كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 7)

ابْنُ رُشْدٍ الْقَاضِي الْجَائِرُ تُرَدُّ أَحْكَامُهُ دُونَ تَصَفُّحٍ وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَقِيمَةً فِي ظَاهِرِهَا إلَّا أَنْ تَثْبُتَ صِحَّةُ بَاطِنِهَا اهـ.
وَكَذَلِكَ تُنْبَذُ أَحْكَامُ الْقَاضِي الْجَاهِلِ الَّذِي لَمْ يُشَاوِرْ الْعُلَمَاءَ بَلْ يَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَدْسِ وَالتَّخْمِينِ فَإِنْ كَانَ يُشَاوِرُ أَهْلَ الْعِلْمِ فَإِنَّ أَحْكَامَهُ تُتَعَقَّبُ فَمَا كَانَ مِنْهَا صَوَابًا فَيَبْقَى وَلَا يُنْبَذُ، وَمَا كَانَ جَوْرًا فَيُنْبَذُ وَلَا يُقَالُ كَيْفَ تُتَعَقَّبُ أَحْكَامُهُ مَعَ الْمُشَاوَرَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ يَعْرِفُ عَيْنَ الْحُكْمِ وَلَا يَعْرِفُ الطَّرِيقَ إلَى إيقَاعِهِ إذْ الْقَضَاءُ صِنَاعَةٌ دَقِيقَةٌ لَا يَعْرِفُهَا كُلُّ أَحَدٍ بَلْ وَلَا أَجَلُّ الْعُلَمَاءِ، وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا وُلِّيَ الْجَاهِلُ لِعَدَمِ الْعَالِمِ وَإِلَّا فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْعِلْمَ وَاجِبٌ شَرْطٌ وَأَنَّ عَدَمَهُ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْوِلَايَةِ وَنُفُوذَ الْحُكْمِ مَعَ وُجُودِ الْعَالِمِ، وَأَمَّا الْعَدْلُ الْعَالِمُ إذَا حَكَمَ فِي شَيْءٍ ثُمَّ عُزِلَ وَوُلِّيَ بَعْدَهُ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ لَا تُتَعَقَّبُ أَحْكَامُهُ؛ لِأَنَّهَا مُوَافِقَةٌ لِمَا عَلَيْهِ النَّاسُ فَتَعَقُّبُهَا يُؤَدِّي إلَى كَثْرَةِ الشَّرِّ وَالْخِصَامِ فَالْمُرَادُ بِعَدَمِ التَّعَقُّبِ عَدَمُ التَّتَبُّعِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّا إذَا رَأَيْنَا حُكْمًا فَاسِدًا لَا نَنْقُضُهُ بَلْ نَنْقُضُهُ قَوْلُهُ الْعَدْلُ أَخْرَجَ الْجَائِرَ، وَقَوْلُهُ الْعَالِمُ أَخْرَجَ بِهِ الْجَاهِلَ وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ وَمَضَى الصَّوَابُ كَانَ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْجَوْرِ قَدْ يَكُونُ خَطَأً أَوْ سَهْوًا أَوْ نِسْيَانًا مَعَ أَنَّهُ لَا يَمْضِي

(ص) وَنُقِضَ وَبُيِّنَ السَّبَبُ مُطْلَقًا مَا خَالَفَ قَاطِعًا أَوْ جَلِيَّ قِيَاسٍ (ش) تَقَدَّمَ أَنَّ الْعَدْلَ الْعَالِمَ لَا تُتَعَقَّبُ أَحْكَامُهُ فَإِذَا عُزِلَ أَوْ مَاتَ وَوُلِّيَ بَعْدَهُ غَيْرُهُ وَرُفِعَ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الْعَدْلِ الْعَالِمِ أَوْ رُفِعَ لَهُ هُوَ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِهِ وَنَظَرَ فِيهَا فَوَجَدَ فِيهَا مَا هُوَ مُخَالِفٌ لِقَاطِعٍ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ قِيَاسٍ جَلِيٍّ أَوْ إجْمَاعٍ فَإِنَّ لِلْغَيْرِ وَلَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ وُجُوبًا وَيُبَيِّنَ السَّبَبَ الَّذِي نُقِضَ لِأَجْلِهِ لِئَلَّا يُنْسَبَ لِلْجَوْرِ وَالْهَوَى فَمَعْنَى مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ الْحُكْمُ لِغَيْرِهِ أَوْ لَهُ كَانَ فِي وِلَايَتِهِ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ فَقَوْلُهُ مَا أَيْ حُكْمًا مَفْعُولُ نَقَضَ مِثَالُ مُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ كَمَا لَوْ حَكَمَ بِأَنَّ الْمِيرَاثَ كُلَّهُ لِلْأَخِ دُونَ الْجَدِّ؛ لِأَنَّ الْأُمَّةَ عَلَى قَوْلَيْنِ الْمَالُ كُلُّهُ لِلْجَدِّ أَوْ يُقَاسِمُ الْأَخَ أَمَّا حِرْمَانُ الْجَدِّ فَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، وَمِثَالُ مُخَالَفَةِ النَّصِّ إذَا حَكَمَ بِشُفْعَةِ الْجَارِ فَإِنَّ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ وَارِدٌ فِي اخْتِصَاصِ الشُّفْعَةِ بِالشَّرِيكِ وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ مُعَارِضٌ صَحِيحٌ وَمِثَالُ مُخَالَفَةِ الْقِيَاسِ شَهَادَةُ الْكَافِرِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ لَا تَجُوزُ فَالْكَافِرُ أَشَدُّ فُسُوقًا وَأَبْعَدُ عَنْ الْمَنَاصِبِ الشَّرْعِيَّةِ فِي مُقْتَضَى الْقِيَاسِ (ص) كَاسْتِسْعَاءِ مُعْتَقٍ وَشُفْعَةِ جَارٍ وَحُكْمٍ عَلَى عَدُوٍّ أَوْ بِشَهَادَةِ كَافِرٍ أَوْ مِيرَاثِ ذَوِي رَحِمٍ أَوْ مَوْلًى أَسْفَلَ أَوْ يَعْلَمُ سَبْقَ مَجْلِسِهِ أَوْ جُعِلَ بَتَّةً وَاحِدَةً أَوْ أَنَّهُ قَصَدَ كَذَا فَأَخْطَأَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ ظَهَرَ أَنَّهُ قَضَى بِعَبْدَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ أَوْ صَبِيَّيْنِ أَوْ فَاسِقَيْنِ (ش) هَذِهِ أَمْثِلَةٌ لِمَا خَالَفَ قَاطِعًا أَوْ جَلِيَّ قِيَاسٍ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إذَا كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ مَثَلًا وَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ وَكَانَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنِ رُشْدٍ الْآتِي بَعْدَ مَوْضُوعٍ آخَرَ هَذَا إذَا حُمِلَ قَوْلُهُ: الْخَارِجُ عَنْ الْحَقِّ عَلَى ظَاهِرِهِ فَإِنْ حُمِلَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ شَأْنَهُ ذَلِكَ لَا فَلَا يَكُونُ مُخَالِفًا لَهُ بَلْ هُوَ الْمَوْضُوعُ وَيُعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ عَالِمٌ لَا جَاهِلٌ.
(قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ تُنْبَذُ أَحْكَامُ الْقَاضِي الْجَاهِلِ) وَلَوْ وَافَقَ الصَّوَابَ كَمَا فِي عب وَرَدَّهُ مُحَشِّي تت بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى صِحَّةِ أَحْكَامِ الْجَاهِلِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فَلَا تُنْقَضُ وَكَذَا الْجَائِرُ ثُمَّ قَالَ وَلَمْ أَرَ مَنْ قَالَ بِالنَّقْضِ فِي الْجَاهِلِ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَ صَوَابًا بَاطِنًا وَظَاهِرًا؛ لِأَنَّ الْجَاهِلَ غَيْرُ الْمُشَاوِرِ غَايَتُهُ أَنَّهُمْ أَلْحَقُوهُ بِالْجَائِرِ وَالْجَائِرُ لَا يُنْقَضُ مِنْ أَحْكَامِهِ مَا عُلِمَ صِحَّةُ بَاطِنِهِ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ أَيْ بَهْرَامَ عَنْ الْمَازِرِيِّ فِي الْجَاهِلِ تُنْقَضُ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهَا الصَّوَابُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِذَلِكَ كَمَا قَالُوا مَا إذَا حَكَمَ حَاكِمٌ فِيمَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا وَعَقَدَ لَهَا عَلَى آخَرَ وَحَكَمَ أَنَّ مُجَرَّدَ الْعَقْدِ كَافٍ فِي تَحْلِيلِهَا لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ قَوْلُ سَعِيدٍ، وَقَدْ رَجَعَ سَعِيدٌ عَنْهُ فَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَهَذَا مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُخَالِفَةِ لِلْإِجْمَاعِ. (قَوْلُهُ: وَالتَّخْمِينِ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى الْحَدْسِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُعْرَفُ الطَّرِيقُ إلَيْهِ) يُعْرَفُ ذَلِكَ بِالْمُزَاوَلَةِ فِي ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ) أَيْ قَوْلُهُ: وَجَاهِلٌ إلَخْ وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْعِلْمَ وَاجِبُ شَرْطٍ حَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ الْعِلْمَ شَرْطُ صِحَّةٍ إذَا وُجِدَ الْعَالِمُ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُوجَدْ فَلَا يَكُونُ الْعِلْمُ شَرْطَ صِحَّةٍ بَلْ يُوَلَّى الْجَاهِلُ أَيْ الَّذِي لَهُ عَقْلٌ وَوَرَعٌ اعْتِمَادًا عَلَى أَنَّهُ يَسْأَلُ الْعُلَمَاءَ الَّذِينَ لَمْ يَسْتَوْفُوا شُرُوطَ الْقَضَاءِ كَمَرْأَةٍ أَوْ عَبْدٍ فَإِذَا حَكَمَ بِدُونِ مَشُورَةٍ نُقِضَ حُكْمُهُ مُطْلَقًا عَلَى مَا قَالَ الشَّارِحُ وَإِنْ شَاوَرَ تُعُقِّبَ وَقَالَ فِي ك جَوَابًا آخَرَ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا وُلِّيَ عَلَى جَهْلٍ ابْتِدَاءً حُكْمُهُ بَاطِلٌ وَإِذَا لَمْ يُوَلَّ عَلَى ذَلِكَ ابْتِدَاءً بَلْ إنَّمَا اُطُّلِعَ عَلَيْهِ بَعْدُ وَلَمْ يُعْلَمْ بِجَهْلِهِ إلَّا بَعْدُ فَيَجْرِي فِيهِ تَفْصِيلُ الْمُصَنِّفِ هُنَا

. (قَوْلُهُ: أَوْ جَلِيَّ قِيَاسٍ) أَيْ أَوْ خَالَفَ قَاطِعًا مِنْ عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ كَخِيَارِ الْمَجْلِسِ أَوْ مِنْ الْقَوَاعِدِ كَمَسْأَلَةِ السُّرَيْجِيَّةِ لِابْنِ سُرَيْجٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ هِيَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ إنْ وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَمَاتَ فَلَا إرْثَ لَهَا مِنْهُ لِاجْتِمَاعِ الشَّرْطِ وَالْمَشْرُوطِ وَعَدَمِ اعْتِبَارِ قَوْلِهِ قَبْلَهُ خِلَافًا لِحُكْمِ ابْنِ سُرَيْجٍ بِعَدَمِ اجْتِمَاعِ الشَّرْطِ مَعَ الْمَشْرُوطِ فَلَا يَلْزَمُ عِنْدَهُ إيقَاعُ الثَّلَاثِ فَتَرِثُ مِنْهُ وَقَوْلُنَا عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ زَادَ ابْنُ عَرَفَةَ كَمَا فِي الْبُرْزُلِيِّ وَلَكِنْ هَذَا وَاضِحٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَالِكِيِّ لَا لِغَيْرِهِ فَلَا نَقْضَ بُرْزُلِيٌّ كَمَا قَالَهُ الْبَدْرُ. (قَوْلُهُ: أَوْ جَلِيَّ قِيَاسٍ) مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ وَهُوَ مَا قَطَعَ فِيهِ بِنَفْيِ الْفَارِقِ أَوْ ضَعَّفَهُ مِثَالُ الْأَوَّلِ قِيَاسُ الْأَمَةِ عَلَى الْعَبْدِ فِي التَّقْوِيمِ عَلَى الْمُوسِرِ الْمُعْتِقِ، وَالثَّانِي قِيَاسُ الْعَمْيَاءِ عَلَى الْعَوْرَاءِ فِي عَدَمِ إجْزَاءِ الضَّحِيَّةِ وَاحْتِمَالُ أَنَّ الْعَمْيَاءَ يُعْتَنَى بِهَا فِي أَخْذِهَا لِلْمَرْعَى لِكَوْنِهَا لَا تُبْصِرُ بِخِلَافِ الْعَوْرَاءِ ضَعِيفٌ. (قَوْلُهُ: وَلَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ وُجُوبًا) فَإِنْ قِيلَ نَقْضُ أَحْكَامِ الْعَدْلِ الْعَالِمِ هُنَا يُنَاقِضُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَلَا يُتَعَقَّبُ حُكْمُ الْعَدْلِ الْعَالِمِ وَالْجَوَابُ أَنَّ النَّقْضَ هُنَا لَيْسَ مُتَرَتِّبًا عَلَى تَعَقُّبِ أَحْكَامِهِ وَإِنَّمَا عَثَرَ عَلَيْهَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ

الصفحة 163