كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 7)

الْوَلِيمَةَ لَا تَكُونُ إلَّا لِنِكَاحٍ

(ص) وَقَبُولُ هَدِيَّةٍ وَلَوْ كَافَأَ عَلَيْهَا إلَّا مِنْ قَرِيبٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَجُوزُ لَهُ قَبُولُ الْهَدِيَّةِ وَلَوْ كَافَأَ عَلَيْهَا لِرُكُونِ النَّفْسِ لِمَنْ أَهْدَى لَهَا؛ وَلِأَنَّهَا تُطْفِئُ نُورَ الْحِكْمَةِ وَيَجُوزُ لِلْفَقِيهِ وَالْمُفْتِي أَخْذُ الْهَدِيَّةِ مِمَّنْ لَا يَرْجُو مِنْهُ عَوْنًا وَلَا جَاهًا وَلَا تَقْوِيَةً لِحُجَّةٍ عَلَى خَصْمِهِ وَلَا يَجُوزُ لِلشُّهُودِ قَبُولُ الْهَدِيَّةِ مِنْ الْخَصْمَيْنِ مَا دَامَ الْخِصَامُ وَيَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْبَلَ الْهَدِيَّةَ مِنْ قَرِيبِهِ كَأَبِيهِ وَخَالَتِهِ وَبِنْتِ أَخِيهِ وَمَنْ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنْهُمْ ظِنَّةٌ لِشِدَّةِ الْمُدَاخَلَةِ وَبِعِبَارَةٍ الْمُرَادُ بِالْقَرِيبِ مَنْ لَا يَحْكُمُ لَهُ وَيُمْكِنُ رُجُوعُ قَوْلِهِ إلَّا مِنْ قَرِيبٍ لِقَوْلِهِ كَسَلَفٍ وَمَا بَعْدَهُ، وَهَذَا مُسْتَفَادٌ مِنْ رُجُوعِهِ لِقَوْلِهِ وَقَبُولُ هَدِيَّةٍ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى إذْ قَبُولُ الْهَدِيَّةِ حَرَامٌ وَمَا قَبْلَهُ مَكْرُوهٌ

(ص) وَفِي هَدِيَّةِ مَنْ اعْتَادَهَا قَبْلَ الْوِلَايَةِ وَكَرَاهَةِ حُكْمِهِ فِي مَشْيِهِ أَوْ مُتَّكِئًا وَإِلْزَامِ يَهُودِيٍّ حُكْمًا بِسَبْتِهِ وَتَحْدِيثِهِ بِمَجْلِسِهِ لِضَجَرٍ وَدَوَامِ الرِّضَا فِي التَّحْكِيمِ لِلْحُكْمِ قَوْلَانِ (ش) يَعْنِي هَلْ يَحْرُمُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَقْبَلَ هَدِيَّةً مِنْ شَخْصٍ كَانَ يُهْدِي إلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَتَوَلَّى وَظِيفَةَ الْقَضَاءِ أَمْ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ بَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ وَفِي حَقِّهِ قَوْلَانِ وَهَلْ يُكْرَهُ فِي حَقِّ الْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ فِي حَالِ مَشْيِهِ فِي الطَّرِيقِ أَوْ لَا يُكْرَهُ قَوْلَانِ وَالْمُرَادُ بِالْمَشْيِ السَّيْرُ كَانَ مَاشِيًا أَوْ رَاكِبًا وَهَلْ يُكْرَهُ فِي حَقِّهِ أَنْ يَحْكُمَ مُتَّكِئًا؛ لِأَنَّ فِيهِ اسْتِخْفَافًا بِالْحَاضِرِينَ وَلِلْعِلْمِ حُرْمَةٌ أَوْ لَا يُكْرَهُ فِيهِ قَوْلَانِ وَهَلْ يُكْرَهُ فِي حَقِّهِ أَنْ يُلْزِمَ الْيَهُودِيَّ الْحُكْمَ إذَا كَانَ فِي سَبْتِهِ أَيْ إحْضَارِهِ لِلْحُكْمِ أَوْ لَا يُكْرَهُ ذَلِكَ فِيهِ قَوْلَانِ وَتَخْصِيصُهُ الْيَهُودِيَّ بِالذِّكْرِ مُخْرِجٌ لِلنَّصَارَى فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ إحْضَارُهُمْ وَالْحُكْمُ عَلَيْهِمْ فِي الْأَحَدِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُعَظِّمُونَ الْأَحَدَ كَتَعْظِيمِ الْيَهُودِ لِلسَّبْتِ وَسَوَّى بَيْنَهُمَا ابْنُ عَاتٍ وَهَلْ لِلْقَاضِي أَنْ يُحَدِّثَ جُلَسَاءَهُ لِأَجْلِ ضَجَرٍ نَزَلَ بِهِ لِيُرَوِّحَ قَلْبَهُ وَيَرْجِعَ إلَيْهِ فَهْمُهُ أَوْ يُمْنَعُ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ أَوْ يُكْرَهُ كَمَا قَالَهُ الْبِسَاطِيُّ قَوْلَانِ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ دَوَامُ الرِّضَا لِلْخَصْمَيْنِ فِي التَّحْكِيمِ إلَى أَنْ يَحْكُمَ الْمُحَكَّمُ أَوْ لَا يُشْتَرَطُ وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا وَلَا لَهُمَا الرُّجُوعُ قَبْلَ الْحُكْمِ قَوْلَانِ بِخِلَافِ الْقَاضِي فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ دَوَامُ الرِّضَا بِلَا نِزَاعٍ؛ لِأَنَّ التَّحْكِيمَ دَخَلَا عَلَيْهِ بِاخْتِيَارِهِمَا بِخِلَافِ الْحُكْمِ فَإِنَّهُ إلْزَامٌ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ الْإِخْبَارُ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ عَلَى وَجْهِ الْإِلْزَامِ

(ص) وَلَا يَحْكُمُ مَعَ مَا يُدْهِشُ عَنْ الْفِكْرِ وَمَضَى (ش) يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْكُمُ مَعَ مَا يُدْهِشُ عَنْ تَمَامِ فِكْرِهِ أَيْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ لَا عَنْ أَصْلِ الْفِكْرِ وَإِلَّا حَرُمَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ وَبِعِبَارَةٍ أَيْ يُكْرَهُ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ مَعَ مَا يُدْهِشُ عَنْ تَمَامِ فِكْرِهِ كَالْحُزْنِ وَالْحَقْنِ وَالْغَضَبِ وَاللَّقَسِ وَهُوَ ضِيقُ النَّفْسِ وَإِذَا وَقَعَ وَنَزَلَ مَضَى، وَالْمُفْتِي مِثْلُهُ

(ص) وَعَزَّرَ شَاهِدًا بِزُورٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَلِيمَةَ بِمَعْنَى الطَّعَامِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْوَلْمِ وَهُوَ الِاجْتِمَاعُ وَالْأَخْذُ دَائِرَتُهُ أَعَمُّ مِنْ دَائِرَةِ الِاشْتِقَاقِ

. (قَوْلُهُ: وَقَبُولُ هَدِيَّةِ) ظَاهِرُ النَّقْلِ الْكَرَاهَةُ لَا الْحُرْمَةُ فَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ خِلَافًا لِقَوْلِ الشَّارِحِ لَا يَجُوزُ إلَخْ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ الْحُرْمَةُ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهَا تُطْفِئُ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ الْهَدِيَّةَ الَّتِي لِرَجَاءِ نَفْعٍ وَدَفْعِ ضُرٍّ تُطْفِئُ إلَخْ أَمَّا الْهَدِيَّةُ لَا لِذَلِكَ فَهِيَ لَا تُطْفِئُ وَقَدْ قَبِلَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ قَالَ «تَهَادَوْا تَحَابُّوا» .
(قَوْلُهُ: مِمَّنْ لَا يَرْجُو) وَأَمَّا مَنْ يَرْجُو مِنْهُ إلَخْ فَهُوَ حَرَامٌ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ لِلشُّهُودِ قَبُولُ الْهَدِيَّةِ مِنْ الْخَصْمَيْنِ) أَيْ يَحْرُمُ وَقَوْلُهُ: مِنْ الْخَصْمَيْنِ أَيْ مِنْ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ هَذَا إذَا كَانَ لِلشَّهَادَةِ بِالْبَاطِلِ وَأَمَّا إذَا كَانَ لِلشَّهَادَةِ بِالْحَقِّ فَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ مُتَعَيِّنَةً وَإِلَّا فَلَا. (قَوْلُهُ: ظِنَّةً) أَيْ تُهْمَةً

. (قَوْلُهُ: وَفِي قَبُولِ هَدِيَّةِ مَنْ اعْتَادَهَا) بِإِضَافَةِ هَدِيَّةٍ لِمَا بَعْدَهُ وَلَا يُقْرَأُ بِالتَّنْوِينِ لِصِدْقِهِ بِصُورَةٍ غَيْرِ مُرَادَةٍ وَهِيَ إذَا لَمْ يَعْتَدْهَا الْمُهْدِي فَيَقْتَضِي أَنَّ فِيهَا قَوْلَيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ وَفِي قَبُولِ هَدِيَّةٍ اعْتَادَهَا قَبْلَ الْوِلَايَةِ اعْتَادَهَا الْمُهْدِي أَمْ لَا. (قَوْلُهُ: يَعْنِي هَلْ يَحْرُمُ إلَخْ) الَّذِي فِي عج أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ وَالْعَدَمُ مُحْتَمِلٌ لِلْمَنْعِ وَالْكَرَاهَةِ، وَظَاهِرُ لَفْظِ مُطَرِّفٍ وَعَبْدِ الْمَلِكِ الْكَرَاهَةُ وَهُوَ الصَّوَابُ. (قَوْلُهُ: كَانَ يُهْدِي إلَيْهِ) أَيْ كَانَتْ مُعْتَادَةً إلَخْ أَيْ مُسَاوِيَةً لَهَا قَدْرًا وَصِفَةً وَجِنْسًا لَا أَزْيَدَ. (قَوْلُهُ: أَيْ إحْضَارُهُ) تَفْسِيرٌ لِإِلْزَامِ الْيَهُودِيِّ الْحُكْمَ فَالْمَعْنَى وَهَلْ يُكْرَهُ فِي حَقِّهِ إحْضَارُ الْيَهُودِيِّ لِلْحُكْمِ أَوْ لَا يُكْرَهُ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ الْوَفَاءُ لَهُمْ بِمَا دَخَلُوا عَلَيْهِ وَأَقْرَرْنَاهُمْ عَلَيْهِ بِحَطِّ الْجِزْيَةِ لَا أَنَّ عِلَّةَ ذَلِكَ تَعْظِيمُ سَبْتِهِمْ؛ لِأَنَّ السَّبْتَ لَا تَعْظِيمَ شَرْعِيٍّ فِيهِ. (قَوْلُهُ: وَسَوَّى بَيْنَهُمَا ابْنُ عَاتٍ) فِي شَرْحِ عب وَلَمَّا كَانَ مِنْ عِنْدِهِ أَيْ مِنْ عِنْدِ ابْنِ عَاتٍ لَمْ يَتَرَجَّحْ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ حَتَّى تَجْعَلَهُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ انْتَهَى وَخُلَاصَةُ ذَلِكَ ضَعْفُ مَا قَالَهُ ابْنُ عَاتٍ.
(قَوْلُهُ: أَوْ يُمْنَعُ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ) أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ إذْهَابِ الْمَهَابَةِ. (قَوْلُهُ: أَوْ يُكْرَهُ إلَخْ) الْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ الْمَنْعُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ عَلَى الْكَرَاهَةِ فَيَتَّفِقُ مَعَ الْبِسَاطِيِّ إذْ لَا وَجْهَ لِلْحُرْمَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا وَلَا لَهُمَا الرُّجُوعُ) الْمُنَاسِبُ حَذْفُ لَهُمَا إذْ لَهُمَا مَعًا الرُّجُوعُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ فِي تَنَازُعِ الزَّوْجَيْنِ وَلَهُمَا الْإِقْلَاعُ مَا لَمْ يَسْتَوْعِبَا الْكَشْفَ وَيَعْزِمَا عَلَى الْحُكْمِ أَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُمَا الْإِصْلَاحُ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ التَّحْكِيمَ دَخَلَا عَلَيْهِ بِاخْتِيَارِهِمَا) أَيْ بِاخْتِيَارِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَسَاغَ لِأَحَدِهِمَا الرُّجُوعُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْحُكْمِ) أَيْ فَلَمْ يَدْخُلَا عَلَيْهِ بِاخْتِيَارِ كُلٍّ مِنْهَا إذْ مَنْ دَعَا إلَيْهِ يَجِبُ عَلَى الْآخَرِ مُوَافَقَتُهُ وَقَوْلُهُ: فَإِنَّهُ إلْزَامُ تَعْلِيلٍ لِذَلِكَ الْمَحْذُوفِ، أَيْ لِأَنَّهُ إلْزَامٌ يَقْطَعُ مَادَّةَ الْخِصَامِ وَالشَّارِعُ دَاعٍ إلَى ذَلِكَ ثُمَّ إنَّ مَحَلَّ هَذَا كُلِّهِ بَعْدَ وُقُوعِ الدَّعْوَى، وَأَمَّا بَعْدَ التَّرَافُعِ وَقَبْلَ وُقُوعِ الدَّعْوَى فَمُقْتَضَى كَلَامِ شَارِحِ الْإِرْشَادِ أَنَّهُ كَذَلِكَ كَمَا قَالَ عج قَائِلًا، وَظَاهِرُ كَلَامِ شَيْخِنَا أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ

. (قَوْلُهُ: وَالْحَقْنِ) حَصْرُ الرِّيحِ. (قَوْلُهُ: وَاللَّقَسِ بِفَتْحِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْقَافِ)

الصفحة 151