كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 7)

الْمَسْأَلَةُ الْمَانِعُ فِيهَا الِاسْتِبْعَادُ وَمُخَالَفَةُ الْعَادَةِ وَالْمَعْنَى أَنَّ السُّؤَالَ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِي الْحَقِّ الْمَالِيِّ إذَا كَانَ كَثِيرًا، وَتَجُوزُ فِي التَّافِهِ الْيَسِيرِ لِمَا تَقَدَّمَ وَهَذَا مَعَ قَصْدِ الشَّهَادَةِ وَأَمَّا إنْ سَمِعَهُ يَقُولُ أَوْ مَرَّ بِهِمَا، وَهُمَا يَتَنَازَعَانِ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ بِكَذَا فَإِنَّهُ يُقْبَلُ فَقَوْلُهُ: فِي كَثِيرٍ لَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِسَائِلٍ بَلْ بِمُقَدَّرٍ أَيْ شَهِدَ فِي كَثِيرٍ بِخِلَافِ مَنْ يُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ أَوْ يَسْأَلُ أَعْيَانَ النَّاسِ وَأَشْرَافَهُمْ فَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ، وَلَوْ فِي الْمَالِ الْكَثِيرِ، وَالْمُرَادُ بِالْأَعْيَانِ الْأَغْنِيَاءُ، وَإِنَّمَا تُمْنَعُ شَهَادَةُ السَّائِلِ فِي الْكَثِيرِ إذَا كَانَ يَسْأَلُ لِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ الزَّكَاةِ، وَإِلَّا فَلَا كَمَا قَالَهُ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ.

(ص) وَلَا إنْ جَرَّ بِهَا كَعَلَى مُوَرِّثِهِ الْمُحْصَنِ بِالزِّنَا (ش) هَذَا عَطْفٌ عَلَى مُغَفَّلٍ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى أَيْ، وَلَا يَجُرُّ لَهُ بِهَا نَفْعًا، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا جَرَّ بِشَهَادَتِهِ نَفْعًا لَهُ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ لِلتُّهْمَةِ كَمَا إذَا شَهِدَ عَلَى مُوَرِّثِهِ الْمُحْصَنِ بِالزِّنَا فَإِنَّ شَهَادَتَهُ لَا تَجُوزُ لِاتِّهَامِهِ عَلَى قَتْلِهِ لِيَرِثَهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ الشُّهُودُ كُلُّهُمْ وَرَثَةً أَوْ بَعْضُهُمْ مِمَّنْ لَا تَتِمُّ الشَّهَادَةُ إلَّا بِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُوَرِّثُ أَبَاهُ أَوْ أَخَاهُ أَوْ وَلَدَهُ وَاحْتُرِزَ بِالْمُحْصَنِ عَنْ الْمُوَرِّثِ الْبِكْرِ فَإِنَّ شَهَادَتَهُ عَلَيْهِ جَائِزَةٌ؛ إذْ لَا تُهْمَةَ حِينَئِذٍ.

(ص) أَوْ قَتْلِ الْعَمْدِ إلَّا الْفَقِيرَ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ إذَا شَهِدَ عَلَى مُوَرِّثِهِ بِأَنَّهُ قَتَلَ شَخْصًا عَمْدًا فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ لِلتُّهْمَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَوْرُوثُ فَقِيرًا، فَإِنَّ شَهَادَةَ الْوَارِثِ حِينَئِذٍ عَلَى مُوَرِّثِهِ بِالزِّنَا أَوْ الْقَتْلِ عَمْدًا جَائِزَةٌ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ؛ إذْ لَا تُهْمَةَ حِينَئِذٍ وَاحْتُرِزَ بِقَتْلِ الْعَمْدِ عَنْ قَتْلِ الْخَطَأِ فَإِنَّ شَهَادَتَهُ تَجُوزُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ؛ إذْ لَا تُهْمَةَ غَنِيًّا كَانَ الْمُوَرِّثُ أَوْ فَقِيرًا.

(ص) أَوْ بِعِتْقِ مَنْ يُتَّهَمُ فِي وَلَائِهِ (ش) هَذَا عَطْفٌ عَلَى مُوَرِّثِهِ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ، وَكَذَا قَوْلُهُ: بَعْدَهُ أَوْ بِدَيْنٍ، وَتَقْدِيرُهُ كَشَهَادَتِهِ عَلَى مُوَرِّثِهِ الْمُحْصَنِ بِالزِّنَا، وَكَشَهَادَتِهِ بِعِتْقِ مَنْ يُتَّهَمُ عَلَى وَلَائِهِ أَوْ شَهَادَتِهِ بِدَيْنٍ فَهُوَ مِنْ أَمْثِلَةِ الْجَرِّ كَمَا إذَا شَهِدَ أَنَّ أَبَاهُ أَعْتَقَ فُلَانًا مَثَلًا حَيْثُ كَانَ الْمَشْهُودُ بِعِتْقِهِ ذَا مَالٍ، وَأَنْ يَكُونَ فِي الْوَرَثَةِ مَنْ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْوَلَاءِ كَالْبَنَاتِ وَالزَّوْجَاتِ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا تُؤَدِّي إلَى حِرْمَانِ الْوَرَثَةِ الْمَذْكُورِينَ فَلِذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مَنْ ذُكِرَ فَهِيَ مَقْبُولَةٌ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ عَلَيْهِمْ زَادَ فِيهَا قَيْدًا آخَرَ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ التُّهْمَةُ حَاصِلَةً الْآنَ بِأَنْ يَكُونَ لَوْ مَاتَ حِينَئِذٍ وَرِثَهُ، وَأَمَّا إنْ كَانَ قَدْ يَرْجِعُ إلَيْهِمَا يَوْمًا مَا كَمَا لَوْ شَهِدَ أَخَوَانِ أَنَّ أَخَاهُمَا أَعْتَقَ هَذَا الْعَبْدَ وَهُنَاكَ ابْنَانِ فَإِنَّ شَهَادَتَهُمَا جَائِزَةٌ اهـ.
وَالْمُرَادُ بِالْوَلَاءِ هُنَا الْمَالُ أَيْ مَنْ يُتَّهَمُ فِي مَالِهِ.

(ص) أَوْ بِدَيْنٍ لِمَدِينِهِ (ش) هَذَا أَيْضًا مِنْ أَمْثِلَةِ الْجَرِّ، وَالْمَعْنَى أَنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لِمَدِينِهِ بِهِبَةٍ أَوْ جِرَاحِ خَطَأٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَئُولُ إلَى الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ أَنْ يَأْخُذَ مَا يَحْصُلُ لِلْمَدِينِ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ، وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ لِمَدِينِهِ فِي غَيْرِ الْمَالِ كَالْقَذْفِ وَقَتْلِ الْعَمْدِ وَنَحْوِهِ؛ إذْ لَا تُهْمَةَ حِينَئِذٍ، وَلَوْ أَبْدَلَ " دَيْنٍ " بِمَالٍ لَكَانَ أَشْمَلَ كَمَا لَوْ شَهِدَ لَهُ بِمَالٍ مُعَيَّنٍ كَثَوْبٍ أَوْ دَارٍ وَنَحْوِهِمَا، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِمَا إذَا كَانَ الْمَشْهُودُ لَهُ مُعْسِرًا، وَكَانَ دَيْنُهُ حَالًّا أَوْ قَرِيبَ الْحُلُولِ، وَعَبَّرَ هُنَا بِمَدِينٍ وَبَعْدَهُ بِمُدَانٍ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُمَا لُغَتَانِ، وَبَقِيَتْ لُغَةٌ ثَالِثَةٌ، وَهِيَ مِدْيَانٌ وَرَابِعَةٌ، وَهِيَ مَدْيُونٌ.

(ص) بِخِلَافِ الْمُنْفِقِ لِلْمُنْفَقِ عَلَيْهِ (ش) أَيْ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ جَائِزَةٌ كَمَا إذَا كَانَ أَجِيرًا عِنْدَهُ لَيْسَ فِي عِيَالِهِ أَيْ لَمْ تَكُنْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ وَاجِبَةً بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ، وَسَوَاءٌ كَانَ قَرِيبًا أَوْ أَجْنَبِيًّا، أَمَّا مَنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ فَقَدْ مَرَّ أَنَّهَا مُمْتَنِعَةٌ لِأَجْلِ الْقَرَابَةِ وَأَمَّا عَكْسُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ وَهُوَ شَهَادَةُ مَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: إذَا كَانَ كَثِيرًا إلَخْ) وَهُوَ مَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِاسْتِشْهَادِهِ فِيهِ، وَتَرَكَ الْأَغْنِيَاءَ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ الْكَثِيرَ إنَّمَا يُقْصَدُ فِي تَوْثِيقِهِ غَالِبًا الْأَغْنِيَاءُ فَالْعُدُولُ عَنْهُمْ إلَى فُقَرَاءَ رِيبَةٌ؛ لِأَنَّ الْفَقْرَ قَدْ يَحْمِلُ عَلَى الرِّشْوَةِ، وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ سَوَاءٌ سَأَلَ لِمُصِيبَةٍ أَمْ لَا.

(قَوْلُهُ: وَلَا إنْ جَرَّ إلَخْ) وَمِنْ ذَلِكَ لَوْ شَهِدَ السَّيِّدُ عَلَى عَبْدِهِ أَنَّهُ قَدْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ عَلَى إزَالَةِ ذَلِكَ الْعَيْبِ الْحَاصِلِ بِالتَّزْوِيجِ بِنَاءً عَلَى زَوَالِ الْعَيْبِ بِالطَّلَاقِ (قَوْلُهُ: عَطْفٌ عَلَى مُغَفَّلٍ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ عَطْفٌ عَلَى لَيْسَ بِمُغَفَّلٍ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى وَكَأَنَّهُ قَالَ لَا إنْ كَانَ مُغَفَّلًا، وَلَا إنْ جَرَّ، وَقَوْلُهُ: أَيْ، وَلَا يَجُرُّ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَاضِيَ فِي الْمُصَنِّفِ بِمَعْنَى الْمُضَارِعِ.

(قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَوْرُوثُ فَقِيرًا) لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ يُنْفِقُ عَلَى ذَلِكَ الْفَقِيرِ أَمْ لَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ.

(قَوْلُهُ: هَذَا عَطْفٌ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ تَقْدِيرَهُ الَّذِي ذَكَرَهُ يُنَكِّدُ عَلَى ذَلِكَ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ مَحْذُوفٌ، وَهُوَ لَفْظُ شَهَادَتِهِ الْمُضَافُ وَالْمُضَافُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: كَمَا إذَا شَهِدَ إلَخْ) أَيْ جِنْسُ الْوَلَدِ الصَّادِقِ بِاثْنَيْنِ فَصَحَّ تَثْنِيَةُ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا أَيْ الْوَلَدَيْنِ (قَوْلُهُ: حَيْثُ كَانَ الْمَشْهُودُ بِعِتْقِهِ ذَا مَالٍ) لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ مِثْلُ الْمَالِ مَا إذَا كَانَ عَالِمًا أَوْ صَالِحًا أَوْ فَارِهًا؛ لِأَنَّ لِلنَّاسِ رَغْبَةً فِي انْتِسَابِ مَنْ يَكُونُ كَذَلِكَ لَهُمْ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مَنْ ذُكِرَ) بِأَنْ كَانُوا كُلُّهُمْ ذُكُورًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الضَّرَرَ عَلَيْهِمْ) أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَبْدَ لَا يُبَاعُ بَلْ صَارَ حُرًّا فَجَاءَ الضَّرَرُ عَلَى الْأَوْلَادِ الَّذِينَ هُمْ الشُّهُودُ (قَوْلُهُ: يَوْمًا) أَيْ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَمُوتَ ابْنُ الْمُعْتَقِ (قَوْلُهُ: وَهُنَاكَ ابْنَانِ) أَيْ لِلْأَخِ بَلْ وَلَوْ ابْنٌ وَاحِدٌ أَوْ ابْنٌ لِلْعَبْدِ (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِالْوَلَاءِ هُنَا الْمَالُ) أَيْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ اللُّحْمَةَ.

(قَوْلُهُ: إذَا كَانَ الْمَشْهُودُ لَهُ مُعْسِرًا) أَيْ أَوْ مَلِيًّا وَكَانَ مُلِدًّا (قَوْلُهُ: بِمُدَانٍ) بِتَخْفِيفِ الدَّالِ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ وَفِي غَيْرِهِ: مُدَّانٌ بِالتَّشْدِيدِ ابْنُ غَازِيٍّ بِالْمَعْنَى أَفَادَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

(قَوْلُهُ: أَيْ لَمْ تَكُنْ نَفَقَتُهُ) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ فِي عِيَالِهِ فَالْأَجِيرُ الَّذِي لَمْ تَكُنْ نَفَقَتُهُ وَاجِبَةً بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْمُنْفِقِ عَلَيْهِ لَهُ، وَلَوْ كَانَ يَأْكُلُ مَعَ عِيَالِهِ.

الصفحة 189