كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 7)

وَالْمُرَادُ بِالْمُعَيَّنِ الَّذِي لَمْ تَهْلِكْ عَيْنُهُ لَا الْحَاضِرُ الْمُشَاهَدُ وَمِنْهَا دَعْوَى الْوَدِيعَةِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعِي مِثْلَهُ يَمْلِكُ تِلْكَ الْوَدِيعَةَ وَأَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُودَعُ عِنْدَهُ مِثْلُ تِلْكَ الْوَدِيعَةِ وَأَنْ يَكُونَ الْحَالُ اقْتَضَى الْإِيدَاعَ فَتَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ إثْبَاتِ خُلْطَةٍ وَمِنْهَا دَعْوَى الْمُسَافِرِ عَلَى بَعْضِ رُفْقَتِهِ أَنَّهُ أَوْدَعَهُ مَالًا أَوْ أَنَّهُ أَتْلَفَ مِنْهُ مَالًا فِي حَالِ سَفَرِهِ فَإِنَّ الْيَمِينَ تَتَوَجَّهُ وَلَا يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى إثْبَاتِ خُلْطَةٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْرِضُ لَهُ مَا يُوجِبُ دَفْعَ مَالِهِ لِبَعْضِ رُفْقَتِهِ وَمِنْهَا الْمَرِيضُ يَدَّعِي فِي مَرَضِ مَوْتِهِ عَلَى آخَرَ بِدَيْنٍ فَإِنَّ الْيَمِينَ تَتَوَجَّهُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ خُلْطَةٍ وَمِثْلُهُ وَرَثَتُهُ وَمِنْهَا رَجُلٌ عَرَضَ سِلْعَتَهُ فِي السُّوقِ لِلْبَيْعِ فَادَّعَى الْبَائِعُ عَلَى رَجُلٍ مِمَّنْ حَضَرَ الْمُزَايَدَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا بِكَذَا وَأَنْكَرَ الرَّجُلُ الشِّرَاءَ أَوْ ادَّعَى الرَّجُلُ عَلَى الْبَائِعِ أَنَّهُ ابْتَاعَهَا مِنْهُ بِكَذَا وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ فَتَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ عَلَى الْمُنْكِرِ مِنْهُمَا وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ خُلْطَةٌ، وَصَرَّحَ الْمُؤَلِّفُ بِلَفْظَةِ دَعْوَى فِي قَوْلِهِ وَدَعْوَى مَرِيضٍ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ عِنْدَ حَذْفِهَا أَنَّهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ.

(ص) فَإِنْ أَقَرَّ فَلَهُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ وَلِلْحَاكِمِ تَنْبِيهُهُ عَلَيْهِ (ش) أَيْ فَإِنْ أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْحَقِّ فَلِلْمُدَّعِي الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ بِمَا أَقَرَّ بِهِ خِيفَةَ أَنْ يُنْكِرَ إقْرَارَهُ فَإِنْ لَمْ يَنْتَبِهْ الْمُدَّعِي لِلْإِشْهَادِ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يُنَبِّهُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّنْبِيهَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ شَأْنِ الْحُكَّامِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْلِيلِ الْخِصَامِ وَقَطْعِ النِّزَاعِ، فَالضَّمِيرُ فِي عَلَيْهِ عَائِدٌ عَلَى الْإِشْهَادِ حَيْثُ غَفَلَ الشُّهُودُ الْحَاضِرُونَ أَيْضًا عَنْ الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِقْرَارِ

(ص) وَإِنْ أَنْكَرَ قَالَ أَلَك بَيِّنَةٌ فَإِنْ نَفَاهَا وَاسْتَحْلَفَهُ فَلَا بَيِّنَةَ إلَّا لِعُذْرٍ كَنِسْيَانٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا أَجَابَ بِالْإِنْكَارِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقُولُ لِلْمُدَّعِي أَلَك بَيِّنَةٌ فَإِنْ قَالَ نَعَمْ فَإِنَّهُ يَأْمُرُهُ بِإِحْضَارِهَا وَيَسْمَعُهَا وَيُعْذَرُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِيهَا فَإِنْ أَتَى بِدَافِعٍ فَلَا كَلَامَ وَصَارَتْ كَالْمَعْدُومِ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِدَافِعٍ حُكِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ نَفَاهَا وَقَالَ لَا بَيِّنَةَ لِي وَأَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ الْبَيِّنَةِ وَحَلَفَ خَصْمُهُ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ بَيِّنَةٌ إلَّا لِعُذْرٍ كَنِسْيَانِهَا حِينَ حَلَفَ خَصْمُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ يَمِينِهِ عَلَى دَعْوَى النِّسْيَانِ، وَمِثْلُ النِّسْيَانِ عَدَمُ تَقَدُّمِ الْعِلْمِ أَوْ الظَّنِّ بِالْبَيِّنَةِ ثُمَّ تَذَكَّرَهَا أَوْ أُعْلِمَ بِهَا فَلَهُ الْقِيَامُ بِهَا حِينَئِذٍ بَعْدَ يَمِينِهِ كَمَا مَرَّ فِي النِّسْيَانِ فَلَوْ حَلَّفَ الْقَاضِي مَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ بِغَيْرِ إذْنِ خَصْمِهِ فَإِنَّ هَذِهِ الْيَمِينَ لَا فَائِدَةَ فِيهَا وَلِلْخَصْمِ أَنْ يُعِيدَهَا ثَانِيَةً كَمَا يُفِيدُهُ الْإِتْيَانُ بِالسِّينِ الدَّالَّةِ عَلَى الطَّلَبِ، فَقَوْلُهُ وَاسْتَحْلَفَهُ أَيْ وَحَلَفَ وَلَوْ شَرَطَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الْمُدَّعِي عَدَمَ قِيَامِهِ بِالْبَيِّنَةِ الَّتِي نَسِيَهَا وَمَا أَشْبَهَهَا فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِالشَّرْطِ كَمَا فِي الْحَطَّابِ

(تَنْبِيهٌ) : وَلِلْقَاضِي أَنْ يَسْمَعَ الْبَيِّنَةَ قَبْلَ الْخُصُومَةِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِعَبْدِ الْمَلِكِ فَإِذَا حَضَرَ الْخَصْمُ قَرَأَ عَلَيْهِ الشَّهَادَةَ وَفِيهَا أَسْمَاءُ الشُّهُودِ وَأَنْسَابُهُمْ وَمَسَاكِنُهُمْ، فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ فِي شَهَادَتِهِمْ مَدْفَعٌ أَوْ فِي عَدَالَتِهِمْ مَجْرَحٌ كَلَّفَهُ إثْبَاتَهُ وَإِلَّا لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَإِنْ سَأَلَهُ أَنْ يُعِيدَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ حَتَّى يَشْهَدُوا بِمَحْضَرِهِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ (ص)
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَأَنْ يَكُونَ الْحَالُ اقْتَضَى الْإِيدَاعَ) أَيْ لِكَسَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَخُوفًا. (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا دَعْوَى الْمُسَافِرِ) أَيْ الْمَرِيضَ خِلَافًا لِمَنْ أَطْلَقَهُ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَخُوفًا بِخِلَافِ مَا بَعْدَهَا فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِالْمَخُوفِ. (قَوْلُهُ: يَدَّعِي فِي مَرَضِ مَوْتِهِ) وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَخُوفًا كَمَا قُلْنَا وَمِثْلُهُ وَرَثَتُهُ. (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا رَجُلٌ عَرَضَ سِلْعَتَهُ فِي السُّوقِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي غَيْرِ سُوقٍ لَا يَتَحَالَفَانِ وَلَا يَلْزَمُ وَهُوَ خِلَافُ مَا مَرَّ عَنْ الشَّامِلِ مِنْ أَنَّ الْقَوْلَ لِمُنْكِرِهِ بِيَمِينٍ فِي غَيْرِ حَاجَةٍ لِيَمِينِ غَيْرِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ عَلَى وَجْهِ أَنَّهُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّ عج جَعَلَ مَا هُنَا تَقْيِيدًا لِمَا فِي الشَّامِلِ فَلْيُحَرَّرْ. (قَوْلُهُ: أَوْ ادَّعَى الرَّجُلُ عَلَى الْبَائِعِ) أَيْ فَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ بَائِعٍ إلَخْ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ ظَاهِرَ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْبَائِعَ مُدَّعٍ وَعَلَيْهِ ابْنُ غَازِيٍّ وَفِي الْمَوَّاقِ وَالشَّارِحِ أَنَّ الْبَائِعَ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَذَكَرَ تت الْأَمْرَيْنِ وَتَبِعَهُ شَارِحُنَا وَفِي الْمُتَيْطِيِّ غَيْرُ هَذَا وَنَصُّهُ: الرَّجُلُ يَحْضُرُ الْمُزَايَدَةَ فَيَقُولُ الْبَائِعُ بِعْتُك بِكَذَا وَيَقُولُ الْمُبْتَاعُ بَلْ بِكَذَا انْتَهَى. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ عَلَى كَلَامِهِ رَاجِعٌ لِلِاخْتِلَافِ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمُصَنِّفِ مُطْلَقًا

. (قَوْلُهُ: وَلِلْحَاكِمِ تَنْبِيهُهُ عَلَيْهِ) أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْلِيلِ الْخِصَامِ فَلَيْسَ مِنْ تَلْقِينِ الْخَصْمِ لِلْحُجَّةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْحَاكِمَ مُخَيَّرٌ فِي ذَلِكَ وَمُقْتَضَى النَّوَادِرِ طَلَبُهُ. (أَقُولُ) وَهُوَ الَّذِي يُفِيدُهُ التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ وَهَلْ وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا وَهُوَ الظَّاهِرُ

. (قَوْلُهُ: فَلَا بَيِّنَةَ إلَخْ) أَيْ وَأَمَّا بَيِّنَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ وَلَهُ الْقِيَامُ كَمَا إذَا رَدَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي فَحَلَفَ وَأَخَذَ الْحَقَّ فَإِنَّ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يُقَوِّمَ بَعْدَ ذَلِكَ بَيِّنَةً تَشْهَدُ لَهُ بِالْقَضَاءِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا نَفْيَ مَعَهُ وَلَا اسْتِحْلَافَ كَمَا ذَكَرَهُ الْفِيشِيُّ. (قَوْلُهُ: وَلَا بُدَّ مِنْ يَمِينِهِ) أَيْ مَا لَمْ يَشْتَرِطْ عَدَمَ الْيَمِينِ فِي هَذِهِ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا. (قَوْلُهُ: وَمِثْلُ النِّسْيَانِ عَدَمُ تَقَدُّمِ الْعِلْمِ إلَخْ) وَكَذَا إذَا ظَنَّ أَنَّهَا لَا تَشْهَدُ لَهُ أَوْ أَنَّهَا مَاتَتْ

. (قَوْلُهُ: وَلِلْقَاضِي أَنْ يَسْمَعَ الْبَيِّنَةَ) أَيْ وَلَا يَحْكُمُ عَلَى الْخَصْمِ إلَّا بَعْدَ حُضُورِهِ هَذَا فِي الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ غَيْبَةً قَرِيبَةً كَالْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ وَأَمَّا لَوْ كَانَ غَائِبًا غَيْبَةً مُتَوَسِّطَةً أَوْ بَعِيدَةً فَإِنَّهُ يَحْكُمُ عَلَيْهِ وَهُوَ غَائِبٌ فَإِذَا قَدِمَ فَهُوَ عَلَى حُجَّتِهِ. (قَوْلُهُ: وَأَنْسَابُهُمْ وَمَسَاكِنُهُمْ) أَيْ الَّتِي يَتَمَيَّزُونَ بِهَا.
(فُرُوعٌ) الْأَوَّلُ فَلَوْ قَالَ بَيِّنَتِي غَائِبَةٌ فَاحْلِفْ لِي فَإِذَا قَدِمَتْ أَقُومُ بِهَا كَانَ لَهُ تَحْلِيفُهُ وَيَقُومُ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَلَوْ عَلِمَ بِبُعْدِهَا وَسَكَتَ وَحَلَّفَهُ كَانَ لَهُ الْقِيَامُ بِهَا أَيْضًا قَالَهُ الْبَدْرُ عَنْ ابْنِ يُونُسَ قَالَ وَظَاهِرُهُ بِلَا خِلَافٍ الثَّانِي لَا يَلْزَمُ مَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنْ يَحْلِفَ عَلَى صِحَّتِهَا، الثَّالِثُ لَا يَلْزَمُ الْمُدَّعِيَ أَنْ يَذْكُرَ جَمِيعَ الدَّعَاوَى عَلَى شَخْصٍ بَلْ لَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى بَعْضِهَا وَيَتْرُكَ بَعْضَهَا لِوَقْتٍ آخَرَ، الرَّابِعُ لَوْ تَعَدَّدَتْ الدَّعَاوَى كَفَى فِيهَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ نَاصِرٌ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ تَعَدَّدَ الْمُدَّعُونَ وَانْظُرْ النَّقْلَ الصَّرِيحَ فِي ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: لَزِمَهُ الْقَضَاءُ) أَيْ لَزِمَ

الصفحة 156