَاةِ وَلِلضِّيقِ الَّذِي يَحْصُلُ لَهُمْ أَيْ الرَّعِيَّةِ لِقُدْرَتِهِمْ لِكَوْنِهَا حُكَّامًا عَلَى مَنْعِ غَيْرِهِمْ مِنْ تَعَاطِي الْأَمْتِعَةِ الَّتِي فِيهَا التِّجَارَاتُ لِأَجْلِ أَنْ يَأْخُذُوهَا فَيَسْتَقِلُّوا بِرِبْحِهَا قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ تِجَارَةُ الْوُلَاةِ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ.
(قَوْلُهُ: وَأَنْكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ وُجُودَهُ فِي الْمَذْهَبِ) غَيْرُ مُسَلَّمٍ بَلْ مَوْجُودٌ فِي الْمَذْهَبِ وَالْأَظْهَرُ مَا قَالَهُ ابْنُ شَاسٍ. (قَوْلُهُ: لَيْسَ أَنْ يُسَلِّفَ) تَبِعَ تت فَإِنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ كَسَلَفٍ ظَاهِرُهُ مِنْهُ أَوْ لَهُ وَلَكِنْ قَالَ ابْنُ مَرْزُوقٍ، الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ سَلَفُهُ مِنْ غَيْرِهِ لَا إعْطَاؤُهُ السَّلَفَ اهـ.، أَقُولُ وَارْتَضَاهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ؛ لِأَنَّ سَلَفَهُ لِلْغَيْرِ مَعْرُوفٌ فَلَا يُنْهَى عَنْهُ. (قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْضُرَ وَلِيمَةً) أَيْ عَلَى طَرِيقِ الْكَرَاهَةِ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ كَغَيْرِهِ) لَا يَخْفَى أَنَّ الَّذِي عِنْدَ ابْنِ مَرْزُوقٍ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْضُرَ وَلِيمَةَ النِّكَاحِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَخَالَفَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ يُطْلَبُ مِنْهُ التَّنَزُّهُ عَمَّا بِأَيْدِي النَّاسِ لِتَقْوَى كَلِمَتُهُ وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ عج. (قَوْلُهُ: مِنْ الْوَلْمِ) أَيْ أَنَّ الْوَلِيمَةَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْوَلْمِ وَهُوَ الِاجْتِمَاعُ. (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ الطَّعَامُ) أَيْ وَالْمُرَادُ بِالْوَلِيمَةِ الطَّعَامُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ

الصفحة 150