كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 7)

عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ الْآتِيَةِ فِي قَوْلِهِ وَحَلَفَ بِشَاهِدٍ فِي طَلَاقٍ وَعِتْقٍ لَا نِكَاحٍ فَهُوَ مَفْهُومُ قَوْلِهِ هُنَا بِمُجَرَّدِهَا فَإِنْ أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ شَاهِدًا أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا وَأَنْكَرَ ذَلِكَ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى نَفْيِ الطَّلَاقِ لِرَدِّ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ
فَإِنْ نَكَلَ حُبِسَ وَإِنْ طَالَ دِينَ وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَرُدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمَرْأَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَامَ شَخْصٌ شَاهِدًا يَشْهَدُ لَهُ أَنَّ فُلَانًا زَوَّجَهُ ابْنَتَهُ وَأَنْكَرَ الْأَبُ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُهُ يَمِينٌ وَلَا يَثْبُتُ النِّكَاحُ بِذَلِكَ، فَقَوْلُهُ هُنَا (كَنِكَاحٍ) مِثَالٌ لِمَا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ وَلَيْسَ مِثَالًا لِمَا تَتَوَجَّهُ فِيهِ الْيَمِينُ بِالدَّعْوَى الَّتِي لَمْ تَتَجَرَّدْ وَلَا تُرَدُّ كَمَا يُفِيدُهُ مَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ لَا نِكَاحَ وَبِعِبَارَةٍ هُوَ مِثَالٌ لِلْقَاعِدَةِ وَهُوَ وَاضِحٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْطُوقِ قَوْلِهِ بِمُجَرَّدِهَا وَمُشْكِلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَفْهُومِ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا كَانَ هُنَاكَ شَاهِدٌ فِي النِّكَاحِ تَوَجَّهَتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْحُكْمُ أَنَّهَا لَا تَتَوَجَّهُ، لَكِنْ كَلَامُهُ فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ يَرْفَعُ هَذَا الْإِيهَامَ.

(ص) وَأَمَرَ بِالصُّلْحِ ذَوِي الْفَضْلِ وَالرَّحِمِ كَأَنْ خَشِيَ تَفَاقُمَ الْأَمْرِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا تَرَافَعَ إلَيْهِ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ أَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا رَحِمٌ فَيُنْدَبُ لَهُ أَنْ يَأْمُرَهُمَا بِأَنْ يَصْطَلِحَا؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ أَقْرَبُ إلَى جَمْعِ الْخَوَاطِرِ وَإِلَى تَأْلِيفِ النُّفُوسِ وَيُذْهِبُ غِلَّ الصُّدُورِ كَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ سَحْنُونَ فَقَدْ تَرَافَعَ إلَيْهِ رَجُلَانِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَأَبَى أَنْ يَسْمَعَ مِنْهُمَا وَقَالَ لَهُمَا اُسْتُرَا عَلَى أَنْفُسِكُمَا وَلَا تُطْلِعَانِي مِنْ أَمْرِكُمَا عَلَى مَا قَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْكُمَا، وَأَمَّا لَوْ خَشِيَ الْقَاضِي بِالْحُكْمِ اتِّسَاعَ الْأَمْرِ وَالْفِتْنَةِ بَيْنَ الْمَحْكُومِ لَهُ وَالْمَحْكُومِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَمْرُ بِالصُّلْحِ دَفْعًا لِلْمَفْسَدَةِ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ وَأَمَرَ إلَخْ وَلَوْ ظَهَرَ لَهُ وَجْهُ الْحُكْمِ وَهُوَ كَذَلِكَ فَهَذَا يُخَصِّصُ عُمُومَ قَوْلِهِ الْآتِي وَلَا يَدْعُونَ لِصُلْحٍ إنْ ظَهَرَ وَجْهُهُ وَيَقْصِرُهُ عَلَى مَا عَدَا مَنْ ذُكِرَ هُنَا

(ص) وَلَا يَحْكُمُ لِمَنْ لَا يَشْهَدُ لَهُ عَلَى الْمُخْتَارِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ لِمَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ كَأَبِيهِ وَوَلَدِهِ وَزَوْجَتِهِ وَيَتِيمِهِ كَمَا يَأْتِي فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا مُتَأَكِّدَ الْقُرْبِ كَأَبٍ وَإِنْ عَلَا وَزَوْجِهِمَا وَوَلَدٍ وَإِنْ سَفَلَ كَبِنْتٍ وَهَذَا عَلَى مَا اخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ وَهُوَ الْمَشْهُورُ؛ لِأَنَّ الظِّنَّةَ تَلْحَقُهُ فِي ذَلِكَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالْحُكْمِ وَهَذَا وَاضِحٌ إذَا كَانَ يَحْتَاجُ لِإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَتَسَاهَلُ فِي قَبُولِهَا فَيُتَّهَمُ عَلَى أَنَّهُ يَقْبَلُ شَهَادَةَ مَنْ لَا تَصِحُّ شَهَادَتُهُ أَمَّا إذَا اعْتَرَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْحَقِّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لَهُ أَخْذًا مِمَّا نَقَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ بِالْأَوْلَى وَنَصُّهُ عَلَى نَقْلِ الْمَوَّاقِ وَانْظُرْ هَلْ يَحْكُمُ لِنَفْسِهِ قَالَ أَشْهَبُ لَا يَقْضِي لِنَفْسِهِ ابْنُ رُشْدٍ وَلَهُ الْحُكْمُ عَلَى الْإِقْرَارِ عَلَى مَنْ اسْتَهْلَكَ مَالَهُ وَيُعَاقِبُهُ لِقَطْعِ أَبِي بَكْرٍ الْأَقْطَعَ الَّذِي سَرَقَ عِقْدَ زَوْجَتِهِ أَسْمَاءَ لَمَّا اعْتَرَفَ بِسَرِقَتِهِ وَانْظُرْ الْمُفْتِيَ هَلْ هُوَ كَذَلِكَ فَيَمْتَنِعُ أَنْ يُفْتِيَ عَلَى مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ، وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُفْتِيَ لِمَنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْبُرْزُلِيِّ مَا نَصَّهُ الْمَازِرِيُّ عَدَاوَةُ الْمُفْتِي كَعَدَاوَةِ الشُّهُودِ

(ص) وَنُبِذَ حُكْمُ جَائِرٍ وَجَاهِلٍ لَمْ يُشَاوِرْ وَإِلَّا تُعُقِّبَ وَمَضَى غَيْرُ الْجَوْرِ وَلَا يُتَعَقَّبُ حُكْمُ الْعَدْلِ الْعَالِمِ (ش) لِمَا أَخْبَرَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّ «الْقُضَاةَ ثَلَاثَةٌ جَائِرٌ وَجَاهِلٌ وَعَدْلٌ» أَفَادَ الْمُؤَلِّفُ أَحْكَامَهَا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْقَاضِيَ الْخَارِجَ عَنْ الْحَقِّ مُتَعَمِّدًا تُنْبَذُ أَحْكَامُهُ أَيْ تُطْرَحُ وَتُلْغَى أَيْ يَطْرَحُهَا وَيُلْغِيهَا الْقَاضِي الَّذِي يَتَوَلَّى بَعْدَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَامَ شَخْصٌ شَاهِدًا إلَخْ) فَرَّقَ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَبَيْنَ النِّكَاحِ بِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ الشُّهْرَةُ فَشَهَادَةُ أَحَدٍ فِيهِ رِيبَةٌ بِخِلَافِهِمَا وَمُقْتَضَى هَذَا الْفَرْقِ أَنَّ سَائِرَ مَا يَثْبُتُ بِشَاهِدَيْنِ حُكْمُهُ حُكْمُهُمَا فِي الْحَلِفِ مَعَ إقَامَةِ شَاهِدٍ لِرَدِّ شَهَادَتِهِ لَا حُكْمُ النِّكَاحِ ثُمَّ إنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ فَلَا يَمِينَ بِمُجَرَّدِهَا مَسَائِلُ مِنْهَا قَوْلُهُ: وَحَلَفَ الطَّالِبُ إنْ ادَّعَى عَلَيْهِ عِلْمَ الْعَدَمِ وَقَوْلُهُ: وَكَذَا أَنَّهُ عَالِمٌ بِفِسْقِ شُهُودِهِ وَقَوْلُهُ: وَلَهُ يَمِينُهُ أَنَّهُ لَمْ يُحَلِّفْهُ أَوَّلًا اُنْظُرْ الشُّرَّاحَ. (قَوْلُهُ: وَلَا تُرَدُّ) أَيْ لَا يَرُدُّهَا مَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ كَالزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْقَذْفِ. (قَوْلُهُ: هُوَ مِثَالٌ لِلْقَاعِدَةِ) الْحَاصِلُ أَنَّ الْقَاعِدَةَ هِيَ قَوْلُهُ: وَكُلُّ دَعْوَى لَا تَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ فَلَا يَمِينَ بِمُجَرَّدِهَا وَقَوْلُهُ: وَهُوَ وَاضِحٌ أَيْ كَوْنُ قَوْلِهِ كَنِكَاحٍ مِثَالًا لِلْقَاعِدَةِ أَيْ بَيَانًا لِفَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ مَوْضُوعِهَا وَاضِحٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْطُوقِ قَوْلِهِ بِمُجَرَّدِهَا أَيْ بِالنَّظَرِ لِمَنْطُوقِ قَوْلِهِ فَلَا يَمِينَ بِمُجَرَّدِهَا وَذَلِكَ لِأَنَّ دَعْوَى النِّكَاحِ إذَا تَجَرَّدَتْ فَلَا يَمِينَ فِيهَا قَطْعًا وَقَوْلُهُ: وَمُشْكِلٌ بِالنَّظَرِ إلَى مَفْهُومِ فَلَا يَمِينَ بِمُجَرَّدِهَا؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ بِحَسَبِ الْمَفْهُومِ أَنَّهَا إذَا لَمْ تَتَجَرَّدْ بِأَنْ كَانَ صَاحِبُ دَعْوَى النِّكَاحِ أَقَامَ شَاهِدًا أَنَّ الْيَمِينَ تَتَوَجَّهُ مَعَ أَنَّهَا لَا تَتَوَجَّهُ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ كَلَامُهُ فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ يَرْفَعُ هَذَا الْإِيهَامَ) أَيْ يَرْفَعُ هَذَا الِاقْتِضَاءَ أَيْ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْعَمَلِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَنْطُوقٌ فَيُقَدَّمُ عَلَى هَذَا الْمَفْهُومِ

. (قَوْلُهُ: وَالرَّحِمُ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ ثُمَّ مَحَلُّ الصُّلْحِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثَةِ فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ الصُّلْحُ لَا فِي طَلَاقٍ وَنَحْوِهِ وَقَوْلُهُ: إلَى جَمْعِ الْخَوَاطِرِ أَيْ الْقُلُوبِ فَفِيهِ مَجَازٌ مُرْسَلٌ مِنْ إطْلَاقِ الْحَالِ وَإِرَادَةِ الْمَحَلِّ. (قَوْلُهُ: فَهَذَا يُخَصَّصُ إلَخْ) التَّخْصِيصُ صَحِيحٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَلَا يَدْعُو لِصُلْحٍ نَهْيٌ عَامٌّ وَقَوْلُهُ: وَأَمَرَ بِالصُّلْحِ أَمْرٌ وَهُوَ خَاصٌّ فَالتَّنَافِي مَوْجُودٌ الَّذِي هُوَ شَرْطُ التَّخْصِيصِ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ عب

. (قَوْلُهُ: وَلَا يَحْكُمُ لِمَنْ لَا يَشْهَدُ لَهُ عَلَى الْمُخْتَارِ) مُقَابِلُ الْمُخْتَارِ مَا لِأَصْبَغَ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ التُّهْمَةِ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ الْحُكْمُ عَلَى مَنْ لَا يَشْهَدُ عَلَيْهِ فَإِنْ حَكَمَ لِمَنْ لَا يَشْهَدُ لَهُ فَهَلْ حُكْمُهُ فِي النَّقْضِ كَحُكْمِهِ عَلَى عَدُوِّهِ أَوْ لَا فَلَا يَنْقُضُ وَهُوَ ظَاهِرُ تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ أَوْ يَنْقُضُهُ هُوَ لَا غَيْرُهُ وَهُوَ مَا فِي النَّوَادِرِ. (قَوْلُهُ: وَلَهُ الْحُكْمُ عَلَى الْإِقْرَارِ) أَيْ مُعْتَمَدًا عَلَى الْإِقْرَارِ. (قَوْلُهُ: وَيُعَاقِبُهُ لِقَطْعِ أَبِي بَكْرٍ الْأَقْطَعَ إلَخْ) هَذَا الِاسْتِدْلَال إنَّمَا يَتِمُّ إذَا كَانَ الْعَقْدُ مِلْكًا لِأَبِي بِكْرٍ وَأَنَّ مَالَهَا كَمَالِهِ

. (قَوْلُهُ: أَيْ تُطْرَحُ وَتُلْغَى) لَا يَخْفَى أَنَّ مَنْ كَانَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ مُوَافِقًا قَطْعًا وَكَلَامُ

الصفحة 162