كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 7)

فِي الْمَلَا بِنِدَاءٍ وَلَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ وَلَا يُسَخِّمُهُ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يُعَزِّرَ شَاهِدَ الزُّورِ وَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا لَمْ يَعْلَمْ عَمْدًا وَإِنْ طَابَقَ الْوَاقِعَ لِأَجْلِ شَهَادَتِهِ الزُّورَ وَيَأْمُرُ بِالنِّدَاءِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فِي الْمَلَا بَيْنَ النَّاسِ لِيَرْتَدِعَ غَيْرُهُ وَلَا يَحْلِقُ لَهُ رَأْسًا وَلَا لِحْيَةً وَلَا يُسَخِّمُ وَجْهَهُ بِالسَّوَادِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ أَرَى أَنْ يُطَافَ بِهِ وَيُشَهَّرَ فِي الْمَسْجِدِ فِي الْحَلَقِ وَحَيْثُ مَا يُعْرَفُ بِهِ جَمَاعَةُ النَّاسِ وَيَضْرِبُهُ ضَرْبًا مُوجِعًا وَلَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ وَلَا لِحْيَتَهُ وَيَكْتُبُ بِشَأْنِهِ وَمَا يَثْبُتُ عِنْدَهُ كِتَابًا وَيَنْسَخُهُ نَسْخًا يَرْفَعُهُ عِنْدَ الثِّقَاتِ، وَالْبَاءُ فِي بِنِدَاءٍ بِمَعْنَى مَعَ

(ص) ثُمَّ فِي قَبُولِهِ تَرَدُّدٌ وَإِنْ أُدِبَّ التَّائِبُ فَأَهْلٌ (ش) يَعْنِي أَنَّ شَاهِدَ الزُّورِ إذَا عَزَّرَهُ الْقَاضِي كَمَا مَرَّ ثُمَّ تَابَ وَحَسُنَتْ تَوْبَتُهُ فَهَلْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَا تُقْبَلُ، فِيهِ تَرَدُّدٌ فِي حِكَايَةِ طَرِيقَتَيْنِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، فَقَالَ الْأُولَى إنْ كَانَ ظَاهِرَ الْعَدَالَةِ حَيْثُ يَشْهَدُ بِالزُّورِ لَمْ تُقْبَلْ اتِّفَاقًا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ظَاهِرِهَا فَقَوْلَانِ إلَخْ وَطَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ بِعَكْسِ ذَلِكَ
وَأَمَّا الْقَاضِي إذَا عُزِلَ لِجُنْحَةٍ لَا تَجُوزُ تَوْلِيَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَوْ صَارَ أَعْدَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ ثُمَّ إنَّ الْإِمَامَ إذَا عَزَّرَ شَاهِدَ الزُّورِ بَعْدَ أَنْ جَاءَ تَائِبًا فَإِنَّهُ يُؤَجَّرُ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ أَهْلٌ لِذَلِكَ وَقَدْ وَضَعَ الشَّيْءَ فِي مَحَلِّهِ فَقَوْلُهُ فَأَهْلٌ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ؛ لِأَنَّ جَوَابَ الشَّرْطِ لَا يَكُونُ إلَّا جُمْلَةً

(ص) وَمَنْ أَسَاءَ عَلَى خَصْمِهِ أَوْ مُفْتٍ أَوْ شَاهِدٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّبَ مَنْ أَسَاءَ عَلَى مِنْ ذُكِرَ ثُمَّ إنْ وَقَعَتْ الْإِسَاءَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ عَلَى الْآخَرِ كَيَا ظَالِمُ يَا فَاجِرُ أَوْ عَلَى الْمُفْتِي أَوْ الشُّهُودِ كَتَفْتَرُونَ عَلَيَّ وَتَشْهَدُونَ عَلَيَّ لَا أَدْرِي أُكَلِّمُ مَنْ فَإِنَّهُ يُعَزِّرُهُ؛ لِأَنَّ وَظِيفَةَ الْقَاضِي أَنَّهُ مُرْصَدٌ لِخَلَاصِ الْأَعْرَاضِ كَمَا أَنَّهُ مُرْصَدٌ لِخَلَاصِ الْأَمْوَالِ وَلَا يَحْتَاجُ فِيمَا ذُكِرَ لِبَيِّنَةٍ بَلْ يَسْتَنِدُ إلَى عِلْمِهِ لِتَوْقِيرِ مَجْلِسِ الشَّرْعِ وَالْحَقُّ حِينَئِذٍ لِلَّهِ لَا يَحِلُّ لِلْقَاضِي تَرْكُهُ

(ص) لَا بِشَهِدْت بِبَاطِلٍ كَلِخَصْمِهِ كَذَبْت (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ قَالَ لِلشَّاهِدِ شَهِدْت عَلَيَّ بِبَاطِلٍ فَإِنَّهُ لَا يُعَزِّرُهُ الْقَاضِي عَلَى ذَلِكَ كَمَا إذَا قَالَ لِلْخَصْمِ عِنْدَ دَعْوَاهُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي كَذَبْت فِيمَا ادَّعَيْت بِهِ عَلَيَّ بِخِلَافِ لَوْ قَالَ لِلشَّاهِدِ شَهِدْت بِزُورٍ فَإِنَّهُ يُعَزِّرُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْبَاطِلِ أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ زُورًا؛ لِأَنَّ الْبَاطِلَ بِالنِّسْبَةِ لِلْوَاقِعِ لَا بِالنِّسْبَةِ لِعِلْمِهِ فَقَدْ يَشْهَدُ بِشَيْءٍ يَعْلَمُهُ كَدَيْنٍ مَثَلًا وَهُوَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ قَضَاهُ وَلَا مَضَرَّةَ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ الزُّورِ وَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا لَا يَعْلَمْ عَمْدًا

(ص) وَلْيُسَوِّ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ وَإِنْ مُسْلِمًا وَكَافِرًا (ش) يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ فِي الْجُلُوسِ وَالْقِيَامِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: فِي الْمَلَا) مَهْمُوزٌ مَقْصُورٌ الْجَمَاعَةُ مِنْ النَّاسِ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا أَشْرَافًا وَقَوْلُهُ: بِنِدَاءٍ يُغْنِي عَنْ قَوْلِهِ فِي الْمَلَا ثُمَّ لَا يَخْفَى هَلْ الْوُجُوبُ مُنْصَبٌّ عَلَى مَجْمُوعِ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّعْزِيرِ وَكَوْنُهُ فِي الْمَلَا مَعَ نِدَاءٍ أَوْ هُوَ مُنْصَبٌّ عَلَى خُصُوصِ التَّعْزِيرِ وَكَوْنُهُ فِي الْمَلَا مَعَ نِدَاءٍ مَنْدُوبٍ فَقَطْ (قَوْلُهُ: وَلَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ) أَيْ حَلْقًا يَحْصُلُ بِهِ نَكَالُهُ أَيْ بِأَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ عَلَى وَجْهٍ يَحْصُلُ بِهِ تَعْيِيبُهُ وَفَهِمَ بَعْضُ شُيُوخِنَا فَقَالَ أَيْ كَرَأْسِ السُّودَانِ وَبَعْضِ الْعَرَبِ فَإِنَّهُ عِنْدَهُمْ شَيْنٌ أَيْ يُكْرَهُ فِيمَا يَظْهَرُ كَمَا فِي عب أَوْ يَحْرُمُ كَمَا فِي شب وَهُوَ أَحْسَنُ وَقَوْلُهُ: وَلَا لِحْيَتُهُ أَيْ يَحْرُمُ وَقَوْلُهُ: وَلَا يُسَخِّمُهُ أَيْ يَحْرُمُ. (قَوْلُهُ: يَرْفَعُهُ عِنْدَ الثِّقَاتِ) أَيْ بِأَنْ يَضَعَهُ فِي الْمَحَاكِمِ.

. (فَائِدَةٌ) أَوَّلُ ظُهُورِ شَهَادَةِ الزُّورِ بِالْعِرَاقِ فِي خِلَافَةِ الْقَيْرَوَانِ. (قَوْلُهُ: فِي حِكَايَةِ طَرِيقَتَيْنِ) فِي بِمَعْنَى مِنْ أَيٍّ مِنْ طَرِيقَتَيْنِ مَحْكِيَّتَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَطَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ) هِيَ الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَيْ فَيُقَالُ إنْ كَانَ ظَاهِرَ الْعَدَالَةِ فَقَوْلَانِ وَغَيْرُ ظَاهِرِهَا لَا يُقْبَلُ اتِّفَاقًا قَالَ تت وَطَرِيقَةُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنْسَبُ بِالْفِقْهِ وَطَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ أَقْرَبُ لِظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ فَإِنْ شَهِدَ قَبْلَ التَّوْبَةِ لَمْ تُقْبَلْ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ فَاسِقٌ وَإِنْ شَهِدَ بَعْدَهَا وَقَبِلَ التَّعْزِيرَ فَمُقْتَضَى الْعِلَّةِ جَرَى التَّرَدُّدُ فِيهِ، وَكَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَوَّاقِ وَأَفَادَ ذِكْرُ التَّرَدُّدِ فِيمَا فِسْقُهُ بِالزُّورِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِغَيْرِ فِسْقِهِ بِغَيْرِهِ ثُمَّ شَهِدَ بَعْدَ مَا نَابَ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْقَاضِي إذَا عُزِلَ إلَخْ) الْفَرْقُ أَنَّ حُكْمَهُ لَمَّا كَانَ لَا يُنْقَضُ إلَّا فِي مَسَائِلَ مُعَيَّنَةٍ كَمُخَالِفِ قَاطِعٍ أَوْ جَلِيِّ قِيَاسٍ كَمَا يَأْتِي فَشَدَّدَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: إذَا عُزِلَ لِجُنْحَةٍ) قَالَ عج يَنْبَغِي تَقَيُّدُ الْجُنْحَةِ بِأَنْ يَكُونَ جَوْرًا فَقَطْ ثُمَّ قَالَ عج بَعْدُ: وَظَاهِرُهُ أَنَّ فِسْقَهُ بِغَيْرِ جَوْرٍ لَيْسَ لَهُ هَذَا الْحُكْمُ. (قَوْلُهُ: بَعْدَ أَنْ جَاءَ تَائِبًا) أَيْ قَبْلَ الظُّهُورِ عَلَيْهِ كَذَا فَرَضُوا الْمَسْأَلَةَ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُؤْجَرُ عَلَى ذَلِكَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ رَاجِحُ الْفِعْلِ وَفِي عب وشب أَنَّهُ مَرْجُوحٌ وَتَرْكُ أَدَبِهِ أَوْلَى ثُمَّ رَأَيْت تت ذَكَرَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَالَ لَوْ أُدِّبَ لَكَانَ لِذَلِكَ أَهْلًا وَعَنْ سَحْنُونَ لَا أَدَبَ عَلَيْهِ فَيَكُونُ كَلَامُ شَارِحِنَا مَاشِيًا عَلَى كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَتَأَمَّلْ

. (قَوْلُهُ: وَمَنْ أَسَاءَ عَلَى خَصْمِهِ إلَخْ) وَكَذَا عَلَى الْقَاضِي بِمَجْلِسِ حُكْمِهِ وَالْحُكْمُ بِعِلْمِهِ فِي مَجْلِسِهِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِمْ لَا يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ إلَّا فِي التَّعْدِيلِ وَالتَّجْرِيحِ بِخِلَافِ الْإِمَامِ فَيَحْكُمُ بِعِلْمِهِ قَالَهُ الْبَدْرُ. (قَوْلُهُ: مَرْصَدٌ) بِفَتْحِ الْمِيمِ أَيْ مَوْقِعٌ لِخَلَاصِ الْأَعْرَاضِ

. (قَوْلُهُ: كَذَبْت فِيمَا ادَّعَيْت بِهِ عَلَيَّ) بَلْ لَوْ قَالَ كَذَبْت فَقَطْ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ فِيمَا ادَّعَيْت بِهِ عَلَيَّ، وَأَمَّا إنْ قَالَ كَذَبْت فِي شَيْءٍ آخَرَ غَيْرِ مَا ادَّعَاهُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُؤَدَّبُ؛ لِأَنَّهُ إذَايَةٌ مِنْهُ أَيْ أَوْ ظَلَمْت أَوْ ظَلَمْتنِي أَوْ تَظْلِمُنِي، وَأَمَّا يَا ظَالِمُ فَيُؤَدَّبُ وَلَمْ يَكُنْ مَا ذُكِرَ مِنْ انْتِهَاكِ مَجْلِسِ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّ لَهُ تَعَلُّقًا بِالْخُصُومَةِ بِخِلَافِ الْإِسَاءَةِ.
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِلشَّاهِدِ إلَخْ) قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ إنْ قَالَ لِخَصْمِهِ شَهِدْت عَلَيَّ بِزُورٍ فَإِنْ عَنَى أَنَّهُ شَهِدَ عَلَيْهِ بِبَاطِلٍ لَمْ يُعَاقَبْ وَإِنْ قَصَدَ أَذَاهُ وَالشُّهْرَةَ بِهِ نُكِّلَ بِقَدْرِ حَالِ الشَّاهِدِ وَالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ انْتَهَى وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ: فِيمَا ادَّعَى أَنَّهُ أَرَادَهُ إلَّا لِقَرِينَةٍ تُكَذِّبُهُ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْبَاطِلِ إلَخْ) كَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّ لِشَخْصٍ عِنْدَ آخَرَ حَقًّا ثُمَّ إنَّ الْمَدِينَ وَفَّاهُ بِغَيْرِ عِلْمِ الشَّاهِدِ فَإِذَا شَهِدَ بِذَلِكَ فَهِيَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بَاطِلَةٌ إلَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ زُورًا فَالزُّورُ هُوَ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا لَا يَعْلَمُ عَمْدًا وَإِنْ طَابَقَتْ الْوَاقِعَ، وَشَاهِدُ الْبَاطِلِ هُوَ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا يَعْلَمُ عَمْدًا وَلَمْ

الصفحة 152