كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 7)

الَّذِي أَعْتَقَ حِصَّتَهُ مُعْسِرًا بِحَيْثُ لَا يُكَمِّلُ عَلَيْهِ بَعْضَهُ لِعُسْرِهِ وَأَبَى شَرِيكُهُ أَنْ يُكَمِّلَ بَعْضَهُ بِالْعِتْقِ فَحَكَمَ الْقَاضِي بِأَنَّ الْعَبْدَ يَسْعَى وَيَأْتِي لِلشَّرِيكِ الَّذِي لَمْ يَعْتِقْ بِقِيمَةِ نَصِيبِهِ فَهَذَا الْحُكْمُ إذَا وَقَعَ مِمَّنْ لَا يَرَى اسْتِسْعَاءَ الْعَبْدِ بَاطِلٌ فَلَهُ وَلِغَيْرِهِ نَقْضُهُ
وَأَمَّا إنْ وَقَعَ مِنْ حَاكِمٍ يَرَاهُ كَالْحَنَفِيِّ فَلِغَيْرِهِ نَقْضُهُ وَكَذَلِكَ مَا يَأْتِي مِنْ الْمَسَائِلِ فَإِنْ قُلْت هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ قُلْت هُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا قَوِيَ دَلِيلُهُ، وَأَمَّا غَيْرُ قَوِيِّ الدَّلِيلِ فَإِنَّهُ يُنْقَضُ وَلَا يُعْتَبَرُ حُكْمُ الْحَاكِمِ فِيهِ كَهَذِهِ الْمَسَائِلِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ كَرِيمُ الدِّينِ وَكَذَلِكَ يُنْتَقَضُ حُكْمُ الْقَاضِي فِيمَا إذَا حَكَمَ بِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ لِضَعْفِ الْمُدْرِكِ فِيهِ وَكَذَلِكَ يُنْتَقَضُ حُكْمُ الْقَاضِي إذَا وَقَعَ أَنَّهُ حَكَمَ عَلَى عَدُوِّهِ أَيْ عَدَاوَةً دُنْيَوِيَّةً وَكَذَلِكَ يُنْتَقَضُ حُكْمُ الْقَاضِي إذَا وَقَعَ أَنَّهُ حَكَمَ بِشَهَادَةِ كَافِرٍ عَلَى مِثْلِهِ أَوْ عَلَى مُسْلِمٍ أَيْ مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ الْآتِي أَوْ ظَهَرَ إلَخْ وَكَذَلِكَ يُنْتَقَضُ حُكْمُ الْقَاضِي إذَا حَكَمَ بِمِيرَاثِ ذَوِي الرَّحِمِ كَعَمَّةٍ وَنَحْوِهَا وَكَذَلِكَ يُنْتَقَضُ حُكْمُ الْقَاضِي إذَا حَكَمَ بِثُبُوتِ مِيرَاثِ الْمَوْلَى الْأَسْفَلِ وَهُوَ الْعَتِيقُ مِنْ الْأَعْلَى وَكَذَلِكَ يُنْتَقَضُ حُكْمُ الْقَاضِي إذَا حَكَمَ مُسْتَنِدًا لِعِلْمٍ سَبَقَ مَجْلِسَ الْحُكْمِ، وَسَوَاءٌ تَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ قَبْلَ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهَا وَقَبْلَ جُلُوسِهِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ، وَأَمَّا إنْ حَكَمَ بِعِلْمٍ حَصَلَ لَهُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ بِأَنْ أَقَرَّ عِنْدَهُ وَبَيْنَ يَدَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْقُضُهُ غَيْرُهُ وَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهِ هُوَ نَقْضُهُ مَا دَامَ قَاضِيًا وَكَذَلِكَ يُنْتَقَضُ حُكْمُ الْقَاضِي حَيْثُ حَكَمَ بِجَعْلِ الْبَتَّةِ أَوْ الثَّلَاثِ وَاحِدَةً وَكَذَلِكَ يُنْتَقَضُ حُكْمُ الْقَاضِي حَيْثُ ثَبَتَ خَطَؤُهُ بِبَيِّنَةٍ بِأَنْ شَهِدَتْ عِنْدَهُ أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ بِأَنَّ الْقَاضِيَ عَدَلَ عَنْ كَذَا إلَى كَذَا عَلَى سَبِيلِ الْخَطَأِ فَقَوْلُهُ بِبَيِّنَةٍ مُتَعَلِّقٌ بِمُقَدَّرٍ أَيْ ثَبَتَ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ قَصَدَ كَذَا وَأَنَّهُ أَخْطَأَ وَيُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ قَرِينَةٍ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ بِبَيِّنَةٍ مِمَّا إذَا ادَّعَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَنْقُضُهُ هُوَ فَقَطْ كَمَا يَأْتِي لَهُ وَبِعِبَارَةٍ فَأَخْطَأَ لِغَفْلَةٍ أَوْ نِسْيَانٍ أَوْ اشْتِغَالِ فِكْرٍ قَوْلُهُ كَذَا كِنَايَةٌ عَنْ حُكْمٍ صَحِيحٍ، وَقَوْلُهُ بِبَيِّنَةٍ مُتَعَلِّقٌ بِقَصْدٍ أَيْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ قَصَدَ كَذَا ثُمَّ عَدَلَ عَنْهُ لِعُذْرٍ مِنْ الْأَعْذَارِ لَا بِخَطَأٍ؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ظَاهِرًا وَكَذَلِكَ يُنْتَقَضُ حُكْمُ الْقَاضِي إذَا حَكَمَ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ بَعْدَ الْفَحْصِ عَنْ أَمْرِهِمَا ثُمَّ ظَهَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُمَا أَرِقَّاءُ أَوْ أَنَّهُمَا كَافِرَانِ أَوْ أَنَّهُمَا صَبِيَّانِ أَوْ أَنَّهُمَا فَاسِقَانِ أَوْ أَنَّهُمَا عَدُوَّانِ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَوْ قَرِيبَانِ لِلْمَشْهُودِ لَهُ
وَاعْلَمْ أَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ الْقَرَافِيِّ أَنَّ نَقْضَ الْحُكْمِ بِاسْتِسْعَاءِ الْمُعْتَقِ وَشُفْعَةِ الْجَارِ وَمِيرَاثِ ذَوِي الرَّحِمِ لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ وَإِنْ نُقِضَ الْحُكْمُ فِي شَهَادَةِ الْكَافِرِ لِمُخَالَفَتِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَأَمَّا إنْ وَقَعَ مِنْ حَاكِمٍ يَرَاهُ كَالْحَنَفِيِّ إلَخْ) هَذَا خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَحْمَدُ فَقَدْ ذَكَرَ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ فِي اسْتِسْعَاءِ الْمُعْتَقِ أَنَّهُ يَنْقُضُ وَلَوْ وَقَعَ الْحُكْمُ فِيهِ مِمَّنْ يَرَاهُ حَقًّا وَذَكَرَ الشَّيْخُ كَرِيمُ الدِّينِ أَنَّ الْحُكْمَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ لِلْمَالِكِيِّ نَقْضُهُ وَلَوْ وَقَعَ فِيهَا الْحُكْمُ مِمَّنْ يَرَاهُ لِضَعْفِ الْمُدْرِكِ فِيهِ
قُلْت وَكَلَامُ الشَّيْخِ كَرِيمِ الدِّينِ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَى بِذَلِكَ الْبَابِ مِنْ غَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: لِضَعْفِ الْمُدْرِكِ فِيهِ) أَيْ فَالْمُرَادُ بِالْقَاطِعِ مَا قَابَلَ الضَّعِيفَ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَشْمَلُ الصَّحِيحَ وَالْحَسَنَ؛ لِأَنَّ كُلًّا لَا يَتَّصِفُ بِالضَّعْفِ إلَّا أَنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّ مَسْأَلَةَ الِاسْتِسْعَاءِ مُسَاوِيَةٌ لِمَسْأَلَةِ شُفْعَةِ الْجَارِ فِي الْحُكْمِ فَيُفِيدُ ضَعْفَ مُدْرِكِ الِاسْتِسْعَاءِ مَعَ أَنَّهُ فِي مُسْلِمٍ وَأَجَابَ عج بِأَنَّهُ مِثَالٌ لِمَا خَالَفَ نَصَّ السُّنَّةِ الرَّاجِحَ عَلَى خِلَافِهِ وَلَمَّا رَأَى تت عَدَمَ صِحَّةِ التَّمْثِيلِ قَالَ فِي كَاسْتِسْعَاءِ مُعْتَقٍ إنَّهُ مُشَبَّهٌ بِمَا خَالَفَهُ قَاطِعًا لَا مِثَالَ لَهُ؛ لِأَنَّ حَدِيثَهُ فِي مُسْلِمٍ وَهُوَ أَخَفُّ مِنْ الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَإِنْ كَانَ يَسْأَلُ أَيْضًا مَا سَبَبُ النَّقْضِ فِيهِ حَيْثُ جُعِلَ مُشَبَّهًا قَالَهُ عج. (قَوْلُهُ: إذَا وَقَعَ أَنَّهُ حَكَمَ عَلَى عَدُوِّهِ) أَيْ حَكَمَ لِغَيْرِهِ لَكِنْ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ عَدُوٌّ لِلْحَاكِمِ فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا خَالَفَ الْحَدِيثَ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحْكُمُ عَدُوٌّ عَلَى عَدُوِّهِ» . (قَوْلُهُ: إذَا وَقَعَ أَنَّهُ حَكَمَ بِشَهَادَةِ كَافِرٍ إلَخْ) لَا شَكَّ أَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ الْقَاطِعِ أَيْ قَوْله تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَلِلْقِيَاسِ الْجَلِيِّ أَيْضًا وَهُوَ قِيَاسُ الْكَافِرِ عَلَى الْفَاسِقِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ لَا يَجُوزُ فَالْكَافِرُ أَشَدُّ فِسْقًا وَأَبْعَدُ عَنْ الْمَنَاصِبِ الشَّرْعِيَّةِ. (قَوْلُهُ: إذَا حَكَمَ بِمِيرَاثِ ذَوِي الرَّحِمِ) وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْ لِمُخَالَفَتِهِ لِخَبَرِ «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» .
(قَوْلُهُ: أَوْ مِيرَاثُ مَوْلًى أَسْفَلَ) اُنْظُرْهُ فَإِنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَا بَعْدَهَا سَبَبَ النَّقْضِ هَلْ هُوَ مُخَالَفَةُ الْقِيَاسِ أَوْ الْإِجْمَاعِ أَوْ السُّنَّةِ. (قَوْلُهُ: أَوْ بَعْدَهَا وَقَبْلَ جُلُوسِهِ) هَذَا هُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَلَكِنْ جَعَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ مُقَابِلًا لِلْمَشْهُورِ أَنَّهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ يُنْقَضُ حُكْمُهُ هُوَ دُونَ غَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا إنْ حَكَمَ بِعِلْمِهِ إلَخْ) أَيْ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ الْبَيِّنَةِ عَلَى إقْرَارِ الْخَصْمِ ثُمَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا يَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدُ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ أَنْكَرَ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ لَمْ يُفِدْهُ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ ذَاتَ قَوْلَيْنِ فَمَا هُنَا عَلَى قَوْلٍ وَمَا يَأْتِي عَلَى قَوْلٍ آخَرَ وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: حَيْثُ ثَبَتَ خَطَؤُهُ بِبَيِّنَةٍ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْبَيِّنَةَ حَضَرَتْهُ وَعَلِمْت قَبْلَ أَنْ يُوقِعَ الْحُكْمَ أَنَّهُ قَاصِدٌ أَنْ يَحْكُمَ بِكَذَا مِنْ قَوْلِهِ أَوْ قَرِينَةٍ ثُمَّ عَدَلَ عَنْهُ فَحَكَمَ بِخِلَافِهِ لِغَفْلَتِهِ فَإِذَا شَهِدَتْ تِلْكَ الْبَيِّنَةُ عِنْدَ الثَّانِي نَقَضَهُ وَكَذَا إذَا شَهِدَتْ عِنْدَهُ إذَا كَانَ الْحَاكِمُ يَلْتَزِمُ مَذْهَبًا يَحْكُمُ بِهِ بِتَقْلِيدِهِ لَا بِاجْتِهَادِهِ فَقَوْلُهُ: وَيُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ قَصْدِهِ الْحُكْمَ بِكَذَا مِنْ قَوْلِهِ أَوْ قَرِينَةٍ وَقَوْلُهُ: مِمَّا إذَا ادَّعَى ذَلِكَ أَيْ ادَّعَى بَعْدَ الْحُكْمِ أَنَّهُ كَانَ قَاصِدًا كَذَا ثُمَّ عَدَلَ عَنْهُ لِعُذْرٍ مِنْ الْأَعْذَارِ فَلَمْ تَشْهَدْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ كَانَ قَصْدُهُ قَبْلَ الْحُكْمِ أَنْ يَحْكُمَ بِكَذَا إلَخْ فَعَدَلَ إلَى كَذَا هَذَا مَعْنَى تِلْكَ الْعِبَارَةِ فَلَا يَعْدِلُ عَنْهُ. (قَوْلُهُ: لِغَفْلَةٍ) أَيْ سَهْوٍ وَهُوَ غَيْرُ النِّسْيَانِ وَقَوْلُهُ: أَوْ اشْتِغَالِ فِكْرٍ اشْتِغَالُ الْفِكْرِ إمَّا مَعَ الْغَفْلَةِ أَوْ النِّسْيَانِ فَلَا حَاجَةَ لَهُ وَقَوْلُهُ: أَيْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ لَا يُنَاسِبُ قَوْلَهُ مُتَعَلِّقٌ بِقَصْدٍ أَيْ وَيُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ قَرِينَةٍ وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ الْخَطَأَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ظَاهِرًا أَيْ مَعْرُوفًا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الثُّبُوتَ يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ قَصْدًا وَأَنَّهُ أَخْطَأَ وَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ قَوْلِهِ أَوْ قَرِينَةٍ.
(قَوْلُهُ: لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ) أَيْ الصَّحِيحَةِ فَلَا يُرَدُّ أَنَّ السُّنَّةَ وَرَدَتْ بِنَقِيضِ مَا ذُكِرَ لَكِنْ عَارَضَهَا مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهَا وَالْحَاصِلُ

الصفحة 164