كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 7)

أَشَارَ بِقَوْلِهِ (وَهِيَ كَغَيْرِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ) أَيْ مِمَّنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَيْهَا فَسْخٌ بِسَبَبِ رَضَاعٍ فَيَصِيرُ عَدَمُ الْحُرْمَةَ مُعَرَّضًا لِلِاجْتِهَادِ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَالْمُرَادُ بِالْكَبِيرِ هُوَ الَّذِي رَضَاعُهُ لَا يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ بِأَنْ زَادَ عَلَى الْقَدْرِ الْمَذْكُورِ فِي بَابِ الرَّضَاعِ كَمَا مَرَّ، وَقَوْلُهُ وَتَأْبِيدِ إلَخْ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ وَتَأْبِيدِ حُرْمَةِ مَنْكُوحَةِ عِدَّةٍ
وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى فَسْخٍ فَيَصِيرُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ حَكَمَ بِتَأْبِيدِ حُرْمَتِهَا عَلَيْهِ وَكَيْفَ إذَا حَكَمَ بِالتَّأْبِيدِ فِيهَا تَكُونُ مُعَرَّضَةً لِلِاجْتِهَادِ بَعْدُ مَعَ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ يُصَيِّرُ الْمَسْأَلَةَ كَالْمُجْمَعِ عَلَيْهَا، وَعِبَارَةُ الْجَوَاهِرِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَسْهَلُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُؤَلِّفِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهَا فَفَسَخَ نِكَاحَهَا وَحَرَّمَهَا عَلَى زَوْجِهَا إلَخْ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَحَرَّمَهَا إلَخْ بَعْدَ قَوْلِهِ فَفَسَخَ نِكَاحَهَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَحْرِيمُهَا عَلَيْهِ لِأَجْلِ فَسْخِ النِّكَاحِ لَا أَنَّهُ حَكَمَ بِذَلِكَ بِخِلَافِ عِبَارَةِ الْمُؤَلِّفِ وَبِعِبَارَةٍ وَتَأْبِيدِ عَطْفٌ عَلَى رَضْعِ وَالْبَاءُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ لِلسَّبَبِيَّةِ وَكَذَا بِالنِّسْبَةِ لِمَا قَبْلَهَا أَيْ فَسَخَ بِسَبَبِ أَنَّ النِّكَاحَ فِي الْعِدَّةِ يُؤَيِّدُ التَّحْرِيمَ لَا أَنَّ الْحُكْمَ بِالْفَسْخِ وَقَعَ مِنْهُ مُؤَبَّدًا إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ مَا صَحَّ قَوْلُهُ وَهِيَ كَغَيْرِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِالنِّسْبَةِ لِهَذِهِ

(ص) وَلَا يَدْعُو لِصُلْحٍ إنْ ظَهَرَ وَجْهُهُ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْحَاكِمَ إذَا ظَهَرَ لَهُ وَجْهُ الْحَقِّ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ عَلَى الْآخَرِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَدْعُوَ إلَى الصُّلْحِ فِيمَا عَدَا مَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ وَأَمَرَ بِالصُّلْحِ ذَوِي الْفَضْلِ وَالرَّحِمِ كَأَنْ خَشِيَ تَفَاقُمَ الْأَمْرِ وَالْمُرَادُ بِالظُّهُورِ ثُبُوتُهُ بِالْإِقْرَارِ الْمُعْتَبَرِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ وَالتَّعْلِيلِ لِعَدَمِ الدَّعْوَى إلَى الصُّلْحِ بِأَنَّ الصُّلْحَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ حَطِيطَةٍ فِي الْغَالِبِ فَالْأَمْرُ بِهِ هَضْمٌ لِبَعْضِ الْحَقِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَأْمُرُ ذَوِي الْفَضْلِ وَالْعِلْمِ بِهِ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي أَمْرِهِمْ بِهِ وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذِهِ الْعِلَّةَ عَارَضَهَا عِلَّةٌ أُخْرَى أَقْوَى مِنْهَا وَقَدْ أَشَارَ لَهَا الْمَوَّاقُ فِي قَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَدِّدُوا الْحُكْمَ بَيْنَ ذَوِي الْأَرْحَامِ حَتَّى يَصْطَلِحَا فَإِنَّ فَصْلَ الْقَضَاءِ يُورِثُ الضَّغَائِنَ.

(ص) وَلَا يَسْتَنِدُ لِعِلْمِهِ إلَّا فِي التَّعْدِيلِ وَالْجَرْحِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَسْتَنِدُ لِعِلْمِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ عَلَى الشَّيْءِ الْمَحْكُومِ بِهِ وَيَسْتَعْمِلُ الطُّرُقَ الشَّرْعِيَّةَ الْمُثْبِتَةَ لِلْحَقِّ سَوَاءٌ كَانَ الْقَاضِي مُجْتَهِدًا أَوْ مُقَلِّدًا إلَّا فِي التَّعْدِيلِ أَوْ الْجَرْحِ بِفَتْحِ الْجِيمِ بِمَعْنَى التَّجْرِيحِ وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ لَكَانَ أَحْسَنَ لِتَحْسُنَ الْمُقَابَلَةُ بِالتَّعْدِيلِ وَلَوْ عَبَّرَ بِالْعَدَالَةِ لَكَانَ أَحْسَنَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَهِيَ كَغَيْرِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ) لَا يَخْفَى أَنَّ كَوْنَهَا كَغَيْرِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ الْمُمَاثِلِ الَّذِي أَشَارَ لَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يَتَعَدَّ لِمُمَاثِلٍ بَلْ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى وَصَارَ حَاصِلُ ذَلِكَ كَمَا لَا يَتَعَدَّى لِمُمَاثِلٍ لَا يَتَعَدَّى لِتِلْكَ الْقَضِيَّةِ بِعَيْنِهَا لِحَاكِمٍ آخَرَ أَوْ لِلْحَاكِمِ نَفْسِهِ الْمُجْتَهِدِ لِاحْتِمَالِ تَغَيُّرِ اجْتِهَادِهِ بِأَنْ حَصَلَ عَقْدٌ ثَانٍ مِنْ الْكَبِيرِ الَّذِي رَضَعَ ثُمَّ حَصَلَ رَفْعٌ لِلْقَاضِي فَيُجَدِّدُ اجْتِهَادًا، وَأَمَّا الْعَقْدُ الْأَوَّلُ الَّذِي انْفَسَخَ فَلَا يُسْأَلُ عَنْهُ.
(قَوْلُهُ: يَكُونُ لِأَجْلِ فَسْخِ النِّكَاحِ) أَيْ وَالْمَعْنَى فَفَسَخَ نِكَاحَهَا فَثَبَتَ بِسَبَبِهِ تَحْرِيمُهَا عَلَى زَوْجِهَا. (أَقُولُ) أَحْسَنُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ إنَّهُ مِنْ عَطْفِ الْعِلَّةِ عَلَى الْمَعْلُولِ أَيْ فَفَسَخَ لِكَوْنِهَا مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ: بِخِلَافِ عِبَارَةِ الْمُؤَلِّفِ أَيْ فَإِنَّهَا صَرِيحَةٌ قَطْعًا فِي إفَادَةِ أَنَّهُ حَكَمَ بِالتَّأْبِيدِ وَقَوْلُهُ: وَبِعِبَارَةٍ إلَخْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ جَوَابٌ عَنْ الِاعْتِرَاضِ الْمَذْكُورِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ هَذَا الِاعْتِرَاضَ إنَّمَا جَاءَ مِنْ تَوَهُّمِ عَطْفٍ وَتَأْبِيدٍ عَلَى قَوْلِهِ فَسَخَ فَيُفِيدُ أَنَّ التَّأْبِيدَ مَحْكُومٌ بِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَعْطُوفٌ عَلَى رَضَعَ وَقَوْلُهُ: لَا أَنَّهُ حَكَمَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْحُكْمِ بِالْفَسْخِ الْحُكْمُ بِالتَّأْبِيدِ بَلْ قَدْ يَحْكُمُ بِالْفَسْخِ وَلَا يَحْكُمُ بِالتَّأْبِيدِ وَإِنْ كَانَ الْفَسْخُ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ أَنَّ النِّكَاحَ فِي الْعِدَّةِ مُؤَبَّدُ التَّحْرِيمِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ مَالِكِيٌّ مُعْتَدَّةً فِي الْعِدَّةِ وَقَبَّلَهَا أَوْ وَطِئَهَا فَحَكَمَ الْقَاضِي الْمَالِكِيُّ بِفَسْخِ هَذَا الْعَقْدِ وَلَمْ يَحْكُمْ بِالتَّأْبِيدِ وَإِنَّمَا قَالَ فَسَخْت نِكَاحَهُ فَلِلْمَالِكِيِّ بَعْدَ تَمَامِ عِدَّتِهَا أَنْ يَرْفَعَ أَمْرَهُ لِلْقَاضِي الشَّافِعِيِّ وَيُزَوِّجَهَا لَهُ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي الْمَالِكِيِّ فَسْخُ هَذَا النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْقَاضِي يَرْفَعُ الْخِلَافَ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ وَطْءُ الْمُعْتَدَّةِ لَا يُؤَبِّدُ تَحْرِيمَهَا بِخِلَافِ لَوْ حَكَمَ الْقَاضِي الْمَالِكِيُّ بِتَأْبِيدِ حُرْمَتِهَا فَلَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي الشَّافِعِيِّ أَنْ يُزَوِّجَهَا لَهُ إذَا عَلِمْت هَذَا كُلَّهُ فَنُخْبِرُك بِأَنَّ ابْنَ عَرَفَةَ اعْتَرَضَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي الْأَوَّلِ قَائِلًا إنَّ الْحُكْمَ بِالْفَسْخِ فِي رَضَاعِ الْكَبِيرِ يَمْنَعُ مِنْ تَجَدُّدِ الِاجْتِهَادِ فِيهَا؛ لِأَنَّ مُسْتَنِدَهُ فِيهَا إنْ رَضَعَ الْكَبِيرُ يَحْرُمُ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ ثُبُوتَ التَّحْرِيمِ لَا يَكُونُ إلَّا مُؤَبَّدًا بِخِلَافِ النِّكَاحِ فِي الْعِدَّةِ فَإِنَّ مُسْتَنِدَهُ تَحْرِيمُ النِّكَاحِ فِيهَا، وَقَدْ وَقَعَ الْخِلَافُ فِي كَوْنِهِ مُؤَبَّدًا أَمْ لَا وَأَقَرَّ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ، وَقَدْ تَبِعَهُ هُنَا فَيَعْتَرِضُ عَلَيْهِ كَمَا اعْتَرَضَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ وَأُجِيبَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ اتِّبَاعِهِ لَهُ فِي تَوْضِيحِهِ اتِّبَاعَهُ فِي مَتْنِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَظْهَرُ لَهُ خِلَافُ مَا ظَهَرَ لَهُ أَوَّلًا فَيُجْعَلُ قَوْلُهُ: وَهِيَ كَغَيْرِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ رَاجِعًا لِلثَّانِيَةِ فَقَطْ لَا لَهُمَا مَعًا حَتَّى يَأْتِيَ الِاعْتِرَاضُ غَيْرَ أَنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّ الْخِلَافَ فِي رَضَاعِ الْكَبِيرِ هَلْ يُحَرِّمُ أَوْ لَا

. (قَوْلُهُ: فِيمَا عَدَا إلَخْ) وَكَذَا يَدْعُو الْحَاكِمُ لِلصُّلْحِ فِيمَا إذَا أُشْكِلَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ. (قَوْلُهُ: عِلَّةٌ أُخْرَى أَقْوَى مِنْهَا) أَيْ وَهِيَ خَوْفُ الْعَدَاوَةِ. (قَوْلُهُ: رَدَّدُوا الْحُكْمَ) أَيْ لَا تُعَجِّلُوا بِالْحُكْمِ بَيْنَ ذَوِي الْأَرْحَامِ فَإِنْ قِيلَ الدَّلِيلُ خَاصٌّ وَالدَّعْوَى عَامَّةٌ فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَا الْفَضْلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ رَحِمٌ فَكَأَنَّهُمْ لِعِظَمِ الْعُلْقَةِ بَيْنَهُمْ كَأَنَّهُمْ ذُو رَحِمٍ. (قَوْلُهُ: يُورِثُ الضَّغَائِنَ) جَمْعُ ضَغِينَةٍ أَيْ الْحِقْدُ وَهُوَ إخْفَاءُ الْعَدَاوَةِ فِي الْقَلْبِ لِمَحَلِّ الْقُدْرَةِ عَلَى الِانْتِقَامِ

. . (قَوْلُهُ: إلَّا فِي التَّعْدِيلِ) وَلَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِجَرْحِهِ؛ لِأَنَّ عِلْمَهُ أَقْوَى مِنْ الْبَيِّنَةِ إذْ لَوْ كَانَ مِثْلُهَا لَقُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْجَرْحِ عَلَى عِلْمِهِ بِعَدَالَتِهِ وَقَوْلُهُ: فَكَالْجَرْحِ فَيَسْتَنِدُ لِعِلْمِهِ بِهِ وَلَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِالتَّعْدِيلِ عَلَى مَا صَدَرَ بِهِ الْمُتَيْطِيُّ إلَّا أَنْ يَطُولَ مَا بَيْنَ عِلْمِهِ بِجُرْحَتِهِ وَبَيْنَ الشَّهَادَةِ بِتَعْدِيلِهِ فَتَقَدَّمَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ عِلْمَهُ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ مُطْلَقًا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ إلَخْ) فِيهِ شَيْءٌ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا قُرِئَ الْجَرْحُ بِفَتْحِ الْجِيمِ كَانَ مُقَابِلًا لِلتَّعْدِيلِ قَطْعًا

الصفحة 168