كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 7)

فِيهِ التَّبْرِيزُ فِي الْعَدَالَةِ، وَكَذَلِكَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ زَادَ شَيْئًا فِي شَهَادَتِهِ أَوْ نَقَصَ فِيهَا بَعْدَ أَدَائِهَا إنْ كَانَ مُبَرِّزًا وَسَوَاءٌ كَانَتْ الزِّيَادَةُ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ شَهَادَتُهُ الْأُولَى عَلَى طِبْقِ دَعْوَى الْمُدَّعِي أَمْ لَا، غَيْرَ أَنَّ مَا زَادَهُ عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعِي لَا يَأْخُذُهُ الْمُدَّعِي حَيْثُ لَمْ يَدَّعِهِ فَإِذَا ادَّعَى الْمُدَّعِي بِعَشَرَةٍ فَشَهِدَ الْمُبَرِّزُ بِذَلِكَ أَوْ بِأَقَلَّ أَوْ بِأَكْثَرَ ثُمَّ شَهِدَ بِزِيَادَةٍ عَلَى مَا شَهِدَ بِهِ أَوَّلًا فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَقْدَحُ، وَسَوَاءٌ كَانَ بَعْدَ الْحُكْمِ أَوْ قَبْلَهُ وَكَذَلِكَ يُقْبَلُ تَذَكُّرُ الْمَرِيضِ أَوْ الصَّحِيحِ لِلشَّهَادَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ حِينَ سُئِلَ عَنْهَا: لَا أَدْرِي أَوْ لَا أَعْلَمُهَا إذَا كَانَ مُبَرِّزًا فِي الْعَدَالَةِ، وَمَا وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْمَرَضِ فَرْضُ مَسْأَلَةٍ.

(ص) وَتَزْكِيَةٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمُزَكَّى فِي السِّرِّ وَفِي الْعَلَانِيَةِ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّبْرِيزُ فِي الْعَدَالَةِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ بِحَدٍّ) إلَى أَنَّ الشَّهَادَةَ مِمَّنْ يَفْتَقِرُ إلَى التَّزْكِيَةِ جَائِزَةٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْحُدُودِ خِلَافًا لِأَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّ الشَّهَادَةَ فِي الدِّمَاءِ لَا تُقْبَلُ إلَّا مِمَّنْ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَزْكِيَةٍ، وَهُوَ الْمُبَرِّزُ الْفَائِقُ عَلَى أَقْرَانِهِ لِشِدَّةِ خَطَرِهَا لَكِنْ مَا ذُكِرَ ذَلِكَ إلَّا فِي الدِّمَاءِ خَاصَّةً كَمَا فِي الشَّارِحِ فَلَوْ قَالَ: وَإِنْ بِدَمٍ لَكَانَ أَحْسَنَ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ خَاصَّةً لَا فِي مُطْلَقِ الْحَدِّ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ فَقَوْلُهُ: وَتَزْكِيَةٍ أَيْ وَذِي تَزْكِيَةٍ؛ لِأَنَّ التَّبْرِيزَ شَرْطٌ فِي الْمُزَكِّي لِغَيْرِهِ لَا فِي التَّزْكِيَةِ.

(ص) مِنْ مَعْرُوفٍ إلَّا الْغَرِيبَ بِ أَشْهَدُ أَنَّهُ عَدْلٌ رِضَا مِنْ فَطِنٍ عَارِفٍ لَا يُخْدَعُ مُعْتَمِدٍ عَلَى طُولِ عِشْرَةٍ لَا سَمَاعٍ (ش) هَذَا نَعْتٌ لِتَزْكِيَةٍ أَيْ كَائِنَةِ التَّزْكِيَةِ مِنْ مَعْرُوفٍ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمُزَكِّيَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِالْعَدَالَةِ عِنْدَ الْقَاضِي إلَّا أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ غَرِيبًا فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُزَكِّيَهُ ابْتِدَاءً مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْقَاضِي لَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يُزَكِّيَ مُزَكِّيَهُ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْقَاضِي بِالْعَدَالَةِ فَالْمَعْرِفَةُ لِلْقَاضِي لَا بُدَّ مِنْهَا لَكِنْ إنْ كَانَ غَيْرَ غَرِيبٍ فَبِلَا وَاسِطَةٍ، وَإِنْ كَانَ غَرِيبًا فَبِوَاسِطَةٍ، وَمِثْلُ الْغَرِيبِ النِّسَاءُ لِقِلَّةِ خِبْرَةِ الرِّجَالِ بِهِنَّ وَمَعْرِفَتِهِمْ بِهِنَّ وَصِفَةُ التَّزْكِيَةِ أَنْ يَقُولَ الْمُزَكِّي: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَدْلٌ رِضًا؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ تُشْعِرُ بِالسَّلَامَةِ فِي الدِّينِ وَالرِّضَا يُشْعِرُ بِالسَّلَامَةِ مِنْ الْبَلَهِ وَالْغَفْلَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ بِتَمَامِهِ فَلَوْ لَمْ يَأْتِ بِهَذَا اللَّفْظِ أَوْ أَتَى بِأَحَدِ جُزْأَيْهِ فَلَا تُقْبَلُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَقَالَ تَعَالَى {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُزَكِّي مَعَ مَا مَرَّ أَنْ يَكُونَ فَطِنًا لَا يُخْدَعُ عَارِفًا لَا جَاهِلًا وَقِيلَ عَارِفًا
ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ الِاشْتِرَاكُ لَا تَجُوزُ مُطْلَقًا مُعَيَّنًا أَوْ شَرِكَةَ عِنَانٍ أَوْ مُفَاوَضَةً فَيُمْنَعُ كَانَ مُبَرِّزًا أَمْ لَا، وَأَمَّا فِي غَيْرِ مَا فِيهِ الِاشْتِرَاكُ فَفِي الْمُعَيَّنِ تَجُوزُ مُطْلَقًا مُبَرِّزًا أَمْ لَا، وَفِي التَّجْرِ مُفَوَّضًا أَمْ لَا تَجُوزُ بِشَرْطِ التَّبْرِيزِ (قَوْلُهُ: عَلَى طِبْقِ دَعْوَاهُ) صُورَتُهَا ادَّعَى زَيْدٌ عَشَرَةً فَشَهِدَ لَهُ الشَّاهِدُ بِهَا ثُمَّ رَجَعَ وَشَهِدَ لَهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ حِينَئِذٍ بِالْعَشَرَةِ إنْ كَانَ مُبَرِّزًا، وَقَوْلُهُ: أَوْ لَا يَصْدُقُ بِصُورَتَيْنِ الْأُولَى أَنْ يَدَّعِيَ بِعَشَرَةٍ فَيَشْهَدَ بِأَزْيَدَ مِنْ عَشَرَةٍ بِخَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ يَرْجِعَ فَيَشْهَدَ بِعِشْرِينَ مَثَلًا، الثَّانِيَةُ أَنْ يَدَّعِيَ الْمُدَّعِي بِعَشَرَةٍ فَيَشْهَدَ لَهُ بِخَمْسَةٍ ثُمَّ يَرْجِعَ فَيَشْهَدَ بِأَزْيَدَ مِنْ خَمْسَةٍ، وَذَلِكَ صَادِقٌ بِالْعَشَرَةِ الَّتِي هِيَ دَعْوَى الْمُدَّعِي وَبِسِتَّةٍ مَثَلًا، وَبِأَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةٍ فَصُوَرُ تِلْكَ الثَّانِيَةِ ثَلَاثَةٌ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ يَأْخُذُ مَا اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ دَعْوَاهُ وَشَهَادَةُ الشَّاهِدِ، وَهُوَ الْعَشَرَةُ فِي الْأُولَى، وَهِيَ مَا إذَا ادَّعَى بِعَشَرَةٍ، وَشَهِدَ الشَّاهِدُ بِأَزْيَدَ وَكَذَا فِي صُورَتَيْنِ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ مِنْهَا فَيَأْخُذُ سِتَّةً (قَوْلُهُ: حَيْثُ لَمْ يَدَّعِهِ) فَإِنْ ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي بَعْدَ ذَلِكَ فَهَلْ يَأْخُذُهُ الْمُدَّعِي بِدُونِ شَهَادَةٍ ثَانِيَةٍ بِغَيْرِ يَمِينٍ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ الْيَمِينِ
(قَوْلُهُ: حَيْثُ لَمْ يَدَّعِهِ) أَيْ فَلَوْ ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي بَعْدَ ذَلِكَ فَهَلْ يُؤْخَذُ بِغَيْرِ يَمِينٍ وَغَيْرِ شَهَادَةٍ ثَانِيَةٍ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ الْيَمِينِ هَكَذَا نَظَرَ بَعْضُ الشُّيُوخِ مِنْ تَلَامِذَةِ الْمُؤَلِّفِ وَمُفَادُ بَعْضِ الشُّرَّاحِ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ لِشَهَادَةٍ ثَانِيَةٍ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ يَمِينٍ أُخْرَى (قَوْلُهُ: فَإِنْ ادَّعَى الْمُدَّعِي بِعَشَرَةٍ فَشَهِدَ لَهُ بِذَلِكَ) هَذَا تَمْثِيلٌ لِقَوْلِهِ كَانَ شَهَادَتُهُ عَلَى طِبْقِ دَعْوَاهُ (قَوْلُهُ: أَوْ بِأَقَلَّ أَوْ بِأَكْثَرَ) تَوْضِيحٌ لِقَوْلِهِ أَوَّلًا أَوْ لَا وَتَقَدَّمَ تَمْثِيلُهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ لَنَا مَقَامَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَدَّعِيَ قَدْرًا فَيَشْهَدَ لَهُ عَدْلٌ ابْتِدَاءً بِأَزْيَدَ مِنْهُ أَوْ أَنْقَصَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُبَرِّزًا وَحَلَفَ مَعَهُ فِيهِمَا لَكِنْ عَلَى طِبْقِ دَعْوَاهُ فَقَطْ فِي الْأَوَّلِ، وَلَا يَأْخُذُ الزَّائِدَ، وَعَلَى طِبْقِ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ فِي الثَّانِي وَأَخَذَ مَا شَهِدَ بِهِ فَقَطْ فَإِنْ رَجَعَ فِيهِ إلَى شَهَادَتِهِ بِمَا ادَّعَى الْمُدَّعِي قُبِلَ إنْ كَانَ مُبَرِّزًا، وَهَذَا هُوَ الْمَقَامُ الثَّانِي وَيَحْلِفُ الْمُدَّعِي إلَى مَا رَجَعَ لَهُ الشَّاهِدُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَلَفَ قَبْلَهُ عَلَى طِبْقِ شَهَادَتِهِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمَقَامِ الثَّانِي لِاشْتِرَاطِهِ التَّبْرِيزَ لَا الْأَوَّلِ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ (قَوْلُهُ: بَعْدَ قَوْلِهِ حِينَ سُئِلَ عَنْهَا لَا أَدْرِي إلَخْ) أَيْ وَكَذَا بَعْدَ نِسْيَانٍ وَلَيْسَ مُكَرَّرًا مَعَ مَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ فِيمَا قَبْلَهُ جَزَمَ فِي شَهَادَتِهِ بِشَيْءٍ ثُمَّ ذَكَرَ زَائِدًا أَوْ نَاقِصًا وَالنَّاسِي لَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا.

(قَوْلُهُ: وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ بِحَدٍّ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى بَعِيدٌ مِنْ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُفِيدُهُ بِجَعْلِ الْمُبَالَغَةِ فِي مُقَدَّرٍ، وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ مَا يُفِيدُهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَتَزْكِيَةٍ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يَفْتَقِرُ لَهَا، وَإِنْ فِي حَدٍّ.

(قَوْلُهُ: بِأَشْهَدُ أَنَّهُ عَدْلٌ رِضًا) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ لَفْظِ أَشْهَدُ فَلَوْ قَالَ: هُوَ عَدْلٌ رِضًا لَمْ يَكْفِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَاعْتَمَدَ ابْنُ مَرْزُوقٍ عَدَمَ اشْتِرَاطِهِ، وَهُوَ الصَّوَابُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ النَّقْلِ (قَوْلُهُ: عِنْدَ الْقَاضِي) أَيْ أَوْ بَيْنَ النَّاسِ (قَوْلُهُ: يُشْعِرُ بِالسَّلَامَةِ) فَإِنْ قُلْت: تَفْسِيرُ الشَّارِحِ الرِّضَا بِمَا ذُكِرَ يُغْنِي عَنْهُ عَدْلٌ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ فِيمَا تَقَدَّمَ فِي مَفْهُومِهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُغَفَّلٍ، وَالْجَوَابُ أَنَّ الْجَمْعَ لِلِاحْتِيَاطِ، وَجَوَابٌ آخَرُ، السَّلَامَةُ مِنْ الْغَفْلَةِ لَيْسَتْ مُعْتَبَرَةً فِي مَفْهُومِ الْعَدْلِ مُطْلَقًا، بَلْ فِيمَا يُلْبِسُ؛ فَلِذَا ذُكِرَتْ مَعَ الْعَدَالَةِ.
وَقَالَ التَّتَّائِيُّ لِإِشْعَارِ الْأَوَّلِ بِالسَّلَامَةِ مِنْ الْبَلَهِ وَالْغَفْلَةِ وَالثَّانِي لِاحْتِمَالِ ارْتِكَابِ مَا لَا يَلِيقُ (قَوْلُهُ: عَارِفًا) أَيْ بِبَاطِنِ الْمُزَكَّى بِالْفَتْحِ كَمَعْرِفَةِ ظَاهِرِهِ بِأَنْ صَحِبَهُ طَوِيلًا وَعَامَلَهُ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، وَقَوْلُهُ: عَارِفًا بِتَصَنُّعَاتِ إلَخْ لَا يَخْفَى أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ عَارِفًا بِتَصَنُّعَاتِ النَّاسِ عِلْمَهُ بِبَاطِنِ الْمُزَكَّى كَظَاهِرِهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ عَالِمًا

الصفحة 181