كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 7)

كَشَهَادَةِ وَلَدِ الزِّنَا فِيهِ وَفِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ كَالْقَذْفِ وَاللِّعَانِ، وَالْمَنْبُوذِ لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا كَانَ لَهُ مَنْ يُشَارِكُهُ فِي صِفَةٍ خَفَّتْ عَلَيْهِ الْمُصِيبَةُ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّ الْمُصِيبَةَ إذَا عَمَّتْ هَانَتْ وَإِذَا نَدَرَتْ هَالَتْ وَوَدَّتْ الزَّانِيَةُ أَنَّ النِّسَاءَ كُلَّهُنَّ يَزْنِينَ فَقَوْلُهُ: أَوْ عَلَى التَّأَسِّي إلَخْ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ عَلَى إزَالَةِ نَقْصٍ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ اُتُّهِمَ عَلَى الْحِرْصِ عَلَى التَّأَسِّي أَيْ عَلَى مُشَارَكَةِ غَيْرِهِ فِي مَعَرَّتِهِ.

(ص) أَوْ مَنْ حُدَّ فِيمَا حُدَّ فِيهِ (ش) مَعْطُوفٌ عَلَى وَلَدٍ أَيْ وَكَشَهَادَةِ مَنْ حُدَّ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ فِي ذَلِكَ الَّذِي حُدَّ فِيهِ بِخُصُوصِهِ، وَأَمَّا فِي غَيْرِهِ فَتُقْبَلُ كَمَنْ حُدَّ بِشُرْبِ خَمْرٍ فَشَهِدَ بِقَذْفٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ أَمْثِلَةِ التَّأَسِّي الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِتَخْفِيفِ مَعَرَّةٍ بِمُشَارَكَةٍ فِيهَا قَوْلُهُ: فِيمَا حُدَّ فِيهِ أَيْ بِالْفِعْلِ، وَإِلَّا فَقَوْلَانِ حَكَاهُمَا شُرَّاحُ الرِّسَالَةِ وَمِثْلُ الْحَدِّ بِالْفِعْلِ الْقَتْلُ فَقَطْ إذَا عَفَا عَنْهُ كَمَا قَالَهُ فِي الْوَاضِحَةِ عَنْ الْأَخَوَيْنِ وَمِثْلُ الْحَدِّ التَّعَازِيرُ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ عُزِّرَ فِيمَا عُزِّرَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَقَعَ مِنْهُ ذَلِكَ فَلْتَةً فَقَوْلُهُ: فِيمَا حُدَّ فِيهِ أَيْ، وَهُوَ مُسْلِمٌ بِخِلَافِ الْكَافِرِ إذَا حُدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِخِلَافِ الْقَاضِي فَلَهُ أَنْ يَحْكُمَ وَلَوْ فِيمَا حُدَّ فِيهِ.

(ص) وَلَا إنْ حَرَصَ عَلَى الْقَبُولِ كَمُخَاصَمَةِ مَشْهُودٍ عَلَيْهِ مُطْلَقًا (ش) يَعْنِي أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا حَرَصَ عَلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ كَمُخَاصَمَةِ مَشْهُودٍ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ الْحَقُّ لِلَّهِ أَوْ لِآدَمِيٍّ؛ لِأَنَّ مُخَاصَمَةَ الْآدَمِيِّ تَدُلُّ عَلَى بُغْضِهِ لَهُ مِثْلَ أَنْ يَدَّعِيَ شَخْصٌ لِغَائِبٍ، وَيَشْهَدَ لَهُ فَإِنَّ الْمُخَاصَمَةَ مَعَهُ وَرَفْعَهُ حِرْصٌ عَلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِ، وَأَمَّا حَقُّ اللَّهِ فَمِثْلُ أَنْ يَتَعَلَّقَ أَرْبَعَةُ رِجَالٍ بِرَجُلٍ، وَيَرْفَعُوهُ لِلْقَاضِي وَيَشْهَدُوا عَلَيْهِ بِالزِّنَا، وَعَدَمُ الْقَبُولِ فِي ذَلِكَ لِابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُمْ وَتَعَلُّقَهُمْ بِهِ وَرَفْعَهُمْ إيَّاهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ بَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ لَهُمْ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مَأْمُورٌ بِالسَّتْرِ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُخَاصَمَةَ هُنَا خِلَافُ الْعَدَاوَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ.

(ص) أَوْ شَهِدَ وَحَلَفَ (ش) أَيْ وَكَذَلِكَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الشَّاهِدِ إذَا شَهِدَ وَحَلَفَ مَعَ ذَلِكَ عَلَى صِحَّةِ شَهَادَتِهِ سَوَاءٌ شَهِدَ فِي حَقٍّ لِلَّهِ أَوْ لِآدَمِيٍّ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْحَلِفُ مُتَّصِلًا بِالشَّهَادَةِ كَقَوْلِهِ أَشْهَدُ - وَاَللَّهِ - أَنَّ لَهُ عِنْدَهُ كَذَا أَوْ مُنْفَصِلًا عَنْهَا كَقَوْلِهِ أَشْهَدُ أَنَّ لَهُ عِنْدَهُ كَذَا وَاَللَّهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ مِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ كَشَهَادَةِ وَلَدِ الزِّنَا) أَيْ أَوْلَادِ الزِّنَا بِأَنْ يَكُونَ كُلُّ الشُّهُودِ أَوْلَادَ زِنًا أَوْ يَشْهَدَ وَلَدُ زِنًا مَعَ رَجُلٍ آخَرَ بِأَنَّهُ لَاعَنَ زَوْجَتَهُ، وَالزَّوْجَانِ يُنْكِرَانِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا (قَوْلُهُ: كَالْقَذْفِ) فَإِنَّهُ إذَا شَهِدَ بِالْقَذْفِ فَقَدْ أَثْبَتَ الشَّاهِدُ الزِّنَا، فَيَكُونُ الزِّنَا ثَابِتًا فَلَا مَعَرَّةَ عَلَيْهِ، وَكَذَا وَلَدُ الزِّنَا يَوَدُّ اشْتِهَارَ الزِّنَا بِحَيْثُ يَصِيرُ كَالنِّكَاحِ فَلَا مَعَرَّةَ تَلْحَقُهُ فِيمَا يَنْشَأُ عَنْهُ (قَوْلُهُ: وَالْمَنْبُوذِ) عَطْفٌ عَلَى وَلَدِ الزِّنَا أَيْ وَكَذَا شَهَادَةُ الْمَنْبُوذِ لَا تُقْبَلُ فِي الزِّنَا وَنَحْوِهِ، وَلَوْ صَارَ عَدْلًا أَيْ؛ لِأَنَّ شَأْنَ الْمَنْبُوذِ أَنْ يَكُونَ وَلَدَ زِنًا

(قَوْلُهُ: بِتَخْفِيفِ مَعَرَّةٍ) ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ أَنَّ التَّأَسِّي هُوَ تَخْفِيفُ مَعَرَّةٍ بِمُشَارَكَةٍ فِيهَا هَذَا مَعْنًى عُرْفِيٌّ كَاَلَّذِي فَسَّرَ بِهِ الشَّارِحُ، وَإِلَّا فَالتَّأَسِّي فِي الْأَصْلِ هُوَ الِاقْتِدَاءُ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَقَوْلَانِ) مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ صِحَّةُ الشَّهَادَةِ (قَوْلُهُ: فَلْتَةً) أَيْ مَرَّةً (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْقَاضِي إلَخْ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقَاضِيَ يَعْتَمِدُ عَلَى شَهَادَةِ الْغَيْرِ، وَلَكِنَّ الَّذِي قَالَهُ سَحْنُونَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُسْتَقْضَى وَلَدُ الزِّنَا، وَلَا يُحَكَّمُ فِي الزِّنَا كَمَا قَالَهُ ابْنُ فُجْلَةَ، وَهُوَ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ يَعْتَمِدُ عَلَى الشُّهُودِ إلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا تَسَاهَلَ فِي قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ، وَنَظَرُوا فِي اللِّوَاطِ هَلْ يَدْخُلُ فِي الزِّنَا أَمْ لَا وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي الدُّخُولُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ بِالدُّخُولِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ عَدَمُ الشَّهَادَةِ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» .

(قَوْلُهُ: وَلَا إنْ حَرَصَ عَلَى الْقَبُولِ) الْأَوْلَى أَنْ يَأْتِيَ بِلَفْظٍ عَامٍّ يَنْدَرِجُ فِيهِ أَفْرَادُ الْمَانِعِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: أَوْ رَفَعَ قَبْلَ الطَّلَبِ لَا يَشْمَلُهُ مَا قَبْلَهُ فَالْأَوْلَى لِلْمُؤَلِّفِ أَنْ يَقُولَ: وَلَا إنْ حَرَصَ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي الْأَدَاءِ وَالْقَبُولِ ثُمَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ أَفْرَادِهِمَا يَقُولُ بِخِلَافِ الْحِرْصِ عَلَى التَّحَمُّلِ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا فِي غَيْرِ أَرْبَابِ الشُّرَطِ، وَأَمَّا أَرْبَابُ الشُّرَطِ كَالْوَالِي يَأْخُذُ شَخْصًا وَيَرْفَعُهُ لِلسُّلْطَانِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ وَيُشْهِدَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ حَبَسَهُ أَوَّلًا، فَلَا تَصِحُّ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَبْسُ لِعُذْرٍ كَلَيْلٍ مَثَلًا فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ، وَلَا يَكُونُ هَذَا الْحَبْسُ مَانِعًا مِنْ الشَّهَادَةِ كَذَا صَرَّحُوا إلَّا أَنْ يَعْظُمَ الْفَسَادُ فِي الْأَسْوَاقِ فَلَا بَأْسَ أَنَّ أَهْلَ السُّوقِ يَرْفَعُونَهُمْ إلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا نَعَمْ إنْ فَوَّضَ التَّصَرُّفَ إلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ السُّوقِ كَانَ كَالْوَالِي (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مُخَاصَمَتَهُ لَهُ تَدُلُّ عَلَى بُغْضِهِ لَهُ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُفَادَ مِنْ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْقَبُولِ هُوَ الْحِرْصُ عَلَى الْقَبُولِ لَا الْبُغْضُ الَّذِي هُوَ يَرْجِعُ لِلْعَدَاوَةِ فَتِلْكَ الْعِلَّةُ تُنَافِي الْمُفَادَ مِنْ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْمُخَاصَمَةَ مَعَهُ وَرَفَعَهُ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ: إنَّ هَذَا حِرْصٌ عَلَى الْأَدَاءِ لَا عَلَى الْقَبُولِ عَلَى أَنَّهُ يُقَالُ حَرَصَ عَلَيْهِمَا فَكَيْفَ يَأْتِي قَوْلُهُ: حَرَصَ عَلَى الْقَبُولِ أَيْ فَقَطْ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ (قَوْلُهُ: وَعَدَمُ الْقَبُولِ فِي ذَلِكَ لِابْنِ الْقَاسِمِ) وَمُقَابِلُهُ مَا لِابْنِ الْمَاجِشُونِ وَمُطَرِّفٍ وَأَصْبَغَ، وَهُوَ اخْتِيَارُ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ (قَوْلُهُ: بَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ لَهُمْ) لَا يَخْفَى أَنَّ ارْتِكَابَ الْمَكْرُوهِ لَا يَنْفِي الْعَدَالَةَ الْمُوجِبَةَ لِصِحَّةِ الشَّهَادَةِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مَأْمُورٌ بِالسَّتْرِ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَمْرُ نَدْبٍ، وَإِلَّا كَانَ ذَلِكَ حَرَامًا لَا مَكْرُوهًا مَعَ أَنَّ الْمَوَّاقَ صَرَّحَ بِوُجُوبِ السَّتْرِ عَلَى نَفْسِهِ، وَعَلَى غَيْرِهِ أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ يُحَدُّونَ حَدَّ الْقَذْفِ ثُمَّ بَعْدَ كَتْبِي هَذَا وَجَدْت التَّصْرِيحَ بِوُجُوبِ الْحَدِّ إلَّا أَنْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ سِوَاهُمْ عَلَى مُعَايَنَةِ الْفِعْلِ كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ انْتَهَى (قَوْلُهُ: وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُخَاصَمَةَ هُنَا خِلَافُ الْعَدَاوَةِ) أَقُولُ: قَدْ عَلِمْت أَنَّ مُخَاصَمَةَ الْآدَمِيِّ تَدُلُّ عَلَى بُغْضِهِ لَهُ وَمَتَى وُجِدَ الْبُغْضُ وُجِدَتْ الْعَدَاوَةُ فَرَجَعَتْ الْمُخَاصَمَةُ لِلْعَدَاوَةِ لَا إلَى خِلَافِهَا.

الصفحة 186